تحطم المسبار السوفيتي لونا 2 على القمر ، ليصبح أول جسم من صنع الإنسان يصل إليه.
في فجر عصر استكشاف الفضاء، وتحديداً في العام 1959، أُطلقت المركبة الفضائية السوفيتية لونا 2، التي حملت في طياتها طموح البشرية لبلوغ الأجرام السماوية الأخرى. تُعرف هذه المركبة، والتي أُطلق عليها في الأصل "الصاروخ الكوني السوفيتي الثاني" ولقبت في وسائل الإعلام الغربية بـ "لونيك 2" (Lunik 2)، بكونها السادسة ضمن برنامج لونا الطموح للاتحاد السوفيتي، وتحمل التعيين E-1 رقم 7 ضمن سلسلة تصميماتها. لم تكن لونا 2 مجرد رحلة أخرى نحو القمر، بل كانت رحلة غيرت مجرى التاريخ، حيث أصبحت أول مركبة فضائية تنجح في الوصول إلى سطح القمر، وبالتالي أول جسم من صنع الإنسان يلامس جرمًا سماويًا آخر، مسجلةً بذلك سابقة تاريخية لا تقدر بثمن في سباق الفضاء الذي كان محتدماً آنذاك.
رحلة تاريخية إلى القمر
انطلقت لونا 2 في رحلتها الملهمة في الثاني عشر من سبتمبر عام 1959، على متن صاروخ لونا من طراز 8K72 يحمل الرقم التسلسلي I1-7B. اتبع الصاروخ مسارًا مباشرًا ودقيقًا نحو القمر، وهي استراتيجية تطلبت دقة متناهية في الإطلاق والتوجيه آنذاك، خصوصًا في عصر كانت فيه الحسابات المدارية لا تزال في مراحلها الأولى. لم تقتصر مهمة المركبة على الوصول فحسب، بل كانت مجهزة بتقنيات مبتكرة لجمع البيانات. فبالإضافة إلى أجهزة الإرسال اللاسلكية التي كانت تبث معلومات القياس عن بعد إلى الأرض، أطلقت المركبة سحابة من غاز الصوديوم. لم يكن هذا الإجراء محض استعراض، بل كان له غرض علمي وعملي بالغ الأهمية؛ فقد سمح لعلماء الفلك والمراصد الأرضية بمراقبة حركة المركبة الفضائية بصريًا، مما ساعد على تأكيد مسارها وتتبعها بدقة في سماء الليل، وهو إنجاز تقني بارز في تلك الحقبة مكن العلماء من التحقق من صحة توجيه البعثة.
لحظة التأثير والنصب التذكاري
في الثالث عشر من سبتمبر عام 1959، وبعد رحلة استغرقت يوماً واحداً فقط، وصلت لونا 2 إلى غايتها، لتؤثر على سطح القمر في منطقة تقع شرق "بحر الأمطار" (Mare Imbrium)، وهي واحدة من أكبر وأبرز السهول البازلتية على القمر، بالقرب من ثلاث فوهات قمرية معروفة هي أريستيدس (Aristides) وأرشيميدس (Archimedes) وأوتوليكوس (Autolycus). كان اختيار هذه المنطقة دليلًا على دقة التوجيه التي حققتها التكنولوجيا السوفيتية حينها. وقبل لحظات من الاصطدام التاريخي، تم تفجير شعارين رمزيين كرويي الشكل كانا يحملان شعار الاتحاد السوفيتي وتاريخ الإطلاق المحفور بالأحرف السيريلية. أسفر هذا التفجير عن نثر دروع خماسية صغيرة في جميع الاتجاهات، لتكون بمثابة نصب تذكاري رمزي على سطح القمر، يخلّد أول لمسة بشرية لجرم سماوي آخر ويؤكد على الإنجاز السوفيتي الرائد في سباق الفضاء، مؤذناً ببداية فصل جديد في تاريخ استكشاف الكون.
الاكتشافات العلمية والإرث الدائم
لم تكن لونا 2 مجرد بعثة رمزية؛ فقد حملت على متنها أدوات علمية لإجراء قياسات مبكرة حول بيئة القمر، وذلك بهدف فهم أفضل لخصائصه الفيزيائية. كشفت البيانات التي أرسلتها المركبة عن حقائق مهمة: لم تكتشف لونا 2 أي إشعاع أو أحزمة مغناطيسية حول القمر، مما يعني أن القمر لا يمتلك حقلًا مغناطيسيًا عالميًا كبيرًا خاصًا به، على عكس الأرض. هذه النتائج كانت حاسمة في دحض بعض النظريات المبكرة حول البيئة القمرية، وأسست لفهم أفضل لخصائص القمر المغناطيسية والإشعاعية، ممهدة الطريق للبعثات المستقبلية الأكثر تعقيدًا التي أكدت هذه النتائج وتعمقت فيها. شكل نجاح لونا 2 نقطة تحول كبرى، ليس فقط في برنامج لونا السوفيتي، بل في تاريخ استكشاف الفضاء العالمي، مؤكداً على إمكانية الوصول إلى الكواكب الأخرى ومفجراً طموحات جديدة لاستكشاف أسرار الكون التي كانت تبدو مستحيلة في الماضي القريب.
أسئلة متكررة حول لونا 2
- ما هو الإنجاز الرئيسي للمركبة الفضائية لونا 2؟
- كان الإنجاز الأبرز للونا 2 هو كونها أول مركبة فضائية من صنع الإنسان تصل إلى سطح القمر، وأول جسم يلامس جرمًا سماويًا آخر، مسجلة بذلك سابقة تاريخية في استكشاف الفضاء.
- متى تم إطلاق لونا 2 ومتى وصلت إلى القمر؟
- أُطلقت لونا 2 في 12 سبتمبر 1959، ووصلت إلى سطح القمر واصطدمت به في 13 سبتمبر 1959، بعد رحلة استغرقت حوالي يوم واحد.
- ما هو الصاروخ الذي حمل لونا 2؟
- حملت لونا 2 بواسطة صاروخ لونا من طراز 8K72 يحمل الرقم التسلسلي I1-7B، وهو صاروخ سوفيتي قوي مصمم للبعثات القمرية.
- ما هي الحمولة الأساسية التي حملتها لونا 2 وماذا كان غرضها؟
- حملت لونا 2 أجهزة إرسال راديوية لبيانات القياس عن بعد، كما أطلقت سحابة من غاز الصوديوم لمساعدة المراصد الأرضية على تتبع مسارها بصريًا. كما حملت شعارات رمزية للاتحاد السوفيتي لتخليد الإنجاز.
- ماذا كشفت لونا 2 من الناحية العلمية؟
- لم تكتشف لونا 2 أي إشعاع أو أحزمة مغناطيسية حول القمر، وهي نتائج ساعدت في تشكيل فهمنا الأولي للبيئة القمرية وخصائصها الفيزيائية، مشيرة إلى غياب حقل مغناطيسي قمري كبير.
- لماذا لُقبت لونا 2 بـ "لونيك 2"؟
- لُقبت لونا 2 بـ "لونيك 2" في وسائل الإعلام الغربية (خاصة الأمريكية) المعاصرة، وذلك كجزء من التغطية الإعلامية لبرنامج الفضاء السوفيتي في سياق سباق الفضاء المحتدم آنذاك، لتسهيل النطق والتداول.