ديفيد ساير ، عالم فيزيائي ورياضيات أمريكي (مواليد 1924)

يُعدّ ديفيد ساير (2 مارس 1924 - 23 فبراير 2012) عالمًا أمريكيًا ذا بصيرة ثاقبة ومساهمات رائدة امتدت لعدة مجالات علمية، تاركًا إرثًا دائمًا في علم البلورات، والحوسبة، وتقنيات التصوير المتقدمة. لقد كانت مسيرته المهنية مثالًا للتفكير متعدد التخصصات والابتكار المستمر.

مساهمات محورية في علم البلورات والتصوير

برز ساير كشخصية رئيسية في التطوير المبكر للطرق المباشرة لعلم بلورات البروتين. تُعتبر هذه الطرق إنجازًا ثوريًا، حيث سمحت للعلماء بتحديد التركيب الذري المعقد للجزيئات البيولوجية، مثل البروتينات، من أنماط حيود الأشعة السينية. قبل هذه الطرق، كان حل «مشكلة الطور» في علم البلورات يمثل تحديًا هائلًا، والطرق المباشرة قدمت حلولًا حسابية حاسمة لفك شفرة هذه المعلومات الأساسية. هذا التقدم كان له تأثير عميق في البيولوجيا الهيكلية وتصميم الأدوية.

بالإضافة إلى ذلك، يُنسب إلى ساير الفضل في الريادة في مجال مجهر الحيود، الذي يُعرف أيضًا باسم تصوير الحيود المتماسك (CDI). تُعد هذه التقنية المبتكرة وسيلة لتصوير الأجسام بدقة عالية جدًا دون الحاجة إلى عدسات تقليدية، بالاعتماد بدلاً من ذلك على أنماط الحيود الناتجة عن تفاعل الأشعة السينية مع العينة. فتح هذا المفهوم آفاقًا جديدة في الفحص المجهري، خاصة في دراسة المواد على المستويين النانوي والذري.

دور ريادي في فجر الحوسبة

لم تقتصر إسهامات ساير على المختبرات الفيزيائية؛ فقد كان له يد في إحداث ثورة في عالم الحوسبة. أثناء عمله في شركة IBM العملاقة للتكنولوجيا، كان ديفيد ساير جزءًا من الفريق الأولي المكون من عشرة مبرمجين الذين أطلقوا العنان لأحد أهم ابتكارات الحوسبة في القرن العشرين: لغة البرمجة FORTRAN. تُعد FORTRAN (Formula Translation) أول لغة برمجة عالية المستوى ذات انتشار واسع، وقد غيرت بشكل جذري طريقة إجراء الحسابات العلمية والهندسية، مما سمح بتطوير برامج أكثر تعقيدًا وكفاءة بكثير.

رؤيته لتقنيات التصنيع المتقدمة

بعيدًا عن البرمجيات وعلم البلورات التقليدي، أظهر ساير رؤية مستقبلية في مجال البصريات الدقيقة. اقترح استخدام الطباعة الحجرية بشعاع الإلكترون لتصنيع لوحات منطقة فريسنل بالأشعة السينية. هذه اللوحات تعمل كعدسات دقيقة للغاية للأشعة السينية، قادرة على تركيزها وتوجيهها بدقة فائقة. تُعد هذه التقنية ضرورية لتطوير ميكروسكوبات الأشعة السينية عالية الدقة وتطبيقات التصوير الأخرى التي تتطلب تحكمًا دقيقًا في الأشعة السينية، مما يفتح الأبواب أمام فهم أعمق للمواد والأنظمة البيولوجية.

تكريم وإرث دائم

تقديرًا لمسيرته العلمية الحافلة وإسهاماته المتنوعة التي أثرت بشكل عميق في العديد من فروع العلوم، مُنح ديفيد ساير جائزة إيوالد المرموقة من الاتحاد الدولي لعلم البلورات في عام 2008. وقد جاء هذا التكريم اعترافًا بـ "النطاق الفريد لمساهماته في علم البلورات، والتي تتراوح من المساهمات الأساسية في حل مشكلة الطور إلى الفيزياء المعقدة لتصوير الأجسام العامة عن طريق حيود الأشعة السينية والفحص المجهري". تعكس هذه الجائزة أهمية عمله الشامل وتأثيره الدائم على فهمنا للعالم على المستويين الجزيئي والمادي.

الأسئلة المتكررة (FAQs)

ما هي الطرق المباشرة في علم البلورات؟
هي مجموعة من الأساليب الحسابية التي طورها ديفيد ساير وآخرون، وتُستخدم لتحديد أطوار (Phase) حيود الأشعة السينية. تعد معرفة هذه الأطوار أمرًا حاسمًا لإعادة بناء التركيب الذري للمادة من أنماط الحيود، وتُعد حجر الزاوية في حل "مشكلة الطور" في علم البلورات.
ما هو مجهر الحيود (تصوير الحيود المتماسك)؟
هو تقنية تصوير لا تستخدم العدسات التقليدية، بل تعتمد على تحليل نمط حيود الأشعة السينية (أو أشكال أخرى من الإشعاع) بعد مرورها عبر عينة. من خلال تحليل هذا النمط، يمكن إعادة بناء صورة مفصلة للعينة بدقة عالية، مما يجعلها أداة قوية في علوم المواد والبيولوجيا.
ما هي لغة البرمجة FORTRAN؟
هي واحدة من أقدم لغات البرمجة عالية المستوى وأكثرها تأثيرًا، وقد طوّرتها شركة IBM في الخمسينيات. صُممت في الأساس للتطبيقات العلمية والهندسية، وما زالت تُستخدم حتى اليوم في الحوسبة عالية الأداء والمحاكاة العلمية، وقد أحدثت ثورة في طريقة كتابة البرامج المعقدة.
ما هي لوحات منطقة فريسنل بالأشعة السينية؟
هي نوع خاص من البصريات الانكسارية التي تعمل كعدسات للأشعة السينية. على عكس العدسات الزجاجية التي تستخدم للانحناء البصري للضوء المرئي، تقوم لوحات فريسنل بتركيز الأشعة السينية عن طريق الانعراج، وتُصنع عادةً باستخدام تقنيات دقيقة مثل الطباعة الحجرية بشعاع الإلكترون لتحقيق الدقة المطلوبة.
ما هي جائزة إيوالد؟
هي جائزة دولية مرموقة يُقدمها الاتحاد الدولي لعلم البلورات (IUCr) لتكريم العلماء الذين قدموا مساهمات بارزة في مجال علم البلورات. سُميت الجائزة تيمنًا بالفيزيائي الألماني بول بيتر إيوالد، وتُمنح لتقدير الإنجازات التي كان لها تأثير كبير على هذا المجال العلمي.