يتم تنفيذ السياسة الاقتصادية الجديدة من قبل الحزب البلشفي رداً على الفشل الاقتصادي نتيجة لشيوعية الحرب.
في أعقاب سنوات عصيبة من الحرب الأهلية الروسية (1918-1922) التي تلت الحرب العالمية الأولى، ومع تدهور الاقتصاد السوفيتي إلى أدنى مستوياته، واجهت القيادة البلشفية تحديات جسيمة. في هذا السياق، قدم فلاديمير لينين، مهندس الثورة الروسية، في عام 1921، سياسة اقتصادية جريئة وغير تقليدية عُرفت باسم السياسة الاقتصادية الجديدة (بالروسية: новая экономическая политика، واختصاراً: НЭП). كانت هذه السياسة بمثابة تراجع استراتيجي ومؤقت عن المبادئ الشيوعية الصارمة، مصممة لإعادة إحياء الاقتصاد الذي كان على وشك الانهيار.
وصف لينين هذه السياسة في عام 1922 بأنها نظام اقتصادي فريد سيجمع بين "السوق الحرة والرأسمالية، وكلاهما خاضع لسيطرة الدولة الصارمة"، مع توجه مؤسسات الدولة الاجتماعية نحو العمل "على أساس الربح". كان الهدف الأسمى هو تعزيز اقتصاد البلاد الذي عانى بشدة منذ عام 1915، واستعادة الاستقرار بعد فترة "شيوعية الحرب" المدمرة.
السياق التاريخي وراء السياسة الاقتصادية الجديدة
لفهم الضرورة الملحة لـ "السياسة الاقتصادية الجديدة"، يجب العودة إلى السنوات التي سبقتها. فبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، ثم ثورة أكتوبر عام 1917، غرقت روسيا في حرب أهلية وحشية. وخلال هذه الفترة، تبنت الحكومة البلشفية سياسات "شيوعية الحرب" (1918-1921)، والتي تضمنت تأميم الصناعة بالكامل، ومصادرة المحاصيل الزراعية بالقوة من الفلاحين (المعروفة باسم prodrazvyorstka)، وحظر التجارة الخاصة. وبينما كانت هذه السياسات تهدف إلى دعم المجهود الحربي البلشفي، إلا أنها أدت إلى نتائج كارثية على الاقتصاد والمجتمع.
كانت المدن تعاني من نقص حاد في الغذاء، وانتشرت المجاعة على نطاق واسع، خاصة في عام 1921. أدت المصادرات القسرية إلى نفور الفلاحين وتراجع الإنتاج الزراعي بشكل كبير، مما أشعل شرارة انتفاضات فلاحية عديدة، أبرزها تمرد كرونشتاد الذي هز أركان النظام البلشفي. في مواجهة هذا الواقع المرير، أدرك لينين أن "شيوعية الحرب" لم تعد مستدامة وأن هناك حاجة ماسة لنهج جديد لإنقاذ الثورة من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
ملامح السياسة الاقتصادية الجديدة
مثلت السياسة الاقتصادية الجديدة تحولًا جذريًا في نهج الاتحاد السوفيتي الاقتصادي، حيث شملت عدة إصلاحات جوهرية:
- الاقتصاد المختلط: ألغت السلطات السوفيتية جزئياً التأميم الكامل للصناعة الذي ساد خلال "شيوعية الحرب". وبدلاً من ذلك، تم إدخال نظام اقتصادي مختلط سمح للأفراد بامتلاك وإدارة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، مثل المتاجر والمطاعم وورش العمل الصغيرة. ومع ذلك، احتفظت الدولة بالسيطرة الكاملة على "القطاعات الإستراتيجية" الرئيسية، بما في ذلك الصناعات الثقيلة، والبنوك، والتجارة الخارجية.
- إصلاح السياسة الزراعية: كان هذا أحد أهم أركان السياسة الجديدة. ألغت الـ prodrazvyorstka (المصادرة القسرية للحبوب) التي كانت تنهك الفلاحين، واستبدلتها بـ prodnalog (ضريبة على المزارعين تُدفع في شكل منتج زراعي خام، عادةً الحبوب). كانت هذه الضريبة محددة ومعروفة مسبقًا، مما ترك الفائض للفلاحين لبيعه في السوق الحرة. أدى هذا التغيير إلى تحفيز الفلاحين على زيادة الإنتاج وتحسين ظروفهم المعيشية بشكل ملحوظ.
- الإصلاح النقدي وجذب رأس المال: تضمنت السياسة إصلاحًا نقديًا مهمًا (1922-1924) بهدف استقرار العملة السوفيتية، وتشجيع التجارة الداخلية والخارجية. كما سعت إلى جذب رأس المال الأجنبي، وإن كان على نطاق محدود، للمساهمة في إعادة بناء البنية التحتية والصناعة.
- مؤسسات الدولة على أساس الربح: سمح للعديد من مؤسسات الدولة بالعمل على أساس "كفاءة التكلفة والربحية" (khozraschet)، مما يعني أنها كانت مسؤولة عن تغطية تكاليفها وتحقيق الأرباح، وهو ما كان يمثل ابتعادًا كبيرًا عن الإدارة المركزية الصارمة السابقة.
تنفيذ السياسة الاقتصادية الجديدة وتأثيراتها
تم تبني السياسة الاقتصادية الجديدة رسميًا من قبل الحكومة البلشفية في المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي لعموم روسيا في مارس 1921، وصدر مرسوم بخصوصها في 21 مارس 1921 تحت عنوان "حول استبدال Prodrazvyorstka بـ Prodnalog". تبع ذلك مراسيم أخرى عملت على تنقيح وتفصيل السياسة.
أدت هذه السياسة إلى انتعاش اقتصادي ملحوظ. عادت الأسواق للحياة، وتحسنت الإمدادات الغذائية، وبدأت الصناعة في التعافي. ومع ذلك، أدت أيضًا إلى ظهور طبقة جديدة من الأفراد الأثرياء الذين استفادوا من الفرص الاقتصادية الجديدة. عُرف هؤلاء باسم النِبمان (بالروسية: нэпманы) وهي كلمة مشتقة من اسم السياسة نفسها. كان النِبمان تجارًا ورجال أعمال خاصين، وقد جمعوا ثروات كبيرة في فترة قصيرة، مما خلق توترات اجتماعية وإيديولوجية داخل المجتمع السوفيتي، حيث اعتبرهم البعض خيانة للمبادئ الاشتراكية.
نهاية السياسة الاقتصادية الجديدة
على الرغم من نجاحها في إنقاذ الاقتصاد السوفيتي من الانهيار، إلا أن السياسة الاقتصادية الجديدة كانت دائمًا تعتبر إجراءً مؤقتًا، "تراجعًا استراتيجيًا" من قبل القيادة البلشفية. ومع صعود جوزيف ستالين إلى السلطة وتوطيد قبضته عليها، بدأت النظرة إلى السياسة الاقتصادية الجديدة تتغير. رأى ستالين أنها بطيئة في تحقيق الأهداف الصناعية الطموحة للدولة وأنها تسمح بظهور عناصر رأسمالية تهدد الأسس الإيديولوجية للاتحاد السوفيتي.
في عام 1928، ومع بداية "الانهيار العظيم" في الاقتصاد العالمي، تخلى ستالين بشكل قاطع عن السياسة الاقتصادية الجديدة. استبدلت بخطط خمسية طموحة، وسياسة التصنيع السريع، والتجميع القسري للزراعة، مما أرسى أسس الاقتصاد المخطط المركزي الذي سيميز الاتحاد السوفيتي لعقود قادمة. شكل هذا التحول نهاية حقبة براغماتية وبداية حقبة جديدة من السيطرة المركزية الصارمة.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هي السياسة الاقتصادية الجديدة (NEP)؟
- هي سياسة اقتصادية للاتحاد السوفيتي اقترحها فلاديمير لينين عام 1921، وكانت تهدف إلى إدخال عناصر السوق الحرة والرأسمالية تحت سيطرة الدولة بشكل مؤقت لإحياء الاقتصاد المدمر بعد الحرب الأهلية وفترة "شيوعية الحرب".
- لماذا تم إدخال السياسة الاقتصادية الجديدة؟
- تم إدخالها لإنقاذ الاقتصاد السوفيتي الذي عانى بشدة من الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية وسياسات "شيوعية الحرب" الكارثية، والتي أدت إلى مجاعة واسعة النطاق وانهيار الإنتاج الصناعي والزراعي.
- ما هي الملامح الرئيسية للسياسة الاقتصادية الجديدة؟
- سمحت هذه السياسة بملكية الأفراد للشركات الصغيرة والمتوسطة، واستبدلت المصادرة القسرية للمحاصيل بضريبة عينية (Prodnalog)، وحافظت الدولة على السيطرة على الصناعات الكبيرة والبنوك والتجارة الخارجية، وسمحت لمؤسسات الدولة بالعمل على أساس الربح، وشملت إصلاحًا نقديًا.
- من هم "النِبمان"؟
- هم طبقة جديدة من الأفراد السوفييت الذين جمعوا ثروات من خلال العمل في الشركات الخاصة الصغيرة والمتوسطة والتجارة التي سمحت بها السياسة الاقتصادية الجديدة. كانوا يمثلون طبقة برجوازية جديدة أثارت جدلاً داخل الحزب الشيوعي.
- متى ولماذا تم إلغاء السياسة الاقتصادية الجديدة؟
- تم إلغاؤها من قبل جوزيف ستالين في عام 1928. رأى ستالين أنها بطيئة في تحقيق أهداف التصنيع السريع ولتنامي نفوذ العناصر الرأسمالية، فاستبدلها بسياسات التصنيع المخطط والتجميع الزراعي القسري.
- هل كانت السياسة الاقتصادية الجديدة ناجحة؟
- نعم، تعتبر السياسة الاقتصادية الجديدة ناجحة إلى حد كبير في تحقيق أهدافها الفورية المتمثلة في إنعاش الاقتصاد السوفيتي، واستعادة الإنتاج الزراعي والصناعي، وتحسين مستويات المعيشة بعد سنوات من الكارثة. ومع ذلك، لم تكن تتماشى مع الأهداف الأيديولوجية طويلة المدى للحزب البلشفي.