أعياد الاستقلال هي "أعياد الميلاد الوطنية" للدول: اللحظة التي تُؤطر فيها الذاكرة الجماعية لتاريخ قيام الدولة أو تحررها أو توحدها. لا تختار كل دولة التاريخ نفسه أو السبب نفسه؛ فبعضها يحتفي بإعلان الاستقلال، وأخرى باندلاع ثورة، أو نتيجة استفتاء، أو إقرار دستور، أو يوم الوحدة الوطنية.
هذا الدليل يشرح كيف ولماذا تُنتقى هذه التواريخ، مع أمثلة عالمية، ودول غيّرت يومها الوطني بمرور الزمن، وأخرى تحتفل بأكثر من محطة سيادية. ستخرج بصورة أوضح عن معنى اليوم الوطني، وأهم أنماط الاختيار، وما الذي يجعل التاريخ يتبدل.
ما هو اليوم الوطني؟ وهل يساوي دائمًا يوم الاستقلال؟
اليوم الوطني هو العطلة الرسمية الأبرز في معظم الدول، لكنه لا يطابق دائمًا "عيد الاستقلال" حرفيًا. بعض الدول لم تتعرض لاستعمار مباشر فتحتفي بيوم التأسيس أو الوحدة (مثل السعودية 23 سبتمبر)، وأخرى تختار ذكرى ثورة (فرنسا 14 يوليو)، أو دستور (النرويج 17 مايو)، أو إعادة توحيد (ألمانيا 3 أكتوبر). أما الدول التي تحررت من استعمار حديث فغالبًا تميل إلى تاريخ الاستقلال أو ما يرتبط به من إعلان أو انتصار.
كيف تُختار تواريخ أعياد الاستقلال؟ أنماط شائعة
- إعلان الاستقلال: يوم قراءة وثيقة الاستقلال أو إعلان الدولة ذات السيادة. مثال: الولايات المتحدة (4 يوليو 1776)، إندونيسيا (17 أغسطس 1945)، كوسوفو (17 فبراير 2008).
- ثورة أو انتفاضة مفصلية: لحظة كسر النظام القديم وبداية التحول. مثال: فرنسا (14 يوليو 1789)، المكسيك (16 سبتمبر 1810 بداية حرب الاستقلال).
- استفتاء شعبي أو اعتراف دولي: تثبيت الإرادة الشعبية أو الاعتراف بالدولة. مثال: الجبل الأسود (21 مايو 2006 – استفتاء الاستقلال)، جنوب السودان (9 يوليو 2011 – إعلان واستكمال الإجراءات بعد الاستفتاء).
- دستور جديد: اختيار الوثيقة التأسيسية كعنوان للشرعية. مثال: النرويج (17 مايو 1814)، الدنمارك (5 يونيو – يوم الدستور).
- وحدة أو اتحاد: دمج كيانات أو أقاليم مستقلة أو شبه مستقلة في دولة واحدة. مثال: ألمانيا (3 أكتوبر 1990 – يوم الوحدة)، الإمارات العربية المتحدة (2 ديسمبر 1971)، تنزانيا (26 أبريل 1964).
- تحرير/نصر نهائي: يوم الانسحاب النهائي للقوة الأجنبية أو سقوط العاصمة وتحررها. مثال: إريتريا (24 مايو 1991)، بنغلادش تحتفل أيضًا بيوم النصر (16 ديسمبر 1971).
- تاريخ مؤسِّس أو سلالة حاكمة: إبراز اللحظة الرمزية لنشوء الدولة الحديثة أو الأسرة المؤسسة. مثال: السعودية (23 سبتمبر توحيد المملكة؛ ويوم التأسيس 22 فبراير)، قطر (18 ديسمبر – يوم مؤسس الدولة).
أمثلة عالمية بحسب نوع المناسبة
1) إعلان الاستقلال
- الولايات المتحدة: 4 يوليو – إعلان الاستقلال عام 1776، أصبح رمزًا لتكريس السيادة عبر وثيقة مكتوبة.
- البرازيل: 7 سبتمبر 1822 – صرخة "إنديبندنسيا أو مورتِه" التي أعلنت الانفصال عن البرتغال.
- إندونيسيا: 17 أغسطس 1945 – إعلان سوكارنو-حتّا، رغم الاعتراف الدولي لاحقًا بعد صراع.
- إسرائيل: يوم الاستقلال بحسب التقويم العبري (يوم 5 أيار غالبًا)، يُنقل ضمن الأسبوع نفسه حفاظًا على شعائر السبت، ما يبرز دور التقويمات الدينية في تثبيت الذاكرة.
- كوسوفو: 17 فبراير 2008 – إعلان الاستقلال من جانب واحد، مع اعتراف دولي جزئي؛ يُحتفل به كيوم تأسيس فعلي.
2) ثورات واندلاع حركات التحرر
- فرنسا: 14 يوليو – اقتحام سجن الباستيل 1789 باعتباره شرارة الثورة الفرنسية.
- المكسيك: 16 سبتمبر – "صرخة دولوريس" 1810 كبداية لحرب الاستقلال، لا يوم الاعتراف النهائي.
- بنغلادش: 26 مارس – إعلان الاستقلال وبدء حرب التحرير ضد باكستان، مع يوم نصر لاحق (16 ديسمبر).
3) استفتاء أو اعتراف دولي
- الجبل الأسود: 21 مايو – تاريخ الاستفتاء الذي صوّت فيه الشعب للانفصال عن صربيا في 2006؛ كما تحتفل بيوم الدولة في 13 يوليو لذكرى الاعتراف الدولي 1878 والانتفاضة 1941.
- جنوب السودان: 9 يوليو – استكمال مسار الاستفتاء (يناير 2011) بالإعلان الرسمي وولادة الدولة الجديدة.
- إريتريا: رغم أن الاستفتاء جرى في 1993، تحتفل الدولة بـ24 مايو 1991 يوم تحرير العاصمة حسمة للحرب.
4) دستور جديد كعقد اجتماعي
- النرويج: 17 مايو – دستور 1814 الذي أسس لسيادة قانونية ورمزية وطنية مبكرة.
- الدنمارك: 5 يونيو – يوم الدستور (1849 ثم تعديلات لاحقة) يرمز للتحول إلى الملكية الدستورية.
5) وحدة واندماج كيانات
- ألمانيا: 3 أكتوبر – إعادة التوحيد عام 1990، مع تغيير رمزي من يوم 17 يونيو الذي كان يومًا وطنيًا في ألمانيا الغربية.
- الإمارات العربية المتحدة: 2 ديسمبر – اتحاد الإمارات 1971 وتأسيس الدولة الحديثة.
- تنزانيا: 26 أبريل – اتحاد تنجانيقا وزنجبار 1964، مع احتفال منفصل بثورة زنجبار (12 يناير).
- اليمن: 22 مايو – يوم الوحدة 1990، بجانب أيام ثورية أخرى (26 سبتمبر و14 أكتوبر).
لماذا لا تختار بعض الدول يوم الاستقلال تحديدًا؟
- لم تُستعمر رسميًا: دول مثل اليابان وتايلند وإثيوبيا تبني سرديتها على التأسيس أو الانتصارات التاريخية أو رمزية الدولة، لا على الاستقلال عن قوة خارجية.
- أولوية الوحدة أو التأسيس: دول الخليج تميل إلى إبراز التوحيد أو المؤسس (السعودية، قطر، الإمارات)، ما يعكس هوية الدولة الحديثة أكثر من حدث استقلال قانوني.
- التحول الدستوري فوق التحرر العسكري: في أوروبا الشمالية، يعد الدستور حجر الزاوية للهوية المدنية، لذا يسبق في الرمزية تاريخ الاستقلال أو لا يُذكر أصلاً.
دول غيّرت تاريخها الوطني أو صيغته
- الفلبين: احتُفل سابقًا بـ4 يوليو (1958–1961) تزامنًا مع اعتراف الولايات المتحدة بالاستقلال، ثم غُيّر إلى 12 يونيو (إعلان 1898) بقرار رئاسي في 1962 وتثبيت قانوني لاحقًا؛ 4 يوليو بات يوم الصداقة الفلبينية–الأمريكية.
- قطر: كان يوم الاستقلال 3 سبتمبر 1971، لكنه استُبدل في 2007 بـ< b>18 ديسمبر يوم المؤسس الشيخ جاسم بن محمد، لإبراز جذور الدولة ووحدتها.
- الكويت: الاستقلال كان 19 يونيو 1961، لكن العيد الوطني يُحتفل به في 25 فبراير منذ 1963 (ذكرى تولي الأمير عبد الله السالم) لتفادي حرّ الصيف.
- روسيا: 12 يونيو بدأ كـ"عيد إعلان سيادة روسيا" (1990) ثم أعيدت تسميته إلى "يوم روسيا" في 2002، ما يوضح تبدّل الرسالة الرمزية مع ثبات التاريخ.
- ألمانيا: غيّرت من 17 يونيو (ذكرى انتفاضة 1953 في الشرق) إلى 3 أكتوبر بعد الوحدة 1990؛ مثال على مواءمة الذاكرة الوطنية مع الواقع السياسي الجديد.
- بولندا: عيد الاستقلال 11 نوفمبر 1918 أُزيل في الحقبة الشيوعية ثم أعيد رسميًا بعد 1989، بينما بقي يوم الدستور 3 مايو عطلة محورية.
- باكستان: يُحتفل بـ14 أغسطس حتى وإن كان انتقال السلطة قانونيًا في 15 أغسطس 1947؛ الاستباق ارتبط آنذاك بحسابات تقويمية ودينية وسياسية، واستقر عرفًا وقانونًا.
دول تحتفل بأكثر من محطة سيادية
- تيمور-ليستيه: 28 نوفمبر 1975 إعلان الاستقلال، و20 مايو 2002 "استعادة الاستقلال" بعد الإدارة الدولية؛ عطلتان سياديتان مميزتان.
- أرمينيا: 21 سبتمبر 1991 عيد الاستقلال، و28 مايو يوم الجمهورية الأولى (1918)، ما يجسر بين دولتيْن تاريخيتين.
- بنغلادش: 26 مارس يوم الاستقلال، و16 ديسمبر يوم النصر؛ بداية المسار ونهايته.
- الجبل الأسود: 21 مايو (استفتاء 2006) إلى جانب 13 يوليو يوم الدولة؛ ازدواج رمزي بين شرعية تاريخية وشعبية.
- كازاخستان: 16 ديسمبر 1991 عيد الاستقلال، مع إعادة إحياء 25 أكتوبر يوم الجمهورية في 2022؛ سردية متدرجة للدولة الحديثة.
- المغرب: 18 نوفمبر عيد الاستقلال، إلى جانب 6 نوفمبر ذكرى المسيرة الخضراء و30 يوليو عيد العرش؛ تعددية مناسبات ترسّخ هوية الدولة ومسار استعادتها للسيادة.
- جورجيا: 26 مايو استقلال 1918 (عن الإمبراطورية الروسية)، و9 أبريل يوم الوحدة الوطنية والحرية (إحياء ذكرى 1989 والاستقلال 1991).
التقويم يؤثر أيضًا: بين الغريغوري والديني والشمسي
- التقويمات الدينية: تُراعي دول مثل إسرائيل التكافؤ بين المناسبة الوطنية والشعائر الدينية، فتُنقل العطلة ضمن أسبوع محدد لتجنّب تعارضها مع السبت.
- التقويمات الشمسية المحلية: بعض المناسبات تُحتسب وفق تقاويم محلية (كالشمسي الفارسي/الهجري الشمسي)، ما يجعل التاريخ الغريغوري يتغير قليلًا سنويًا.
- سياسات نقل الإجازات: دول عدة تنقل الإجازة إلى أقرب اثنين/جمعة لدعم السياحة والإنتاجية دون المساس بالرمزية.
لماذا تغيّر الدول تاريخ العيد الوطني؟
- إعادة بناء السردية الوطنية: إبراز حدث يعبّر بدقة عن هوية الدولة الحديثة (من استقلال إلى مؤسس أو وحدة).
- الشرعية السياسية: ربط الحاضر بماضٍ يمنح السلطة أو العقد الاجتماعي قبولًا أوسع (تثبيت الدستور أو الثورة كمصدر شرعية).
- الملاءمة الاجتماعية والمناخية: اختيار توقيت يناسب الطقس والفعاليات الجماهيرية (نموذج الكويت).
- تجاوز حساسيات تاريخية: الابتعاد عن تواريخ مرتبطة بقوى استعمارية أو انقسامات داخلية.
- التوافق الاتحادي/الفدرالي: اختيار تاريخ يجمع أقاليم متعددة تحت رمز واحد (ألمانيا، الإمارات، تنزانيا).
خلاصة
أعياد الاستقلال ليست مجرد تواريخ على التقويم، بل مرآة لاختيارات الهوية وسردية الدولة. قد يكون اليوم الوطني إعلانًا، ثورة، دستورًا، استفتاءً أو اتحادًا؛ وقد يتغير عبر الزمن أو يتكامل مع أيام سيادية أخرى. فهمك لسبب الاختيار يفتح نافذة على ما تعتبره الأمة جوهر قصتها: لحظة الميلاد السياسي، أو لحظة الوحدة، أو العقد الذي جمع شعبها.
الأسئلة الشائعة
هل اليوم الوطني هو نفسه عيد الاستقلال دائمًا؟
ليس بالضرورة. في دول كثيرة يتطابقان (الهند 15 أغسطس)، بينما في أخرى يُبرز اليوم الوطني حدثًا آخر كالدستور (النرويج)، الوحدة (ألمانيا، الإمارات) أو المؤسس (قطر).
لماذا تختار بعض الدول بداية الثورة بدل يوم الاعتراف النهائي؟
لأن رمزية الانطلاق تعبّر عن الإرادة الشعبية والتضحيات، حتى لو جاء الاعتراف لاحقًا. المكسيك وبنغلادش مثالان واضحان.
هل يمكن أن تمتلك الدولة أكثر من عيد سيادي كبير؟
نعم. تيمور-ليستيه وأرمينيا وبنغلادش تحتفل بمناسبتين أو أكثر تعكس بدايات مختلفة أو انتصارات نهائية في مسار الاستقلال.
من يقرّر تغيير تاريخ العيد الوطني؟
عادةً عبر تشريع برلماني أو مرسوم رئاسي بعد نقاش عام، وقد ترافقه حملات توعوية لإعادة صياغة السردية الوطنية.
لماذا تغيّر بعض الدول تاريخها الوطني لاحقًا؟
لملاءمة المناخ والاحتفال، أو لإبراز حدث أشمل للهوية، أو لمواءمة واقع سياسي جديد (توحد، دستور جديد، نهاية نظام سابق).
هل تتبع كل الدول التقويم الغريغوري في الأعياد الوطنية؟
لا. بعض الدول تعتمد تقاويم دينية أو شمسية محلية، أو تنقل العيد ضمن أسبوع ثابت لتجنّب التعارض مع شعائر أو أيام راحة.
هل كل الأعياد الوطنية عطلات رسمية مدفوعة؟
غالبًا نعم، لكن التفاصيل تختلف: قد تُنقل الإجازة إن صادفت عطلة نهاية الأسبوع، أو تُدمج مع فعاليات تمتد أيامًا عدّة.