تحمل السنة الأمازيغية الجديدة، المعروفة شعبياً باسم "ينّاير"، مكانة خاصة وعميقة في قلوب الأمازيغ، كونها تجسيداً حياً لتاريخهم العريق وثقافتهم الغنية والمتجذرة في شمال إفريقيا. في الجزائر، لا يقتصر الاحتفال بينّاير على كونه مجرد مناسبة عابرة، بل ارتقى إلى مصاف الأعياد الوطنية الرسمية، حيث أُعلن يوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2018، مما يعني إغلاقاً عاماً للمؤسسات الحكومية والخاصة، بما في ذلك المدارس والجامعات والشركات، ليتسنى للجميع المشاركة في هذه الفرحة الجماعية التي تتجلى في أول أيام شهر يناير من التقويم الأمازيغي.
أصول ينّاير وتاريخه: سر 14 يناير
للوهلة الأولى، قد يبدو تشابه اسم "ينّاير" مع "يناير" في التقويمين الميلادي واليولياني مجرد مصادفة، إلا أنه يحمل في طياته دلالات تاريخية عميقة. ففي حين يتزامن اليوم الأول من "ينّاير" فعلياً مع اليوم الأول من شهر يناير في التقويم اليولياني، الذي كان سائداً في أجزاء واسعة من العالم قبل اعتماد التقويم الغريغوري، إلا أنه يصادف تاريخ 14 يناير في التقويم الغريغوري الحديث الذي نستخدمه اليوم. هذا الفارق الزمني ليس وليد الصدفة، بل يعود إلى الانزياح التدريجي الذي طرأ على التقويم اليولياني على مر القرون بسبب عدم دقته في حساب طول السنة الفلكية بدقة متناهية.
يعتبر التقويم الأمازيغي، أو الفلاحي كما يُعرف أحياناً، تقويماً زراعياً بالأساس، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمواسم الفلاحية ودورات الطبيعة، وهو ما يفسر طابعه الاحتفالي بالخصب والنماء. يعتقد أن نقطة بدايته تعود إلى عام 950 قبل الميلاد، وهي السنة التي يُقال إن الملك الأمازيغي شيشناق الأول (Shoshenq I) قد تولى فيها عرش مصر وأسس الأسرة الثانية والعشرين الفرعونية. هذا الارتباط يعكس عمق الحضارة الأمازيغية وإسهاماتها التاريخية العابرة للحدود الجغرافية التقليدية، ويمنح "ينّاير" بعداً تاريخياً يتجاوز مجرد بداية سنة جديدة إلى الاحتفاء بإنجازات الأجداد ورمزية الاستمرارية والتأصيل.
تقاليد الاحتفال بينّاير: مائدة عامرة بالبركة
تتميز احتفالات ينّاير في الجزائر وشتى أنحاء بلاد تامازغا (المناطق الأمازيغية في شمال إفريقيا) بطابعها الاحتفالي العائلي الدافئ، حيث تتجلى التقاليد المتوارثة عبر الأجيال. تحرص العائلات على إعداد وجبات خاصة ترمز للبركة والوفرة، مثل "الكسكس" بأنواعه المختلفة الغني بالخضروات والبقول، الذي يُعد طبقاً مركزياً في المائدة، أو "الرفيس" و"تاكلا" (العصيدة) وغيرها من الأطباق التقليدية التي تختلف تسمياتها ومكوناتها باختلاف المناطق، لكنها جميعاً تشترك في دلالتها على الأمل بعام مليء بالخير والرخاء. هي مناسبة لتجديد الروابط العائلية، تبادل التهاني، وإقامة طقوس رمزية تدعو للسلام والازدهار في الأرض والزرع والضرع. تُزين البيوت، وتُعقد الجلسات التي تسترجع فيها الحكايات والأمثال القديمة، معبرةً عن الفخر بالهوية والتراث الأمازيغي الأصيل.
الأهمية الثقافية والوطنية لينّاير في الجزائر
قرار الجزائر بجعل ينّاير عطلة وطنية رسمية في 12 يناير 2018، لم يكن مجرد إجراء إداري، بل كان اعترافاً حاسماً بالهوية الأمازيغية كرافد أساسي من روافد الهوية الوطنية الجزائرية، إلى جانب العروبة والإسلام. هذا الاعتراف يعزز التنوع الثقافي للبلاد ويؤكد على أهمية حفظ الموروث الحضاري للأمة وتثمينه، ويساهم في بناء جسور التفاهم بين مختلف مكونات المجتمع. لقد أصبح ينّاير رمزاً للوحدة في التنوع، ومناسبة وطنية تحتفي بالذاكرة الجماعية للأمة الجزائرية بأكملها، وتفتح المجال للأجيال الجديدة للتعرف على جزء أصيل من تاريخهم الغني والانتماء إليه بكل فخر.
أسئلة شائعة حول السنة الأمازيغية الجديدة (ينّاير)
- متى يتم الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة؟
- يتم الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة، المعروفة باسم "ينّاير"، في الأول من يناير حسب التقويم الأمازيغي، والذي يصادف 14 يناير من كل عام وفقاً للتقويم الغريغوري (الميلادي) الشائع في معظم دول العالم اليوم.
- هل ينّاير عطلة رسمية في جميع الدول؟
- لا، ينّاير ليس عطلة رسمية في جميع الدول. هو عطلة رسمية مدفوعة الأجر في الجزائر منذ عام 2018. في دول شمال إفريقيا الأخرى والمناطق التي تتواجد فيها الجاليات الأمازيغية حول العالم، يتم الاحتفال به عادةً كعيد ثقافي واجتماعي بفعاليات خاصة، وقد تمنح بعض المؤسسات أو المناطق إجازات خاصة بهذه المناسبة لكنه ليس عطلة وطنية رسمية بالمعنى الشامل.
- ما هو أصل التقويم الأمازيغي؟
- التقويم الأمازيغي هو تقويم زراعي قديم، يعتقد أنه بدأ في عام 950 قبل الميلاد. يرتبط هذا التاريخ بانتصار الملك الأمازيغي شيشناق الأول وتأسيسه للأسرة الثانية والعشرين في مصر، مما يرمز إلى حقبة من القوة والازدهار للأمازيغ. على الرغم من أن هذا الأصل التاريخي محل نقاش بين بعض المؤرخين بخصوص دقة تاريخ بدايته، إلا أنه الرمز الأكثر شيوعاً لبداية هذا التقويم والاحتفاء بذاكرة تاريخية مجيدة.
- ماذا تعني كلمة "ينّاير"؟
- كلمة "ينّاير" هي التسمية الأمازيغية لشهر يناير، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية "Januarius" التي تعني "باب" أو "بداية"، وتعكس التأثيرات التاريخية والثقافية المتبادلة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط على مر العصور.