مذبحة مدرسة البوليتكنيك (أو مذبحة مونتريال): قتل مارك ليبين ، مسلح مناهض للنسوية ، 14 شابة في مدرسة البوليتكنيك في مونتريال.

في السادس من ديسمبر عام 1989، شهدت مدينة مونتريال الكندية واحدة من أبشع الجرائم التي هزت وجدان الأمة، وهي مذبحة مدرسة البوليتكنيك. تُعرف هذه المأساة أيضاً باسم مذبحة مونتريال، وكانت حادث إطلاق نار جماعي نفذه مارك ليبين بدوافع مناهضة للنسوية في مدرسة البوليتكنيك، وهي كلية هندسة مرموقة تابعة لجامعة مونتريال في مقاطعة كيبيك. لم تكن هذه الحادثة مجرد جريمة عنف، بل تحولت إلى رمز للنضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي وتجسيد للتحولات العميقة في وعي المجتمع الكندي.

تفاصيل المأساة المروعة

في ذلك اليوم المشؤوم، وصل مارك ليبين، البالغ من العمر 25 عامًا، إلى حرم مدرسة البوليتكنيك مسلحًا ببندقية نصف آلية وسكين صيد، كان قد حصل عليهما بشكل قانوني. حوالي الساعة 5:10 مساءً، دخل ليبين فصلاً دراسيًا للهندسة الميكانيكية. وبشكل مفاجئ ومروع، أمر النساء بالجلوس على جانب واحد من الفصل وطرد جميع الرجال. وبعد أن ادعى صراحةً أنه "يحارب النسوية"، أطلق النار بشكل عشوائي على النساء التسع في الغرفة، مما أسفر عن مقتل ست منهن على الفور. لم يتوقف ليبين عند هذا الحد، بل واصل تحركه عبر ممرات المبنى والكافيتريا وفصل دراسي آخر، مستهدفًا النساء بشكل حصري. على مدى أقل من عشرين دقيقة، زرع الرعب وقتل ثماني نساء أخريات قبل أن ينهي حياته منتحرًا. بلغت حصيلة المذبحة مقتل 14 امرأة بريئات، بالإضافة إلى إصابة عشر نساء وأربعة رجال بجروح مختلفة.

خلفية الجاني: مارك ليبين

مارك ليبين، الذي ولد باسم جميل رودريغ لياس غربي في 26 أكتوبر 1964، كان شابًا كنديًا من مونتريال. كانت حياته مليئة بالاضطرابات والتحديات التي ربما ساهمت في تشكيل شخصيته المعقدة والمضطربة. ولد لأم كندية، مونيك ليبين، التي كانت ممرضة، وأب جزائري، رشيد غربي، الذي كان رجل أعمال. كانت العلاقة الأسرية مشوبة بالتوتر والعنف، حيث كان والده يسيء معاملة النساء ويحتقرهن، وقد غادر المنزل عندما كان مارك في السابعة من عمره بعد أن عادت والدته للتمريض لإعالة أطفالها. عاش مارك وشقيقته الصغرى مع عائلات أخرى لفترات، وكانوا يرون والدتهم في عطلات نهاية الأسبوع، مما خلق لديه شعورًا بالانفصال وعدم الاستقرار. على الرغم من اعتباره ذكيًا، إلا أنه كان منعزلاً ويعاني من صعوبات في التفاعل مع أقرانه وعلاقاته الأسرية. وفي سن الرابعة عشرة، غير اسمه قانونيًا إلى "مارك ليبين"، معتبرًا أن "كراهية والده" كانت السبب الرئيسي لهذا التغيير.

توالت الإحباطات في حياة ليبين؛ فقد تم رفض طلبه للانضمام إلى القوات الكندية، وترك عدة برامج دراسية في الكلية قبل إكمالها، بما في ذلك برنامج علمي وبرنامج أكثر تقنية ودورة في برمجة الكمبيوتر. كما تم فصله من وظيفته في المستشفى بسبب سوء سلوكه. تقدم مرتين بطلب للقبول في مدرسة البوليتكنيك، لكنه كان يفتقر إلى دورتين إلزاميتين مطلوبتين، مما زاد من شعوره بالفشل والإحباط. طوال حياته، اشتكى ليبين باستمرار من عمل النساء في وظائف "غير تقليدية"، وهي شكوى تعكس كراهيته المتجذرة للنسوية والمساواة بين الجنسين. بعد أشهر من التخطيط، تضمنت شراء الأسلحة، نفذ ليبين جريمته المروعة، وترك رسالة انتحار ألقى فيها باللوم على "النسويات" لتخريب حياته.

التداعيات والتحولات في المجتمع الكندي

بعد الهجوم مباشرة، انخرط الكنديون في نقاش وطني عميق حول الأسباب والدوافع والآثار المترتبة على هذه المأساة. لم تكن المذبحة مجرد خبر عابر، بل أصبحت نقطة تحول حاسمة في الوعي المجتمعي الكندي، لا سيما فيما يتعلق بقضايا العنف ضد المرأة وحيازة الأسلحة.

تغييرات في قوانين الأسلحة

أدى هذا الحادث المروع إلى دعوات واسعة لتشديد قوانين مراقبة الأسلحة في كندا. وقد استجابت الحكومة لهذه المطالب، فتم إقرار قوانين أكثر صرامة للتحكم في الأسلحة النارية، بهدف الحد من وصول الأفراد الخطرين إلى مثل هذه الأدوات المميتة. كانت هذه التغييرات جزءًا من محاولة أشمل لضمان سلامة المجتمع ومنع تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل.

مبادرات لمكافحة العنف ضد المرأة

لقد سلطت المذبحة الضوء بشكل مؤلم على قضية العنف المجتمعي الأوسع ضد المرأة. أدت هذه الفاجعة إلى زيادة كبيرة في الإجراءات والمبادرات الرامية إلى إنهاء العنف ضد المرأة بجميع أشكاله. تضمنت هذه المبادرات حملات توعية عامة، ودعمًا أفضل لضحايا العنف، وتغييرات في السياسات لتعزيز المساواة بين الجنسين. يُنظر إلى المذبحة الآن على نطاق واسع على أنها هجوم ضد النسوية وكمثال مأساوي للعنف المتجذر ضد المرأة في المجتمع.

تطور بروتوكولات الطوارئ

كما أدت المذبحة إلى مراجعة شاملة وتغييرات جوهرية في بروتوكولات خدمات الطوارئ المتعلقة بحوادث إطلاق النار الجماعي. من أبرز هذه التغييرات كان التحول نحو التدخل الفوري والنشط من قبل الشرطة بدلاً من الانتظار وتطويق المكان. وقد نُسبت هذه التغييرات لاحقًا إلى تقليل الخسائر البشرية بشكل كبير خلال حوادث مماثلة في مونتريال وأماكن أخرى، مما يعكس درسًا مؤلمًا تم تعلمه ولكن بنتائج إيجابية على سلامة الجمهور.

إحياء الذكرى والدروس المستفادة

لقد أصبحت ذكرى مذبحة البوليتكنيك محفورة في الذاكرة الكندية. يتم الاحتفال باليوم السادس من ديسمبر من كل عام في كندا باعتباره اليوم الوطني لإحياء الذكرى والعمل على العنف ضد المرأة. يمثل هذا اليوم فرصة للتفكير في الأرواح التي فقدت، وتجديد الالتزام بمكافحة الكراهية والتمييز ضد المرأة، وتعزيز قيم المساواة والاحترام في المجتمع. في حين أن بعض التفسيرات الأولية للحادث ركزت على إساءة معاملة ليبين في طفولته أو أشارت إلى أن المذبحة كانت فعلًا فرديًا لرجل "مجنون" لا علاقة له بقضايا اجتماعية أكبر، إلا أن الإجماع العام اليوم يميل إلى رؤية أوسع وأعمق. يُنظر إلى تصرفات ليبين، من منظور علم الجريمة، على أنها مثال على جريمة كراهية ضد المرأة. وتؤكد النسويات والمسؤولون الحكوميون على أنها هجوم كراهية للنساء ومثال صارخ على القضية الأكبر للعنف القائم على النوع الاجتماعي. من منظور الطب النفسي، تُعزى تصرفات ليبين بشكل مختلف إلى تشخيصات مثل اضطراب الشخصية أو الذهان أو اضطراب التعلق، مع الإشارة إلى العوامل المجتمعية مثل الفقر والعزلة والعجز والعنف في وسائل الإعلام التي ربما تكون قد ساهمت في تفاقم حالته. بغض النظر عن الدوافع الفردية المعقدة، تظل المأساة تذكيرًا مؤلمًا بضرورة اليقظة المستمرة ضد الكراهية بجميع أشكالها والعمل المتواصل نحو مجتمع أكثر عدلاً وأمانًا للجميع.

الأسئلة الشائعة

ما هي مذبحة مدرسة البوليتكنيك؟
هي حادثة إطلاق نار جماعي نفذها مارك ليبين في 6 ديسمبر 1989 بمدرسة البوليتكنيك في مونتريال، كيبيك، مستهدفًا النساء بشكل خاص بدافع الكراهية للنسوية، مما أسفر عن مقتل 14 امرأة وإصابة آخرين.
من هو مارك ليبين؟
مارك ليبين هو الجاني الذي نفذ مذبحة مدرسة البوليتكنيك. ولد باسم جميل رودريغ لياس غربي، وكان شابًا كنديًا يعاني من اضطرابات شخصية وتاريخ من الإحباطات والفشل، مع كراهية معلنة للنساء والنسوية.
لماذا استهدف ليبين النساء تحديدًا؟
صرح ليبين خلال الهجوم أنه "يحارب النسوية" وذكر في رسالة انتحاره أنه يكره النسويات ويلومهن على مشاكله. كان لديه تاريخ من الشكوى من النساء العاملات في وظائف "غير تقليدية"، مما يشير إلى دوافع قوية مناهضة للمرأة.
ما هي تداعيات المذبحة على المجتمع الكندي؟
أدت المذبحة إلى تشديد قوانين مراقبة الأسلحة، وزيادة المبادرات لمكافحة العنف ضد المرأة، وتغيير بروتوكولات خدمات الطوارئ لضمان استجابة أسرع وفعالة في حوادث إطلاق النار الجماعي. كما أصبحت نقطة محورية في النقاش الوطني حول العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ما هو اليوم الوطني لإحياء الذكرى والعمل على العنف ضد المرأة؟
هو يوم 6 ديسمبر من كل عام في كندا، ويأتي إحياءً لذكرى ضحايا مذبحة البوليتكنيك وجميع النساء اللاتي تعرضن للعنف. يهدف هذا اليوم إلى رفع الوعي وتعزيز العمل لإنهاء العنف ضد المرأة.
كيف ينظر المجتمع الكندي إلى هذه المذبحة اليوم؟
ينظر إليها على نطاق واسع على أنها هجوم مناهض للنسوية وجريمة كراهية موجهة ضد المرأة، وتمثل جزءًا من قضية أوسع للعنف ضد المرأة في المجتمع. تُعالج التفسيرات الأخرى المتعلقة بظروف حياة ليبين أو حالته العقلية كعوامل مساهمة دون التقليل من أهمية الدافع الأيديولوجي للكراهية.