هزيمة الأسبان القوات البريطانية والاستيلاء على مينوركا.
في فبراير من عام 1782، شهدت جزيرة مينوركا المتوسطية حدثًا تاريخيًا مفصليًا عندما نجحت القوات الفرنسية والإسبانية المتحالفة في استعادتها من أيدي البريطانيين، وذلك بعد حصار دام لأكثر من خمسة أشهر على حصن سانت فيليب المنيع. لم تكن هذه الاستعادة مجرد انتصار عسكري، بل كانت خطوة استراتيجية بالغة الأهمية ضمن سعي إسبانيا لتحقيق أهدافها في تحالفها مع فرنسا ضد بريطانيا العظمى خلال الحرب الثورية الأمريكية. وتُوجت هذه الجهود الدبلوماسية والعسكرية بنقل ملكية الجزيرة بشكل دائم إلى إسبانيا بموجب بنود معاهدة باريس التي وُقعت في عام 1783.
تاريخ مينوركا الاستراتيجي ومقدمة للحرب الثورية الأمريكية
تُعد جزيرة مينوركا، الواقعة في قلب البحر الأبيض المتوسط، ذات أهمية جيوستراتيجية كبرى على مر العصور، إذ كانت بمثابة نقطة ارتكاز حيوية للسيطرة على طرق التجارة والملاحة. وقد تناوبت القوى الأوروبية الكبرى، مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، على السيطرة عليها مرات عديدة. بحلول النصف الثاني من القرن الثامن عشر، كانت مينوركا تحت السيطرة البريطانية، وهو ما أثار طموحات إسبانيا لاستعادتها، خاصةً مع تصاعد حدة الصراع العالمي. كانت الحرب الثورية الأمريكية (1775-1783) فرصة ذهبية لإسبانيا، التي تحالفت مع فرنسا، لتقويض القوة البريطانية على المستوى الدولي واستعادة أراضيها التاريخية، ومن بينها جبل طارق ومينوركا.
حملة استعادة مينوركا وحصار حصن سانت فيليب
بدأت حملة استعادة مينوركا في أغسطس من عام 1781، عندما حطت قوة كبيرة من المشاة والمدفعية الفرنسية والإسبانية بقيادة دوق كريون، وهو مارشال فرنسي في خدمة إسبانيا، على شواطئ الجزيرة. كان الهدف الرئيسي هو حصن سانت فيليب، الذي يُطل على ميناء ماون، العاصمة الرئيسية للجزيرة آنذاك. كان الحصن، الذي يُعد تحفة معمارية دفاعية، يضم حامية بريطانية صغيرة ولكنها صمدت بشجاعة تحت قيادة الجنرال جيمس موراي. استمر الحصار لأكثر من خمسة أشهر، اتسمت بظروف قاسية للغاية، حيث عانى المدافعون البريطانيون من البرد القارس، ونقص الإمدادات، وتفشي الأمراض مثل الإسقربوط، التي أضعفت معنوياتهم وقدراتهم القتالية بشكل كبير. على الرغم من مقاومة عنيفة، ومع استنزاف الموارد البشرية والمادية، اضطرت الحامية البريطانية إلى الاستسلام في الرابع من فبراير عام 1782، في مشهد مؤثر يعكس بطولة المدافعين وإصرار المحاصرين. كانت استعادة الجزيرة حدثًا جللًا، ليس فقط لإسبانيا، بل للحلفاء ككل.
الأهمية الجيوستراتيجية لانتصار الحلفاء
بالنسبة لإسبانيا، مثلت استعادة مينوركا انتصارًا كبيرًا أعاد لها جزءًا من هيبتها الدولية وموقعها الاستراتيجي في المتوسط. كانت هذه الخطوة حاسمة في تحقيق أحد أهدافها الرئيسية من المشاركة في الحرب الثورية الأمريكية، ألا وهو استعادة الأراضي التي خسرتها لصالح بريطانيا. أما بالنسبة للتحالف الفرنسي الإسباني، فقد أظهرت هذه الحملة قدرة الحلفاء على العمل المشترك بنجاح ضد القوة البحرية البريطانية المهيمنة آنذاك. كما أثرت استعادة مينوركا على توازن القوى في غرب البحر الأبيض المتوسط، وقلصت من النفوذ البريطاني في المنطقة، مما اضطر لندن إلى إعادة تقييم استراتيجياتها العسكرية والدبلوماسية في خضم حرب متعددة الجبهات.
معاهدة باريس 1783 وترسيخ السيادة الإسبانية
كانت استعادة مينوركا تمهيدًا للقرار الدبلوماسي الذي رسخ السيادة الإسبانية على الجزيرة بشكل دائم. فمع انتهاء الحرب الثورية الأمريكية، جرى توقيع معاهدة باريس عام 1783، وهي سلسلة من الاتفاقيات التي أنهت الصراعات بين القوى الأوروبية المتنافسة. وبموجب هذه المعاهدة، اعترفت بريطانيا رسميًا بسيادة إسبانيا على مينوركا، وبذلك أصبحت الجزيرة جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الإسبانية، وهو الوضع الذي استمر حتى يومنا هذا. لقد كانت هذه المعاهدة بمثابة تتويج للجهود العسكرية التي بُذلت في مينوركا، وضمان لاستقرار سياسي طويل الأمد للجزيرة تحت التاج الإسباني.
أسئلة شائعة حول استعادة مينوركا 1782
ما هي الأهمية التاريخية لجزيرة مينوركا؟
- تُعد مينوركا ذات أهمية استراتيجية بالغة نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز في البحر الأبيض المتوسط، مما جعلها محط أنظار القوى العظمى ومسرحًا لتنازع السيطرة بين بريطانيا وفرنسا وإسبانيا على مر التاريخ.
من هم الأطراف الرئيسية التي شاركت في استعادة مينوركا عام 1782؟
- كانت الأطراف الرئيسية هي القوات الفرنسية والإسبانية المتحالفة، التي قادت الحملة العسكرية لاستعادة الجزيرة، ضد الحامية البريطانية التي كانت تسيطر عليها في ذلك الوقت.
كم استمر حصار حصن سانت فيليب؟
- استمر حصار حصن سانت فيليب لأكثر من خمسة أشهر، بدءًا من أغسطس 1781 وحتى فبراير 1782، وشهد ظروفًا قاسية للغاية للمدافعين.
ما الذي دفع إسبانيا وفرنسا لاستعادة مينوركا خلال الحرب الثورية الأمريكية؟
- كان الدافع الرئيسي لإسبانيا هو استعادة الأراضي التي فقدتها سابقًا لصالح بريطانيا وتقويض النفوذ البريطاني. أما فرنسا، فكانت تسعى لإضعاف بريطانيا بشكل عام كجزء من تحالفها مع المستعمرات الأمريكية، ووجدت في استعادة مينوركا فرصة لتحقيق هذا الهدف.
ما هي الوثيقة التي رسخت السيادة الإسبانية على مينوركا بشكل دائم؟
- هي معاهدة باريس لعام 1783، التي أنهت الحرب الثورية الأمريكية وأقرت نقل ملكية جزيرة مينوركا إلى إسبانيا بشكل دائم.