غوفان مبيكي ، ناشط في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وأب رئيس جنوب أفريقيا شكرا مبيكي (مواليد 1910)
كان غوفان أرشيبالد مفويلوا مبيكي (9 يوليو 1910 - 30 أغسطس 2001) شخصية محورية لا تُنسى في تاريخ جنوب إفريقيا، فقد كرس حياته للنضال ضد نظام الفصل العنصري البغيض. لم يكن مجرد سياسي، بل كان قائدًا عسكريًا استراتيجيًا وزعيمًا شيوعيًا ملتزمًا، لعب أدوارًا رئيسية في حركة التحرير التي أدت في النهاية إلى جنوب إفريقيا الديمقراطية. امتدت مسيرته لأكثر من تسعة عقود، وشهدت خلالها بلاده تحولات عميقة، وكان هو في طليعة هذه التغييرات، تاركًا بصمة لا تُمحى على تاريخ الأمة.
نشأة مؤثرة ومسار نحو القيادة
وُلد غوفان مبيكي في 9 يوليو 1910، وترعرع في بيئة غنية بالإرث القيادي، فهو ابن الزعيم سيكيليو مبيكي وجوهانا ماهالا، مما غرس فيه حسًا عميقًا بالمسؤولية المجتمعية والقيادة منذ صغره. لم يكن انخراطه في السياسة مجرد اختيار، بل بدا كقدر محتوم، فقد ورث عن عائلته الالتزام بخدمة الشعب. منذ شبابه المبكر، انخرط مبيكي بنشاط في الحركات المناهضة للعنصرية، وسرعان ما برز كصوت قوي ومؤثر داخل كل من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) والحزب الشيوعي الجنوب أفريقي (SACP). لم يكن مجرد عضو فعال، بل كان مفكرًا عميقًا واستراتيجيًا بارعًا، ساهم بفكره النيّر في تشكيل الرؤى التحريرية والاستراتيجيات التي اعتمدتها الحركة لمواجهة نظام الفصل العنصري.
مهندس الكفاح المسلح وضحية محاكمة ريفونيا
في عام 1961، مع تصاعد حدة القمع من قبل نظام الفصل العنصري واقتناع العديد من قادة حركة التحرير بأن السبل السلمية وحدها لم تعد كافية لإحداث التغيير المنشود، كان غوفان مبيكي من الشخصيات الرئيسية التي قادت عملية تأسيس الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، "أومكونتو وي سيزوي" (Umkhonto we Sizwe - MK)، وهي عبارة تعني "رمح الأمة". وقد تولى منصب سكرتير هذه المنظمة الوليدة في بداياتها الحاسمة، مما يعكس الثقة الكبيرة في قدراته التنظيمية والفكرية. إلا أن هذا الدور الجريء جاء بثمن باهظ. لم تمضِ سنوات قليلة حتى تمكنت سلطات الفصل العنصري من تعقب قيادات حركة التحرير، فكانت محاكمة ريفونيا الشهيرة عام 1963 نقطة تحول مأساوية في تاريخ النضال. في هذه المحاكمة التاريخية، وُجهت إلى غوفان مبيكي تهم الإرهاب والخيانة، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. أمضى غوفان مبيكي ربع قرن من حياته خلف القضبان، أي 24 عامًا (1963-1987)، قضى معظمها في جزيرة روبن آيلاند سيئة السمعة، إلى جانب أيقونات النضال العالمي أمثال نيلسون مانديلا، ووالتر سيسولو، وريموند مهلابا، وأحمد كاثرادا، وغيرهم من القادة البارزين في المؤتمر الوطني الأفريقي. خلال فترة سجنه الطويلة، ظل مبيكي رمزًا للصمود والعزيمة، ومصدر إلهام لرفاقه في السجن وللشعب المناضل في الخارج، متمسكًا بمبادئه رغم كل الصعاب.
إرث عائلي وسياسي مستمر
تجاوز إرث غوفان مبيكي كونه قائدًا سياسيًا بارزًا ليصبح مؤسسًا لسلالة سياسية وفكرية مؤثرة في جنوب إفريقيا الحديثة. فهو والد الرئيس السابق لجمهورية جنوب إفريقيا، ثابو مبيكي، الذي تولى دفة القيادة بعد فترة نيلسون مانديلا التاريخية، وكذلك والد الاقتصادي السياسي والكاتب البارز موليتسي مبيكي. هذا الارتباط العائلي العميق يبرز مدى انغراس عائلة مبيكي في النسيج السياسي والفكري للبلاد، واستمرارها في خدمة الشأن العام وبناء الأمة. بعد إطلاق سراحه في عام 1987، واصل غوفان مبيكي عطاءه، وإن كان بصورة مختلفة، فساهم بفكره وخبرته في عملية الانتقال الديمقراطي والمفاوضات التي أدت إلى بناء جنوب إفريقيا الجديدة، حرة وديمقراطية. تُوفي غوفان مبيكي في 30 أغسطس 2001، مخلفًا وراءه تاريخًا حافلًا بالنضال والتضحية، وذكرى خالدة في قلوب شعبه.
"أوم جوف": لقب يحكي قصة نضال وحكمة
لُقب غوفان مبيكي بـ "أوم جوف" (Oom Gov)، وهي كلمة أفريكانية تعني "العم جوف". هذا اللقب لم يكن مجرد تسمية عادية أو صيغة احترام فحسب، بل كان يحمل دلالات عميقة من الاحترام الكبير والود والألفة والمكانة الأبوية التي كان يكنها له رفاقه وشعبه على حد سواء. كان يُنظر إليه كشخصية أبوية حكيمة، ومرشد قدير، ومستودع خبرة لا ينضب، وقد عكس هذا اللقب مكانته الرفيعة كأحد أعمدة النضال ورمزًا للحكمة والصمود في وجه الظلم.
تظل سيرة غوفان مبيكي مصدر إلهام للأجيال المتعاقبة، تجسيدًا للمقاومة الشرسة ضد الظلم، وللقوة التي يمتلكها الأفراد الملتزمون بقضية العدالة. إسهاماته الجليلة في تشكيل جنوب إفريقيا الحديثة لا تزال يتردد صداها بقوة حتى اليوم، مذكرًا بالتضحيات الجسيمة التي قُدمت من أجل بناء أمة حرة وديمقراطية يسودها العدل والمساواة.
الأسئلة المتكررة (FAQs)
- من هو غوفان مبيكي؟
- غوفان أرشيبالد مفويلوا مبيكي (1910-2001) كان سياسيًا وقائدًا عسكريًا وزعيمًا شيوعيًا بارزًا في جنوب إفريقيا، اشتهر بدوره المحوري في النضال ضد نظام الفصل العنصري وتفانيه في خدمة شعبه.
- ما هي أبرز أدواره في النضال ضد الفصل العنصري؟
- شغل منصب سكرتير "أومكونتو وي سيزوي" (الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي) عند تأسيسها عام 1961، وكان زعيمًا مؤثرًا في كل من الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي والمؤتمر الوطني الأفريقي، وقضى سنوات طويلة في السجن بسبب نشاطه الثوري المناهض للعنصرية.
- كم عدد السنوات التي قضاها غوفان مبيكي في السجن؟
- سُجن غوفان مبيكي لمدة 24 عامًا، من عام 1963 بعد محاكمة ريفونيا الشهيرة وحتى إطلاق سراحه في عام 1987، حيث قضى معظمها في جزيرة روبن آيلاند.
- ما هو لقب "أوم جوف" الذي كان يُعرف به؟
- "أوم جوف" هو لقب أفريكاني يعني "العم جوف"، ويعكس الاحترام والود والمكانة الأبوية والحكمة التي كان يتمتع بها بين رفاقه وشعبه في جنوب إفريقيا، كأحد كبار قادة النضال.
- هل لعائلة غوفان مبيكي دور آخر في السياسة الجنوب أفريقية؟
- نعم، غوفان مبيكي هو والد ثابو مبيكي، الذي شغل منصب رئيس جنوب إفريقيا بعد نيلسون مانديلا، وهو أيضًا والد الاقتصادي السياسي والكاتب المعروف موليتسي مبيكي، مما يؤكد الإرث السياسي والفكري العميق للعائلة في البلاد.