سحق جيوش شيللا-تانغ محاولة استعادة بيكجي وأجبرت ياماتو اليابان على الانسحاب من كوريا في معركة بايكجانج.
تُعد مملكة شيللا (بالكورية: 신라؛ بالهانجا: 新羅)، التي امتدت من عام 57 قبل الميلاد إلى عام 935 ميلادي، إحدى الممالك الكورية العظمى التي تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ شبه الجزيرة الكورية. تأسست شيللا في الأجزاء الجنوبية والوسطى من شبه الجزيرة، وشكلت مع مملكتي بيكجي وغوغوريو ما عُرف بـ "ممالك كوريا الثلاث"، وهي حقبة زمنية غنية بالصراعات والتطورات الثقافية والعسكرية.
بدأت شيللا رحلتها التاريخية ككيان قبلي ضمن اتحادات سامهان المتفرقة، لكنها سرعان ما نمت لتصبح قوة سياسية وعسكرية مؤثرة. يُنسب تأسيسها إلى هيوكجوسيه ملك شيللا، الذي ينتمي إلى عشيرة باك. على مدار قرون عديدة، تعاقبت على حكم المملكة ثلاث عشائر رئيسية: عشيرة غيونغجو كيم (金) التي حكمت لمدة 586 عامًا، وعشيرة ميريانغ باك (박، 朴) التي حكمت لمدة 232 عامًا، وعشيرة وولسيونغ سيوك (석، 昔) التي حكمت لمدة 172 عامًا. هذا التعاقب يعكس طبيعة النظام السياسي المعقد وتنافس العشائر على السلطة.
اتسمت حقبة شيللا بالدبلوماسية الذكية والتحالفات الاستراتيجية. فقد تحالفت المملكة في بادئ الأمر مع أسرة سوي الصينية، ثم لاحقًا مع أسرة تانغ القوية، وهو تحالف لعب دورًا حاسمًا في مصير شبه الجزيرة. بفضل هذا التحالف، تمكنت شيللا من تحقيق طموحها في توحيد الممالك الكورية. ففي عام 660 ميلادي، نجحت في غزو مملكة بيكجي، تلاها غزو مملكة غوغوريو في عام 668 ميلادي. هذه الانتصارات أدت إلى تأسيس "شيللا الموحدة"، التي بسطت سيطرتها على معظم أراضي شبه الجزيرة الكورية، بينما ظهرت في الشمال دولة بالهاي كوارثة لغوغوريو، لتشكل بذلك نظامًا جديدًا من القوى الإقليمية.
دام حكم شيللا ما يقرب من ألف عام، وهي فترة شهدت ازدهارًا ثقافيًا وفنيًا ودينيًا، خصوصًا انتشار البوذية. لكن مع مرور الوقت، بدأت المملكة تعاني من التفكك الداخلي والاضطرابات. انقسمت شيللا في مراحلها الأخيرة إلى ما يُعرف بـ "ممالك شيللا الثلاث اللاحقة"، وهي بايكجي اللاحقة وتايبونغ وشيللا نفسها. انتهى عهد شيللا العظيم في عام 935 ميلادي عندما سلمت السلطة إلى مملكة غوريو الصاعدة، لتفتح صفحة جديدة في تاريخ كوريا.
معركة بايكغانغ: نقطة تحول حاسمة
تُعرف معركة بايكغانغ، التي وقعت عام 663 ميلادي، بأسماء مختلفة عبر الثقافات المشاركة فيها؛ ففي اليابان تُسمى "معركة هاكوسوكي نو-إي" (باليابانية: 白村江の戦い)، وفي الصين تُعرف بـ "معركة بايجيانغكو" (بالصينية: 白江口之戰). لم تكن هذه المعركة مجرد اشتباك عسكري، بل كانت مواجهة محورية حددت مسار توحيد شبه الجزيرة الكورية.
دارت رحى هذه المعركة الضارية بين تحالف قوي يضم قوات شيللا وأسرة تانغ الصينية من جهة، وقوات استعادة بيكجي المتحالفة مع اليابان (مملكة ياماتو) من جهة أخرى. كان هدف قوات استعادة بيكجي، المدعومة بسخاء من اليابان، هو إعادة إحياء مملكة بيكجي التي سقطت على يد تحالف شيللا-تانغ قبل ثلاث سنوات في عام 660 ميلادي. بينما كانت اليابان ترى في مساعدة بيكجي فرصة للحفاظ على نفوذها في شبه الجزيرة وتأمين مصالحها التجارية والسياسية.
وقعت المعركة على نهر بينغما، أو ما يُعرف أيضًا بنهر بايك (والذي يمثل الروافد الدنيا لنهر جيوم الحالي) في مقاطعة جولابوك دو الكورية. كانت هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة للسيطرة على طرق الوصول إلى الداخل الكوري.
أسفرت المعركة عن انتصار ساحق ومُدَوٍ لقوات تحالف شيللا-تانغ. هذا النصر لم يحطم آمال حركة استعادة بيكجي فحسب، بل أجبر اليابان على الانسحاب بشكل كامل ونهائي من الشؤون الكورية، منهية بذلك قرونًا من التدخلات والنفوذ. لقد كانت معركة بايكغانغ تتويجًا لجهود شيللا في توحيد الممالك، ومحطة حاسمة مهدت الطريق لظهور شيللا الموحدة كقوة مهيمنة على شبه الجزيرة.
أسئلة متكررة حول شيللا ومعركة بايكغانغ
- ما هي ممالك كوريا الثلاث؟
- ممالك كوريا الثلاث هي شيللا وبايكجي وغوغوريو، وهي الممالك التي هيمنت على شبه الجزيرة الكورية وأجزاء من منشوريا خلال فترة تاريخية مهمة امتدت من القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي.
- متى تأسست مملكة شيللا ومتى انتهت؟
- تأسست مملكة شيللا في عام 57 قبل الميلاد واستمرت حتى عام 935 ميلادي، أي ما يقرب من ألف عام من الحكم.
- ما هي العاصمة التاريخية لشيللا؟
- كانت العاصمة التاريخية لمملكة شيللا هي غيونغجو، والتي تُعرف اليوم بآثارها ومواقعها التراثية الغنية التي تعود لتلك الحقبة.
- لماذا تحالفت شيللا مع أسرة تانغ الصينية؟
- تحالفت شيللا مع أسرة تانغ الصينية بهدف الحصول على الدعم العسكري اللازم لتوحيد شبه الجزيرة الكورية عن طريق غزو مملكتي بايكجي وغوغوريو المنافستين. كان هذا التحالف استراتيجيًا متبادل المنفعة، حيث سعت تانغ أيضًا لتوسيع نفوذها في المنطقة.
- ماذا حدث بعد أن وحدت شيللا شبه الجزيرة الكورية؟
- بعد توحيدها، دخلت شيللا مرحلة "شيللا الموحدة" التي سيطرت على معظم شبه الجزيرة. في الوقت نفسه، ظهرت مملكة بالهاي في الشمال كوارثة لغوغوريو، لتشكل بذلك توازنًا جديدًا للقوى الإقليمية. شهدت هذه الفترة ازدهارًا ثقافيًا ودينيًا كبيرًا في شيللا.
- كيف انتهت مملكة شيللا؟
- انتهت مملكة شيللا بعد فترة من التفكك الداخلي والاضطرابات، حيث انقسمت إلى "ممالك شيللا الثلاث اللاحقة". في عام 935 ميلادي، سلمت شيللا السلطة إلى مملكة غوريو الصاعدة، التي نجحت في إعادة توحيد شبه الجزيرة.
- ما هي الأهمية الاستراتيجية لمعركة بايكغانغ؟
- تكمن أهمية معركة بايكغانغ في أنها حسمت بشكل نهائي مصير حركة استعادة مملكة بيكجي بعد سقوطها، وأجبرت اليابان على الانسحاب من الشؤون الكورية، مما مهد الطريق لترسيخ هيمنة شيللا الموحدة على شبه الجزيرة الكورية بشكل كامل.
- من هم الأطراف المتحاربة في معركة بايكغانغ؟
- دارت المعركة بين تحالف قوات شيللا وأسرة تانغ الصينية من جهة، وقوات استعادة بيكجي المدعومة من مملكة ياماتو اليابانية من جهة أخرى.