بدأت انتفاضة الهرسك ضد الحكم العثماني ، والتي استمرت حتى عام 1878 وكان لها آثار بعيدة المدى في جميع أنحاء البلقان.

كانت انتفاضة الهرسك، المعروفة بالصربية باسم Херцеговачки устанак، حركة تمرد كبرى قادتها بشكل أساسي السكان الصرب المسيحيون ضد الحكم العثماني، وقد اندلعت شرارتها في صيف عام 1875. بدأت الانتفاضة أولًا وفي الغالب في منطقة الهرسك، ومن هنا جاء اسمها، لكن سرعان ما امتدت رقعتها لتشمل مناطق واسعة في البوسنة ورشكا. استمرت هذه المقاومة في بعض المناطق حتى بداية عام 1878، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من سلسلة الأحداث المعقدة التي عُرفت باسم الأزمة الشرقية الكبرى (1875-1878)، والتي شهدت أيضًا انتفاضة بلغارية عام 1876، وتزامنت مع الحروب الصربية التركية (1876-1878) وحروب أخرى في البلقان.

جذور الانتفاضة: الظلم والوعود المنكوبة

كانت الأسباب الجذرية لانتفاضة الهرسك عميقة ومتعددة، وتتمحور حول المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها السكان المسيحيون تحت الحكم العثماني، خاصة في ولاية البوسنة. تفاقمت الأوضاع بسبب المعاملة القاسية والإجراءات التعسفية التي كان يمارسها البايات والآغاوات، وهم كبار ملاك الأراضي المحليون من المسلمين الذين كانوا يتمتعون بنفوذ واسع.

على الرغم من الإصلاحات الطموحة التي أُعلنت سابقًا، لا سيما في عهد السلطان عبد المجيد الأول وخلال فترة التنظيمات العثمانية، والتي كانت تهدف إلى تحديث الدولة وتوحيد الحقوق بين جميع الرعايا، إلا أن هذه الوعود بقيت حبرًا على ورق في كثير من الأحيان. تضمنت هذه الإصلاحات منح حقوق جديدة للرعايا المسيحيين، ووضع أساس جديد للتجنيد العسكري أكثر عدالة، وكذلك إنهاء نظام الضرائب المكروه بشدة، مثل العشور (الآشار) والضرائب الأخرى التي كانت تثقل كاهل الفلاحين.

لكن، هذه الإصلاحات قوبلت بمقاومة شرسة أو تم تجاهلها تمامًا من قبل ملاك الأراضي البوسنيين الأقوياء، الذين كانوا يرون فيها تهديدًا لامتيازاتهم وسلطتهم التقليدية. وبدلًا من تطبيق الإصلاحات، لجأ هؤلاء الملاك في كثير من الأحيان إلى المزيد من الإجراءات القمعية ضد رعاياهم المسيحيين، وزادوا من العبء الضريبي عليهم باستمرار، مما فاقم شعور اليأس والظلم لدى الفلاحين وأشعل فتيل الغضب الذي سرعان ما تحول إلى انتفاضة مسلحة.

تصعيد الصراع: التدخلات الإقليمية والدولية

مع اتساع نطاق انتفاضة الهرسك، لم يقتصر الأمر على المقاومة الداخلية فحسب، بل بدأت تحصل على دعم خارجي كبير. تم تزويد المتمردين بالأسلحة والمتطوعين من إمارات الجبل الأسود وصربيا المجاورتين، اللتين كانتا تتمتعان بنوع من الاستقلال الذاتي وتسعيان لتوسيع نفوذهما وتحرير الشعوب السلافية من الحكم العثماني. كان لهذا الدعم دور حاسم في إطالة أمد الانتفاضة وتقويتها.

تصاعدت الأحداث بشكل كبير عندما أعلنت حكومتا الجبل الأسود وصربيا رسميًا الحرب على الإمبراطورية العثمانية في 18 يونيو 1876. أدى هذا الإعلان إلى اندلاع حربين رئيسيتين: الحرب الصربية العثمانية (1876-1878) والحرب العثمانية والجبل الأسود (1876-1878). لم يمض وقت طويل حتى جر هذا الصراع قوى إقليمية ودولية أخرى، حيث أدت هذه الحروب بدورها إلى اندلاع الحرب الروسية التركية (1877-1878)، لتكتمل بذلك حلقات الأزمة الشرقية الكبرى التي هزت الإمبراطورية العثمانية والسياسة الأوروبية برمتها.

نتائج الانتفاضة ومؤتمر برلين عام 1878

كانت الانتفاضات والحروب المتتالية في البلقان بمثابة زلزال سياسي أجبر القوى الأوروبية الكبرى على التدخل لوضع حد للفوضى وإعادة ترسيم خريطة المنطقة. وكانت النتيجة المباشرة لهذه الأحداث هي انعقاد مؤتمر برلين التاريخي في عام 1878.

خرج مؤتمر برلين بقرارات حاسمة أعادت تشكيل المشهد السياسي في جنوب شرق أوروبا:

الأسئلة الشائعة حول انتفاضة الهرسك

ما هي انتفاضة الهرسك؟
هي انتفاضة مسلحة قادها السكان الصرب المسيحيون ضد الحكم العثماني، اندلعت في صيف عام 1875 في الهرسك وامتدت إلى البوسنة ورشكا، واستمرت حتى بداية عام 1878.
ما هي الأسباب الرئيسية وراء اندلاع الانتفاضة؟
كانت الأسباب الرئيسية هي المعاملة القاسية والظلم الاقتصادي والاجتماعي الذي مارسه ملاك الأراضي المحليون (البايات والآغاوات) ضد الفلاحين المسيحيين، بالإضافة إلى فشل الإمبراطورية العثمانية في تطبيق الإصلاحات المعلنة سابقًا والتي كانت تهدف لتحسين حقوق الرعايا المسيحيين وتقليل الأعباء الضريبية عليهم.
من قدم الدعم للمتمردين؟
تلقى المتمردون دعمًا عسكريًا ومتطوعين من إمارات الجبل الأسود وصربيا، اللتين كانتا تسعيان لتوسيع نفوذهما وتحرير الشعوب السلافية.
ما هو السياق الأوسع الذي وقعت فيه انتفاضة الهرسك؟
كانت انتفاضة الهرسك جزءًا محوريًا من الأزمة الشرقية الكبرى (1875-1878)، وهي سلسلة من الأحداث والحروب في البلقان شملت أيضًا الانتفاضة البلغارية، والحروب الصربية التركية، والحرب العثمانية والجبل الأسود، والحرب الروسية التركية.
ما هي النتائج الرئيسية للانتفاضة والحروب التي تلتها؟
كانت النتائج الرئيسية هي انعقاد مؤتمر برلين عام 1878، الذي منح الجبل الأسود وصربيا الاستقلال والمزيد من الأراضي، بينما احتلت النمسا والمجر البوسنة والهرسك لمدة 30 عامًا، مع بقائها نظريًا أراضي عثمانية.