توماس بلايفورد الرابع ، سياسي أسترالي ، رئيس وزراء جنوب أستراليا الثالث والثلاثون (مواليد 1896)
يُعدّ السير توماس بلايفورد، الذي وُلد في 5 يوليو 1896 وتوفي في 16 يونيو 1981، شخصية محورية في تاريخ السياسة الأسترالية، وتحديدًا في ولاية جنوب أستراليا. لم يكن مجرد سياسي، بل كان مهندسًا لتحول اقتصادي واجتماعي دام لعقود، تاركًا بصمة لا تُمحى على الولاية. شغل بلايفورد منصب رئيس وزراء جنوب أستراليا وزعيم الرابطة الليبرالية والقطرية (LCL) دون انقطاع، في فترة تاريخية امتدت من 5 نوفمبر 1938 حتى 10 مارس 1965. هذه المدة الاستثنائية التي بلغت نحو 26 عامًا جعلته أطول زعيم حكومي منتخب خدمةً في تاريخ أستراليا، وهو إنجاز يظل محط جدل ونقاش حتى اليوم.
تميّزت فترة ولايته كرئيس للوزراء بنمو سكاني واقتصادي لم تشهده أي ولاية أسترالية أخرى في تلك الحقبة. كان بلايفورد معروفًا بأسلوبه "الضيّق" والمُركّز على دفع مصالح جنوب أستراليا بشكل استراتيجي وحاسم. أظهر قدرة فائقة على تأمين حصة غير متناسبة من التمويل الفيدرالي للولاية، ولم يتردد في مواجهة القادة الفيدراليين بوقاحة وثقة لتحقيق أهداف ولايته. سلسلته الطويلة من الانتصارات الانتخابية، والتي اعتمدت بشكل كبير على نظام التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية، أدت إلى إطلاق وصف "بلاي ماندر" (Playmander) عليها، في إشارة إلى ظاهرة التلاعب بالدوائر الانتخابية "gerrymander" نسبةً إلى حاكم ولاية ماساتشوستس الأمريكية الأسبق إلبريدج جيري.
من النشأة المتواضعة إلى قمة السلطة
وُلد توماس بلايفورد في عائلة لها جذور عميقة في السياسة الأسترالية، وكان هو الخامس الذي يحمل اسم توماس بلايفورد والرابع الذي يعيش في جنوب أستراليا. كان جده، توماس بلايفورد الثاني، قد شغل منصب رئيس الوزراء في القرن التاسع عشر، مما يشير إلى إرث سياسي قوي كان عليه أن يحمله أو يشق طريقه بعيدًا عنه. نشأ بلايفورد الشاب في مزرعة العائلة في نورتون ساميت، قبل أن يلتحق بالقوة الإمبراطورية الأسترالية للمشاركة في الحرب العالمية الأولى. خاض غمار الحرب في جاليبولي، التي كانت معركة فاصلة في الوعي الوطني الأسترالي، وفي جبهات أوروبا الغربية، مما صقل شخصيته وعزز حسّه بالواجب والخدمة. بعد انتهاء الحرب، عاد إلى حياته كمزارع حتى انتخابه ممثلاً لدائرة موراي في انتخابات الولاية عام 1933.
في سنواته الأولى داخل الساحة السياسية، كان بلايفورد عضوًا صريحًا من المقاعد الخلفية، غالبًا ما ينتقد وزراء حزب الرابطة الليبرالية والقطرية (LCL) وسياساتهم. اتبع استراتيجية مستقلة، متحديًا في كثير من الأحيان قواعد الحزب، ودافع عن سياسة عدم التدخل في الاقتصاد وعارض الحمائية والاستثمارات الحكومية. كان هذا الموقف يتناقض بشكل صارخ مع الإجراءات التي اتخذها لاحقًا عندما أصبح رئيسًا للوزراء. مع استقالة زعيم LCL، ريتشارد لايتون باتلر، في عام 1938، وجد بلايفورد نفسه على أعتاب قيادة الولاية. كان قد عُين وزيرًا قبل بضعة أشهر فقط، في محاولة يُقال إنها كانت لتهدئة تمرده ونشاطه المستقل. ورث بلايفورد حكومة أقلية والعديد من المستقلين الذين كان عليه التعامل معهم، مما جعل التوقعات تشير إلى فترة عدم استقرار وأنه سيكون زعيمًا انتقاليًا. ومع ذلك، تعامل بلايفورد مع المستقلين ببراعة سياسية ملحوظة، واستمر في تأمين أغلبية بمقعد واحد في الانتخابات التالية، وهو ما كان مؤشرًا مبكرًا على قدرته الفائقة على البقاء السياسي.
حقبة بلايفورد: نهج عملي ونمو غير مسبوق
التحول الاقتصادي من الفلسفة إلى البراغماتية
بعد توليه المنصب، أدار بلايفورد ظهره تمامًا لاقتصاديات عدم التدخل التي كان يدعو إليها في بداياته. وبدلاً من ذلك، استغل مهاراته التفاوضية الفائقة لتشجيع الصناعات على الانتقال إلى جنوب أستراليا، مستفيدًا من موقع الولاية البعيد عن ساحات القتال خلال الحرب العالمية الثانية. وقد بنى على هذا الأساس في سنوات الازدهار التي تلت الحرب، خصوصًا في قطاع صناعة السيارات. وعلى الرغم من كونه محافظًا ليبراليًا في إيديولوجيته، إلا أن نهجه في الاقتصاد كان عمليًا للغاية، مما دفع زملاءه للسخرية منه ووصف "اشتراكيته". فقد قام بتأميم شركات الكهرباء واستخدام المؤسسات المملوكة للدولة لدفع عجلة النمو الاقتصادي، في خطوة غير تقليدية لحزب محافظ.
لم تأتِ المعارضة الرئيسية لبلايفورد من حزب العمال اليساري الوسطي بقدر ما جاءت من داخل حزبه. وكانت العقبات الرئيسية التي واجهت مبادراته تكمن في المجلس التشريعي (مجلس الشيوخ)، حيث أدى تقييد حق الاقتراع على ملاك الأراضي إلى وجود غرفة يهيمن عليها نبلاء الأرض المحافظون، الذين كانوا يميلون إلى التمسك بالتقاليد. الغريب في الأمر أن زعيم حزب العمال في تلك الفترة، ميك أوالوران، كان يعمل بشكل تعاوني مع بلايفورد، وكان معروفًا عنه أنه سعيد بالخروج من السلطة، بل وذهب إلى حد السخرية بأن بلايفورد يمكن أن يخدم ناخبيه اليساريين بشكل أفضل مما يفعل حزب العمال نفسه. سمحت سياسات بلايفورد بتزويد المصانع بالكهرباء الرخيصة، والحد الأدنى من الضرائب على الأعمال، والأجور المنخفضة لجعل الولاية أكثر جاذبية للاستثمار الصناعي. لقد أبقى الأجور منخفضة باستخدام صندوق الإسكان في جنوب أستراليا لبناء مساكن عامة، إضافة إلى ضوابط حكومية للأسعار، مما ساعد على جذب العمال والمهاجرين، ولكنه أثار في الوقت نفسه غضب طبقة الملاك. نُفِّذت هذه السياسات الجريئة في الأربعينيات من القرن الماضي، وكان يُنظر إليها على أنها قد تُعرِّض سيطرة بلايفورد على حزبه للخطر، لكنها أثبتت نجاحها وعززت موقعه داخل الرابطة الليبرالية والقطرية.
"بلاي ماندر": مفتاح السلطة وبداية النهاية
خلال الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت حصة بلايفورد وحزبه LCL في التصويت تتناقص باستمرار على الرغم من النمو الاقتصادي المزدهر. ومع ذلك، تمسكوا بالسلطة بشكل أساسي بفضل "بلاي ماندر" – وهو نظام التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية الذي منح الأوزان التصويتية غير المتساوية للأصوات الريفية مقارنة بالأصوات الحضرية، مما ضمن تمثيلًا مبالغًا فيه لمقاعد LCL في المناطق الريفية على حساب المناطق الحضرية الأكثر اكتظاظًا بالسكان التي كانت تميل لدعم حزب العمال. أصبح بلايفورد أقل ثقة في البرلمان مع تزايد عدوانية حزب العمال، حيث بدأ المناظر السياسي الواعد دون دانستان، الذي سيصبح لاحقًا رئيسًا للوزراء، في تعطيل الأسلوب التعاوني السابق للسياسة، مستهدفًا ظلم "بلاي ماندر" على وجه الخصوص.
لقد غذّت سياسات بلايفورد الاقتصادية الناجحة توسعًا سريعًا للطبقة الوسطى في جنوب أستراليا، والتي بدأت تطالب بمزيد من الاهتمام الحكومي بقضايا التعليم والرعاية الصحية العامة والفنون والبيئة وحماية التراث. ومع ذلك، ظل بلايفورد شخصية براغماتية وعملية بشكل لا يلين، ولم يتأثر بالدعوات لتوسيع تركيز السياسة إلى ما هو أبعد من التنمية الاقتصادية البحتة. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب فشل بلايفورد وحزبه في التكيف مع الأعراف الاجتماعية المتغيرة، حيث ظلوا ملتزمين بشدة بالقوانين التقييدية المتعلقة بالكحول والمقامرة وصلاحيات الشرطة، والتي بدت قديمة في عيون جيل جديد. كانت نقطة التحول في فترة بلايفورد هي قضية ماكس ستيوارت المثيرة للجدل في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تعرض بلايفورد لتدقيق شديد بسبب تردده في منح العفو لقاتل محكوم عليه بالإعدام وسط مزاعم بارتكاب مخالفات قضائية، مما أثار ضجة عامة حول العدالة والرحمة.
على الرغم من أن بلايفورد خفف العقوبة في نهاية المطاف، إلا أن هذا الجدل كان مسؤولًا عن فقدان حكومته لتأكيدها وشعبيتها، وهو ما أفضى في النهاية إلى خسارته منصبه في انتخابات عام 1965 التاريخية، منهيًا بذلك حقبة استمرت أكثر من ربع قرن. بعد خسارته، تخلى بلايفورد عن قيادة الحزب لستيل هال وتقاعد من السياسة في الانتخابات التالية. واصل خدمة جنوب أستراليا من خلال عضويته في العديد من مجالس إدارة الشركات حتى وفاته في عام 1981، تاركًا وراءه إرثًا اقتصاديًا وسياسيًا لا يمكن تجاهله، وشخصية حفرت اسمها في سجلات التاريخ الأسترالي كواحد من أبرز قادته.
الأسئلة المتكررة
- من هو السير توماس بلايفورد؟
- السير توماس بلايفورد (1896-1981) كان سياسيًا أستراليًا بارزًا من ولاية جنوب أستراليا، اشتهر بكونه أطول زعيم حكومي منتخب خدمةً في تاريخ أستراليا، حيث شغل منصب رئيس وزراء جنوب أستراليا لمدة 26 عامًا.
- كم كانت مدة ولاية بلايفورد كرئيس لوزراء جنوب أستراليا؟
- شغل السير توماس بلايفورد منصب رئيس وزراء جنوب أستراليا لمدة 26 عامًا تقريبًا، من 5 نوفمبر 1938 إلى 10 مارس 1965، وهي أطول فترة لأي زعيم حكومي منتخب في تاريخ أستراليا.
- ما هو "بلاي ماندر"؟
- "بلاي ماندر" هو مصطلح صاغه النقاد لوصف نظام التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية في جنوب أستراليا خلال فترة حكم بلايفورد. سمح هذا النظام بمنح الأصوات الريفية وزنًا أكبر من الأصوات الحضرية، مما ضمن استمرار فوز حزب الرابطة الليبرالية والقطرية (LCL) بأغلبية المقاعد رغم تراجع شعبيته الإجمالية، وهو نوع من التلاعب بالدوائر الانتخابية لصالح الحزب الحاكم.
- ما هي أبرز إنجازات بلايفورد الاقتصادية؟
- تميزت فترة بلايفورد بنمو اقتصادي وصناعي غير مسبوق في جنوب أستراليا. شجع الصناعة على الانتقال إلى الولاية، وأشرف على تأميم شركات الكهرباء، واستخدم مؤسسات الدولة لدفع النمو الاقتصادي، وساعد على جذب الاستثمار الصناعي بتوفير كهرباء رخيصة وضرائب منخفضة وأجور تنافسية.
- لماذا وُصف أسلوب بلايفورد الاقتصادي بالـ "اشتراكي" على الرغم من كونه محافظًا؟
- على الرغم من انتمائه لحزب محافظ، فقد اتبع بلايفورد نهجًا عمليًا في الاقتصاد تضمن تأميم شركات الكهرباء واستخدام الاستثمارات الحكومية لدعم الصناعة والنمو الاقتصادي. هذه الإجراءات، التي تتعارض مع المبادئ الليبرالية التقليدية لعدم التدخل، دفعت ببعض زملائه إلى وصفه مازحين بـ "الاشتراكي" لإشارته إلى هذا الانحراف البراغماتي.
- ما هو الدور الذي لعبه بلايفورد في الحرب العالمية الأولى؟
- خدم توماس بلايفورد في القوة الإمبراطورية الأسترالية خلال الحرب العالمية الأولى، حيث قاتل في حملة جاليبولي الشهيرة وفي الجبهة الغربية بأوروبا.
- ما هو الحدث الذي أدى إلى تراجع شعبية حكومة بلايفورد؟
- كانت قضية ماكس ستيوارت في الخمسينيات من القرن الماضي نقطة تحول. فقد تعرض بلايفورد لتدقيق شديد بسبب تردده في منح العفو لقاتل محكوم عليه بالإعدام وسط مزاعم بوجود مخالفات قضائية. أثر هذا الجدل سلبًا على شعبية حكومته وثقتها، مما ساهم في خسارته الانتخابات لاحقًا.
- متى انتهت فترة حكم السير توماس بلايفورد؟
- انتهت فترة حكم السير توماس بلايفورد كرئيس لوزراء جنوب أستراليا في 10 مارس 1965، عندما خسر حزبه الانتخابات بعد 26 عامًا في السلطة.