توماس هوكر ، الإنجليزي المولد مؤسس مستعمرة كونيتيكت (ت ١٦٤٧)
توماس هوكر، الذي وُلد في 5 يوليو 1586 وتوفي في 7 يوليو 1647، كان شخصية محورية في التاريخ الاستعماري لإنجلترا الجديدة ووزيرًا إنجليزيًا بارزًا في الكنيسة التجمُّعية. يُلقب اليوم بـ "أبي كونيتيكت"، وتتجلى بصماته العميقة في تشكيل أسس هذه الولاية الأمريكية، ليس فقط كمؤسس لمستعمرة كونيتيكت، بل كمفكر رائد دافع عن مبادئ ديمقراطية متقدمة لعصره.
النشأة والخدمة الكنسية في إنجلترا
قضى توماس هوكر سنواته الأولى في إنجلترا، حيث تلقى تعليمًا رفيعًا في جامعة كامبريدج، وتخرج منها ليصبح رجل دين متمكنًا. بدأ خدمته الكنسية في أواخر العقد الثاني من القرن السابع عشر، واكتسب شهرة سريعة كواعظ موهوب وفصيح، قادر على إلهام جماهيره بعمق. لكن آراءه البيوريتانية المتزايدة حول الإصلاح الكنسي والحكم، والتي كانت تتعارض مع الكنيسة الأنجليكانية السائدة آنذاك، عرضته للمضايقة الدينية والسياسية في إنجلترا. دفعته هذه الظروف إلى الهجرة إلى الأراضي المنخفضة لفترة وجيزة، قبل أن يقرر عام 1633 الانضمام إلى موجات البيوريتانيين المتجهين إلى العالم الجديد بحثًا عن حرية ممارسة معتقداتهم الدينية.
الوصول إلى إنجلترا الجديدة والخلافات في ماساتشوستس
وصل هوكر إلى مستعمرة خليج ماساتشوستس المزدهرة، وسرعان ما تولى منصب أول وزير لكنيسة كامبريدج (المعروفة آنذاك باسم نيوتاون). وفي ماساتشوستس، برز هوكر كأحد أبرز الدعاة في عصره، ليس فقط لخطبه المؤثرة، بل أيضًا لمساهماته الفكرية ككاتب مطلع في الموضوعات المسيحية. ومع ذلك، بدأت تظهر اختلافات فلسفية جوهرية بين هوكر وقادة المستعمرة الآخرين، وخاصة الحاكم جون وينثروب. كانت نقطة الخلاف الرئيسية تدور حول طبيعة الحكومة وحقوق المواطنين. فبينما كان وينثروب يؤمن بنظام حكم أكثر هرمية، حيث تقتصر حقوق التصويت والمسؤوليات الحكومية على أعضاء الكنيسة المعترف بهم، كان هوكر يدعو إلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية. لقد كان يؤمن بمبدأ أن "أساس السلطة يكمن في الموافقة الحرة للشعب"، ودعا إلى شكل من أشكال "حق الاقتراع المسيحي الموسع" الذي يسمح بمشاركة أوسع للمواطنين المؤهلين (وإن كانوا لا يزالون يمتلكون الممتلكات ويخضعون لمعايير مجتمعية معينة) في العملية السياسية، حتى لو لم يكونوا أعضاء كنيسة بالمعنى الضيق. هذا التباين في الرؤى حول من يجب أن يحكم وكيف يجب أن يتم ذلك، كان دافعًا رئيسيًا للبحث عن موطن جديد.
الهجرة الكبرى إلى كونيتيكت وتأسيس هارتفورد
في عام 1636، قاد توماس هوكر ومجموعة من أتباعه رحلة هجرة كبرى عبر البراري الوعرة من ماساتشوستس إلى وادي نهر كونيتيكت الخصب. كانت هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر والتحديات، ولكنها جسدت إرادة هوكر وأتباعه في بناء مجتمع يقوم على مبادئهم الخاصة في الحكم الذاتي والمشاركة. وهناك، في قلب هذا الوادي، أسسوا مستوطنة هارتفورد، التي أصبحت فيما بعد إحدى المدن الرئيسية ومركز ولاية كونيتيكت. لم يكن دافع الهجرة مجرد خلاف ديني، بل تضمن أيضًا البحث عن أراضٍ زراعية أفضل وفرص اقتصادية أوسع، ورغبة في تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً.
الأنظمة الأساسية لكونيتيكت: خارطة طريق للديمقراطية
لم يتوقف تأثير هوكر عند تأسيس المستوطنات فحسب، بل امتد ليلامس جوهر الفكر السياسي الأمريكي. ففي عام 1639، أُعلن عن "الأنظمة الأساسية لكونيتيكت" (Fundamental Orders of Connecticut)، وهي وثيقة تأسيسية تُعتبر على نطاق واسع، من قبل العديد من المؤرخين، أول دستور ديمقراطي مكتوب في العالم يؤسس لحكومة تمثيلية حقيقية. استُلهمت هذه الأنظمة بشكل كبير من رؤى توماس هوكر ومبادئه التي عبر عنها في خطبته الشهيرة عام 1638. على عكس ميثاق مستعمرة خليج ماساتشوستس، لم تذكر الأنظمة الأساسية الولاء للملك الإنجليزي، وبدلاً من ذلك، استمدت سلطتها مباشرة من "الموافقة الحرة للشعب". لقد رسخت هذه الوثيقة مبادئ مهمة مثل الانتخابات الدورية للمسؤولين، وتحديد صلاحيات الحكومة، وتوسيع قاعدة التصويت لتشمل ليس فقط أعضاء الكنيسة، بل جميع "المواطنين الأحرار" الذين يمتلكون ممتلكات، مما مثل خطوة ثورية نحو حكم الشعب في زمنه.
الإرث: أب كونيتيكت ومفكر مستبصر
توفي توماس هوكر في 7 يوليو 1647، تاركًا وراءه إرثًا دائمًا. يُذكر اليوم ليس فقط كمؤسس لكونيتيكت وواضع حجر الأساس لهارتفورد، بل كشخصية بارزة في تطوير نيو إنجلاند الاستعمارية ومفكر سياسي استشرافي. لقد رسخت أفكاره حول الحكومة القائمة على موافقة المحكومين وحق الاقتراع الأوسع مبادئ ديمقراطية أثرت في التطور اللاحق للحكم في أمريكا. يُعد توماس هوكر بحق "أب كونيتيكت"، ورمزًا للروح الرائدة التي سعت إلى تحقيق الحرية الدينية والسياسية في العالم الجديد.
الأسئلة الشائعة حول توماس هوكر
- من هو توماس هوكر؟
- توماس هوكر (1586-1647) كان وزيرًا بيوريتانيًا إنجليزيًا بارزًا وزعيمًا استعماريًا. يُعرف بأنه مؤسس مستعمرة كونيتيكت و"أب كونيتيكت" لدوره المحوري في تأسيسها وصياغة مبادئها الحكومية الديمقراطية المبكرة.
- لماذا غادر توماس هوكر مستعمرة ماساتشوستس؟
- غادر توماس هوكر ماساتشوستس بسبب خلافات فلسفية ودينية مع القيادة البيوريتانية هناك، وخاصة حول طبيعة الحكومة وحق الاقتراع. كان يدعو إلى توسيع المشاركة السياسية لتشمل المزيد من المواطنين المؤهلين بدلاً من قصرها على أعضاء الكنيسة، وهو ما كان يتعارض مع نهج قادة ماساتشوستس في ذلك الوقت.
- ما هي الأهمية التاريخية لـ "الأنظمة الأساسية لكونيتيكت"؟
- تُعتبر "الأنظمة الأساسية لكونيتيكت" (Fundamental Orders of Connecticut) أول دستور ديمقراطي مكتوب في العالم يؤسس لحكومة تمثيلية مبنية على موافقة الشعب. لقد ألهمتها رؤى توماس هوكر، ورسخت مبادئ مثل الانتخابات الدورية للمسؤولين وتحديد صلاحيات الحكومة، مما مثل سابقة مهمة للحكم الذاتي الديمقراطي.
- ماذا كان يقصد توماس هوكر بـ "حق الاقتراع المسيحي الشامل"؟
- بالنسبة لتوماس هوكر، كان "حق الاقتراع المسيحي الشامل" يعني توسيع الحق في التصويت ليشمل ليس فقط أعضاء الكنيسة البيوريتانية، بل جميع المواطنين الأحرار المؤهلين (الذين يمتلكون ممتلكات) داخل المجتمع المسيحي. لقد كان هذا المفهوم تقدميًا بشكل كبير لعصره، حيث كان يهدف إلى زيادة قاعدة المشاركة في الحكم الذاتي مقارنة بالنماذج السائدة آنذاك.
- ما هو الإرث الأبرز لتوماس هوكر؟
- إرث توماس هوكر الأبرز يتمثل في تأسيسه لكونيتيكت ومساهماته الجوهرية في الفكر السياسي الديمقراطي في أمريكا الاستعمارية. تُعد "الأنظمة الأساسية لكونيتيكت" التي ألهمها شهادة على رؤيته لحكومة عادلة وشاملة، وقد أثرت أفكاره بعمق على تطور المبادئ الديمقراطية الأمريكية.