تحطم منطاد بالقرب من كارترتون بنيوزيلندا ، مما أسفر عن مقتل 11 شخصًا كانوا على متنه.

يُعد منطاد الهواء الساخن، بتصميمه البسيط والأنيق، من أقدم وأجمل أشكال الطيران التي تحمل البشر. إنه في الأساس طائرة أخف من الهواء، تعتمد في مبدأ عملها على ظاهرة فيزيائية بسيطة: الهواء الساخن أقل كثافة من الهواء البارد المحيط به، وبالتالي يرتفع. هذا المفهوم الساحر يجعله يطفو بهدوء في السماء، مقدماً تجربة فريدة من نوعها.

يتكون المنطاد من أجزاء رئيسية متكاملة تعمل معاً لتحقيق هذه الرحلة الهادئة. الجزء الأكبر والأكثر وضوحاً هو المغلف (أو الكيس الهوائي الضخم)، والذي عادة ما يُصنع من قماش النايلون المتين والخفيف. هذا المغلف هو الذي يحتوي على الهواء الساخن الذي يوفر قوة الرفع اللازمة. أسفل المغلف مباشرة، يُعلّق الجندول أو السلة، والتي تُصنع غالباً من خوص الصفصاف المتين والمقاوم للصدمات، لتوفير خفة الوزن والمتانة. هذه السلة هي المأوى الآمن للركاب ومصدر الحرارة. في معظم البالونات الحديثة، يكون مصدر الحرارة عبارة عن موقد يعمل على حرق غاز البروبان السائل، والذي ينتج لهباً مكشوفاً ضخماً يسخن الهواء داخل المغلف بسرعة وكفاءة.

ليس من الضروري أن يكون المغلف محكماً للإغلاق تماماً من الأسفل، فالضغط داخل المغلف يكون قريباً جداً من ضغط الهواء الخارجي. عند مدخل المغلف، حيث يلتقي باللهب المباشر من الموقد، تُستخدم مواد مقاومة للحريق مثل "نومكس" لضمان السلامة. بينما تعتمد معظم المناطيد على الشكل التقليدي "الدمعي" (على شكل قطرة دمعة) لفعاليته الهوائية واستقراره، شهدنا على مر السنين ابتكارات رائعة في تصميم المغلفات، حيث أصبحت بعض المناطيد تأخذ أشكالاً فريدة مثل الصواريخ أو منتجات تجارية ضخمة، لتضيف لمسة من المرح والإبداع إلى سماء المدن والمهرجانات.

وكما هو الحال مع جميع الطائرات، تظل مناطيد الهواء الساخن مقيدة بالغلاف الجوي للأرض، فلا يمكنها التحليق خارج حدوده.

رحلة البشر الأولى في السماء: تاريخ منطاد الهواء الساخن

يمثل منطاد الهواء الساخن علامة فارقة في تاريخ البشرية، فهو أول تقنية طيران ناجحة مكّنت الإنسان من التحليق في السماء والارتفاع فوق الأرض. كانت لحظة تاريخية بامتياز غيرت نظرتنا للعالم وفتحت آفاقاً جديدة للمغامرة والاستكشاف.

يعود الفضل في أول رحلة ناجحة غير مقيدة بمنطاد الهواء الساخن يحمل بشراً إلى الشجاعين جان فرانسوا بيلاتر دي روزير وفرانسوا لوران دي أرلاند. انطلقت هذه الرحلة التجريبية المذهلة في 21 نوفمبر 1783، فوق سماء باريس الساحرة في فرنسا، وذلك بمنطاد صممه وأنشأه الأخوان المبدعان مونتغولفييه. كانت هذه التجربة بداية عصر جديد للطيران، حيث أذهلت الجماهير وألهمت المخترعين لسنوات قادمة.

ولم يمض وقت طويل حتى وصلت هذه التكنولوجيا المدهشة إلى القارة الأمريكية. ففي 9 يناير 1793، انطلق رائد الطيران الفرنسي جان بيير بلانشارد بأول منطاد هواء ساخن في الأمريكتين من سجن وولنت ستريت في فيلادلفيا، مقدماً مشهداً غير مسبوق للجمهور الأمريكي.

تجدر الإشارة هنا إلى أن معظم مناطيد الهواء الساخن التقليدية لا يمكن توجيهها بشكل فعال، بل تنجرف ببساطة مع حركة الرياح. ولكن، تطورت بعض التصميمات لتشمل أنظمة دفع وتوجيه، وهذه تُعرف باسم المناطيد الحرارية القابلة للتوجيه (Thermal Airships)، وهي خطوة نحو تحقيق تحكم أكبر في مسار الرحلة.

السلامة في سماء المناطيد: حادثة كارترتون المأساوية

بالرغم من سحر الطيران بالمناطيد، فإن السلامة تبقى العنصر الأهم. تُظهر بعض الأحداث المأساوية مدى أهمية الالتزام الصارم بقواعد السلامة والتقدير السليم للمواقف، فلحظة واحدة من سوء التقدير قد تكون كافية لتغيير مسار الرحلة إلى الأبد.

في 7 يناير 2012، شهدت سماء كارترتون، نيوزيلندا، حادثة مروعة لا تزال تذكرنا بأهمية اليقظة والاحترافية. فخلال رحلة منطاد هواء ساخن سياحية خلابة، اصطدم المنطاد بخط كهرباء عالي الجهد أثناء محاولته الهبوط. أدى هذا الاصطدام المروع إلى اشتعال النيران في المنطاد، ثم تفككه وتحطمه شمال المدينة، مما أسفر عن وفاة جميع الأشخاص الأحد عشر الذين كانوا على متنه، في فاجعة هزت المجتمع النيوزيلندي والعالم.

أجرت لجنة التحقيق في حوادث النقل (TAIC) تحقيقاً شاملاً في الحادث، وخلصت إلى أن قائد المنطاد، لانس هوبينغ، ارتكب خطأً فادحاً في التقدير عندما أصبح الاصطدام بخطوط الكهرباء وشيكاً. فبدلاً من استخدام نظام الهبوط السريع المتوفر، والذي كان سيسقط المنطاد بسرعة إلى الأرض بأسفل الخطوط، حاول الطيار تسلق المنطاد فوق خطوط الكهرباء، وهو قرار كانت عواقبه وخيمة. كشفت تحاليل السموم التي أجريت على الطيار بعد الحادث عن وجود مادة رباعي هيدروكانابينول (THC) في دمه، مما يشير إلى احتمالية كونه تحت تأثير الحشيش وقت الحادث، الأمر الذي قد يكون قد أثر بشكل مباشر على قدرته على اتخاذ القرارات الصائبة في تلك اللحظات الحرجة.

لم تكن هذه الحادثة منعزلة، بل كانت سادس حادثة نقل خلال عشر سنوات تحقق فيها TAIC وتتضمن أشخاصاً رئيسيين ثبتت إصابتهم بالمخدرات أو الكحول. دفعت هذه الكارثة اللجنة إلى توجيه نداءات قوية للحكومة لتبني تدابير أكثر صرامة فيما يتعلق بتعاطي المخدرات والكحول في قطاعات النقل الحيوية مثل الطيران والبحرية والسكك الحديدية، مؤكدة على ضرورة الحفاظ على أعلى مستويات السلامة العامة.

تُعد حادثة كارترتون المروعة أسوأ كارثة منطاد جوي على الإطلاق في نيوزيلندا، وكانت أيضاً الكارثة الجوية الأكثر دموية التي تحدث في البر الرئيسي لنيوزيلندا منذ تحطم طائرة الخطوط الجوية النيوزيلندية الوطنية الرحلة 441 في عام 1963، وأخطر حادث تحطم لطائرة نيوزيلندية منذ كارثة رحلة طيران نيوزيلندا 901 في جبل إريبس عام 1979.

الأسئلة الشائعة حول مناطيد الهواء الساخن

ما الذي يجعل منطاد الهواء الساخن يطير؟
يعتمد منطاد الهواء الساخن على مبدأ بسيط في الفيزياء: الهواء الساخن أقل كثافة من الهواء البارد المحيط به. عندما يُسخن الهواء داخل المغلف، يصبح أخف ويرتفع، مما يوفر قوة رفع تُمكّن المنطاد من التحليق.
من اخترع منطاد الهواء الساخن وأجرى أول رحلة مأهولة؟
يُنسب الفضل في اختراع منطاد الهواء الساخن إلى الأخوين مونتغولفييه. بينما أجرى جان فرانسوا بيلاتر دي روزير وفرانسوا لوران دي أرلاند أول رحلة مأهولة حرة في باريس، فرنسا، في 21 نوفمبر 1783.
ما هي الأجزاء الرئيسية للمنطاد؟
تتكون الأجزاء الرئيسية من: المغلف (الكيس الكبير الذي يحتوي على الهواء الساخن)، الجندول أو السلة (التي تحمل الركاب ومصدر الحرارة)، والموقد (الذي يُسخن الهواء داخل المغلف عادة باستخدام غاز البروبان السائل).
هل يمكن توجيه مناطيد الهواء الساخن؟
بشكل عام، تنجرف معظم مناطيد الهواء الساخن التقليدية مع الرياح ولا يمكن توجيهها بشكل مباشر. ومع ذلك، هناك فئة متخصصة تُعرف باسم "المناطيد الحرارية القابلة للتوجيه" التي تحتوي على أنظمة دفع وتوجيه محدودة.
ما مدى أمان رحلات مناطيد الهواء الساخن؟
تُعد رحلات مناطيد الهواء الساخن آمنة بشكل عام، خاصة مع التقدم في التكنولوجيا وتطبيق معايير السلامة الصارمة وتدريب الطيارين. ومع ذلك، مثل أي نشاط طيران، تحمل مخاطر كامنة تتطلب اليقظة والالتزام بالبروتوكولات لضمان سلامة الركاب والطاقم.
ما هي المواد المستخدمة في صناعة المناطيد الحديثة؟
يُصنع المغلف عادةً من قماش النايلون المتين والخفيف، بينما يُصنع الجزء القريب من اللهب (مدخل المغلف) من مواد مقاومة للحريق مثل نومكس لزيادة الأمان.