إيرل سكرجس ، عازف البانجو الأمريكي (ت 2012)

كان إيرل يوجين سكراجز (6 يناير 1924 - 28 مارس 2012) اسمًا مرادفًا للابتكار الموسيقي، وهو موسيقي أمريكي حفر اسمه في تاريخ الموسيقى الشعبية بأسلوبه الفريد في العزف على آلة البانجو. لم يكن مجرد عازف، بل كان ثوريًا غيّر مسار آلة البانجو إلى الأبد، ليصبح واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في موسيقى البلوجراس وموسيقى الريف بشكل عام.

نشأة أسلوب سكراجز الثوري

اشتهر سكراجز بكونه الرائد والمروّج الرئيسي لأسلوب قطف البانجو بثلاثة أصابع، والذي يُعرف الآن على نطاق واسع باسم "أسلوب سكراجز" (Scruggs style). لم يكن هذا الأسلوب مجرد تقنية جديدة، بل كان بمثابة ثورة حقيقية في عالم موسيقى البلوجراس، حيث أصبح السمة المميزة والأيقونية لهذا النوع. فقبل ظهور سكراجز، كان البانجو خماسي الأوتار يُعزف غالبًا بطرق تقليدية تركز على الإيقاع أو تقنية "المخلب" (clawhammer)، والتي كانت تضع البانجو في دور ثانوي. لكن أسلوبه المبتكر، الذي يعتمد على استخدام الإبهام والسبابة والوسطى لتشغيل الأوتار بمسافات وتوقيتات دقيقة وسريعة، أحدث اختلافًا جذريًا. لقد نقل هذا النمط الجديد آلة البانجو من دورها السابق كأداة إيقاع خلفية، غالبًا ما كانت تُسمع ولكن نادرًا ما تُبرز، إلى مركز الصدارة، مانحًا إياها مكانة منفردة ومميزة. بفضل براعته، تجاوز البانجو حدود موسيقى الريف ليعمم في عدة أنواع موسيقية أخرى، ليثبت قدرته على التعبير اللحني المعقد ويصبح جزءًا لا يتجزأ من النسيج الصوتي الأمريكي.

بداية المسيرة مع بيل مونرو وتشكيل البلوجراس

بدأت مسيرة سكراجز المهنية المذهلة في سن الحادية والعشرين، وذلك عندما انضم عام 1945 إلى فرقة بيل مونرو (Bill Monroe)، "ذا بلو جراس بويز" (The Blue Grass Boys). يُعتبر بيل مونرو الأب الروحي لموسيقى البلوجراس، ومن اسم فرقته استُمدّ اسم هذا النوع الموسيقي بأكمله الذي نعرفه اليوم، وهو ما يؤكد على الدور المحوري لتلك الفرقة في تأسيس هذا النمط. حقق سكراجز نجاحًا كبيرًا مع مونرو، حيث قدما عروضًا لا تُنسى في "جراند أول أوبراي" (Grand Ole Opry) المرموقة، والتي تُعدّ معبدًا لموسيقى الريف الأمريكية وتذكرة للمجد، وسجلا أغاني كلاسيكية خالدة مثل "بلو مون أوف كنتاكي" (Blue Moon of Kentucky). إلا أن جدول جولاتهم المرهق والمتواصل دفع سكراجز إلى الاستقالة من المجموعة في عام 1946. لم يكن وحده من شعر بالإرهاق، فقد استقال زميله وعازف الجيتار البارع ليستر فلات (Lester Flatt) أيضًا، وهو ما مهد الطريق لشراكة فنية تاريخية ستغير وجه موسيقى البلوجراس.

شراكة فلات وسكراجز: من "فوجي ماونتن" إلى العالمية

بعد فترة وجيزة من مغادرتهما فرقة مونرو، وحّدت الصداقة والرؤية الموسيقية المشتركة بين سكراجز وفلات جهودهما لتشكيل مجموعة جديدة أطلقا عليها اسم "فلات وسكراجز وذا فوجي ماونتن بويز" (Flatt and Scruggs and the Foggy Mountain Boys). كان هذا التعاون بداية حقبة ذهبية لموسيقى البلوجراس. من بين أعمالهم الخالدة، برزت مقطوعة البانجو الشهيرة لسكراجز، "فوجي ماونتن بريكداون" (Foggy Mountain Breakdown)، التي صدرت في عام 1949. لم تكن هذه المقطوعة مجرد أغنية ناجحة، بل أصبحت أيقونة خالدة تتجاوز الأجيال، معروفة بطاقتها وسرعتها المذهلة التي تُبرز براعة سكراجز الفائقة. اكتسبت شعبية هائلة ومتجددة لدى جيل الشباب عندما ظهرت كخلفية موسيقية مميزة في فيلم "بوني وكلايد" (Bonnie and Clyde) عام 1967، وهو فيلم حقق نجاحًا نقديًا وتجاريًا كبيرًا وأدخل موسيقى البلوجراس إلى قلوب الملايين حول العالم، لتصبح مرادفًا لروح المغامرة والتمرد في تلك الحقبة. حصدت الأغنية على جائزتي جرامي، وفي عام 2005، تم اختيارها لتُضمّ إلى سجل التسجيلات الوطني التابع لمكتبة الكونجرس (Library of Congress's National Recording Registry)، وهو تكريم يُمنح للأعمال ذات الأهمية الثقافية والتاريخية والفنية غير العادية، مما يؤكد على مكانتها الخالدة في التراث الأمريكي.

الشهرة الواسعة والانفصال

واصل الثنائي فلات وسكراجز مسيرتهما في جلب موسيقى البلوجراس من محيطها التقليدي إلى الشعبية السائدة في أوائل الستينيات من القرن الماضي. كان لإصدار أغنيتهما "ذا بالاد أوف جيد كلامبيت" (The Ballad of Jed Clampett) دور حاسم في هذا التحول. لم تكن هذه الأغنية مجرد عمل فني، بل كانت الموسيقى الرئيسية للمسلسل الكوميدي التلفزيوني الشهير "ذا بيفرلي هيلبيليز" (The Beverly Hillbillies)، الذي تابعته ملايين الأسر الأمريكية أسبوعيًا، مما عرّف جيلاً كاملاً على صوت البانجو المميز لموسيقى البلوجراس. كان هذا التسجيل هو الأول لسكراجز الذي وصل إلى المرتبة الأولى على قوائم بيلبورد (Billboard) المرموقة، مما يعكس مدى انتشاره ووصوله إلى قطاع عريض من الجمهور، وتجاوزه لجمهور موسيقى الريف التقليدي. على مدار عشرين عامًا من الشراكة الفنية المثمرة، سجلت فلات وسكراجز أكثر من 50 ألبومًا و 75 أغنية فردية، تاركين وراءهما إرثًا موسيقيًا غنيًا يوثق تطور موسيقى البلوجراس. ومع ذلك، انفصل الثنائي في عام 1969، وكانت الأسباب الرئيسية وراء ذلك تباينًا في الرؤى الفنية. فقد كان سكراجز يطمح إلى تجديد الأنماط الموسيقية ليناسب صوتًا أكثر حداثة وعصرية، ربما متأثرًا بالتحولات الموسيقية في الستينيات، بينما كان فلات متمسكًا بالتقاليد، وعارض التغيير بشدة، معتقدًا أن أي انحراف عن الجذور سيؤدي إلى نفور قاعدة جماهيرهم من أصوليي البلوجراس. وعلى الرغم من أن كل واحد منهما شكل فرقة جديدة لتتوافق مع رؤيته الموسيقية المنفصلة، إلا أن أياً منهما لم يتمكن من استعادة مستوى النجاح الهائل الذي حققاه عندما كانا فريقًا واحدًا، مما يؤكد على التآزر الفريد الذي كان يجمع بينهما.

تكريمات وإرث خالد

تخليدًا لمسيرته الفنية الحافلة، حصل إيرل سكراجز على العديد من الجوائز والتكريمات المرموقة التي تعكس مكانته الفريدة في عالم الموسيقى. نال أربع جوائز جرامي، بالإضافة إلى جائزة جرامي للإنجاز مدى الحياة، والتي تُعدّ تكريمًا لمجمل مساهماته التي أثرت الموسيقى الأمريكية. كما كُرّم بميدالية الفنون الوطنية، وهي واحدة من أرفع الجوائز الفنية في الولايات المتحدة الأمريكية، تُمنح تقديرًا للإنجازات المتميزة في الفنون. تقديرًا لدوره المحوري في موسيقى البلوجراس، أصبح عضوًا في قاعة مشاهير موسيقى البلوجراس الدولية وحصل على نجمة تخليدًا لاسمه في ممشى المشاهير بهوليوود، ليُضاف اسمه إلى قائمة عظماء الفن. وفي عام 1985، تم إدخال فلات وسكراجز معًا إلى قاعة مشاهير موسيقى الريف، وتم تصنيفهما كثنائي رقم 24 ضمن قائمة "أعظم 40 رجلًا في موسيقى الريف" التي أعدتها قناة CMT المتخصصة، مما يؤكد على تأثيرهما المشترك. كما حصل سكراجز على زمالة التراث الوطني من قبل الصندوق الوطني للفنون (National Endowment for the Arts)، وهو أعلى وسام يُمنح في الفنون الشعبية والتقليدية في الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعكس دوره في الحفاظ على التراث الثقافي. وتخليدًا لروعته الموسيقية، وُضعت أربعة أعمال من أعمال سكراجز في قاعة مشاهير جرامي، مما يؤكد على تأثيرها الدائم وقيمتها الفنية. بعد وفاة سكراجز في عام 2012 عن عمر يناهز 88 عامًا، وكنوع من التكريم الدائم لإرثه، تم تأسيس مركز إيرل سكراجز (Earl Scruggs Center) في شيلبي بولاية نورث كارولينا، بالقرب من مسقط رأسه. تأسس المركز بمساعدة منحة فيدرالية ودعم سخي من المانحين من الشركات، ويُعدّ منشأة متطورة بلغت تكلفتها 5.5 مليون دولار. يبرز المركز مساهمات سكراجز الموسيقية الجليلة ويعمل كمركز تعليمي حيوي يوفر دروسًا قيمة ورحلات ميدانية للطلاب، لضمان استمرار إلهام إرثه للأجيال القادمة وتعميق فهمهم لموسيقى البلوجراس وأهميتها الثقافية.

الأسئلة الشائعة حول إيرل سكراجز

من هو إيرل سكراجز وما هو أسلوب سكراجز؟
إيرل سكراجز هو موسيقي أمريكي رائد اشتهر بابتكار وتعميم أسلوب قطف البانجو بثلاثة أصابع، والذي يُعرف الآن باسم "أسلوب سكراجز". يعتمد هذا الأسلوب على استخدام الإبهام والسبابة والوسطى لعزف أنماط لحنية وإيقاعية معقدة، مميزًا إياه عن طرق العزف التقليدية الأخرى على البانجو.
كيف غيّر إيرل سكراجز طريقة العزف على البانجو؟
قبل سكراجز، كان البانجو يُستخدم غالبًا كأداة إيقاعية في الخلفية. لكن أسلوبه المبتكر بثلاثة أصابع منحه صوتًا لحنيًا منفردًا ومميزًا، مما رفعه إلى مكانة بارزة كأداة رئيسية في العديد من الأنواع الموسيقية، خاصة موسيقى البلوجراس.
ما هي أشهر أعمال إيرل سكراجز؟
من أبرز أعماله "فوجي ماونتن بريكداون" (Foggy Mountain Breakdown) التي اشتهرت عالميًا بفضل ظهورها في فيلم "بوني وكلايد"، وأغنية "ذا بالاد أوف جيد كلامبيت" (The Ballad of Jed Clampett) التي كانت الموسيقى الرئيسية لمسلسل "ذا بيفرلي هيلبيليز" التلفزيوني.
ما هي موسيقى البلوجراس وما علاقة سكراجز بها؟
موسيقى البلوجراس هي نوع من موسيقى الريف الأمريكية نشأ في جبال الأبلاش. كان إيرل سكراجز عضوًا أساسيًا في فرقة بيل مونرو "ذا بلو جراس بويز"، ومن خلال أسلوبه الفريد على البانجو، ساهم بشكل كبير في تحديد الصوت المميز لهذا النوع الموسيقي.
لماذا انفصل الثنائي فلات وسكراجز؟
انفصل الثنائي في عام 1969 بسبب اختلافات فنية. أراد سكراجز تحديث أسلوبهما الموسيقي ليناسب صوتًا أكثر حداثة، بينما أصر ليستر فلات على التمسك بالأنماط التقليدية لموسيقى البلوجراس، معتقدًا أن التغيير قد ينفر جمهورهم الأصلي.
ما هو مركز إيرل سكراجز؟
هو مركز تعليمي ومتحف تأسس في شيلبي بولاية نورث كارولينا بعد وفاة سكراجز في عام 2012. يهدف المركز إلى الاحتفاء بمساهماته الموسيقية وإلهام الأجيال القادمة من خلال توفير البرامج التعليمية والعروض التفاعلية حول موسيقى البلوجراس والأصول الموسيقية الإقليمية.