يُعد هذا اليوم، الذي يُعرف في تايلاند على وجه الخصوص باسم "أشانها بوجا" (Asanha Puja) أو "يوم دارما" (Dhamma Day)، أحد أبرز الأعياد البوذية التي تحمل في طياتها قيمة روحية وتاريخية عميقة. يحتفل البوذيون حول العالم بهذا اليوم لإحياء ذكرى حدثين محوريين في تاريخ البوذية: أول موعظة ألقاها بوذا، وتأسيس "السانغا" البوذية، أي المجتمع الرهباني. تُجسد هذه الموعظة فجر تعاليم بوذا التي أضاءت الدرب للملايين.
كانت هذه الموعظة التاريخية، المعروفة في النصوص البوذية باسم "دارما تشاكابافاتانا سوتا" (Dhammacakkappavattana Sutta) أو "وضع عجلة الدارما في الحركة"، أول إعلان علني لتعاليم بوذا بعد بلوغه التنوير. وقد أُلقيت في "حديقة الغزلان"، التي تُعرف أيضًا باسم "إسيباتانا" (Isipatana)، الواقعة في مدينة سارناث (Sarnath) بالقرب من مدينة فاراناسي (Varanasi) الحديثة، والتي كانت تُعرف آنذاك باسم "بيناريس" (Benares) في الهند القديمة. فما هي أبرز المفاهيم التي تناولتها هذه الموعظة؟
أهمية الموعظة الأولى وقيام السانغا
في جوهرها، كشفت الموعظة الأولى عن "الحقائق النبيلة الأربع" (Four Noble Truths) و"الطريق النبيل الثماني" (Noble Eightfold Path)، وهي المبادئ الأساسية التي تشكل جوهر الفلسفة البوذية وممارساتها. تقدم هذه التعاليم خريطة طريق لفهم المعاناة وطرق التغلب عليها وصولاً إلى التنوير والسلام الداخلي.
أما الحدث الثاني الذي يُحتفل به في هذا اليوم، فهو تأسيس "السانغا" (Sangha)، وهو المجتمع الرهباني البوذي. فبعد أن استمعت المجموعة الأولى من تلاميذ بوذا الخمسة، المعروفين باسم "البانشافاغيا" (Pañcavaggiya)، إلى الموعظة، بلغ "كوندانيا" (Koṇḍañña) التنوير، ليصبح أول راهب أرهات (المتنور) في السانغا. شكل هذا الحدث اللبنة الأولى للمجتمع الرهباني الذي يُعتبر أحد "الجواهر الثلاث" في البوذية (بوذا، والدارما، والسانغا)، والتي تُقدم ملجأً روحيًا للمؤمنين.
كيف يحتفل البوذيون بيوم أشانها بوجا؟
تُقام الاحتفالات في هذا اليوم عادة في المعابد البوذية في جميع أنحاء العالم، خاصة في جنوب شرق آسيا. في تايلاند، يشارك المصلون بنشاط في مجموعة متنوعة من الطقوس والممارسات الروحية:
- الاستماع إلى خطب الدارما (Dhamma Desana): يتجمع المصلون للاستماع إلى تعاليم بوذا من الرهبان، وهي فرصة للتأمل في جوهر الدارما وفهمها بشكل أعمق.
- تقديم العروض (Dana): يقوم المؤمنون بتقديم الهبات والعروض الرمزية للمعابد والرهبان، مثل الزهور العطرة، الشموع، أعواد البخور، والقرابين الغذائية. هذه الممارسات لا ترمز إلى الاحترام فحسب، بل تُعتبر أيضًا وسيلة لتراكم الاستحقاق (merit) وتنمية الكرم.
- مسيرات الشموع (Wian Thian): تُعد هذه المسيرات واحدة من أجمل الطقوس البصرية. فبعد حلول الظلام، يحمل المصلون الشموع والزهور والبخور ويتجولون ثلاث مرات حول قاعة الصلاة الرئيسية في المعبد (ubosot)، في رمز للجوهرة الثلاث: بوذا والدارما والسانغا. يعكس هذا الطقس التأملي الإجلال العميق لبوذا وتعاليمه.
- ممارسات التأمل والالتزام بالوصايا: يختار الكثيرون قضاء اليوم في التأمل الهادئ والالتزام بشكل أكثر صرامة بالوصايا الخمس أو الثماني للبوذية، مما يعمق اتصالهم الروحي.
يُعد "أشانها بوجا" يومًا للتجديد الروحي والتأمل في أساسيات البوذية، وفرصة لتأكيد الالتزام بمسار السلام والتنوير الذي أرساه بوذا قبل آلاف السنين.
أسئلة شائعة حول يوم أشانها بوجا
- ما هو الاسم الآخر ليوم أشانها بوجا؟
- يُعرف أيضًا باسم "يوم دارما" (Dhamma Day)، ويحتفل به في بعض المناطق كـ "إيسالا بويا" (Esala Poya).
- ما هي الحقائق النبيلة الأربع؟
- هي جوهر تعاليم بوذا، وتتضمن: الحقيقة النبيلة للمعاناة، حقيقة منشأ المعاناة، حقيقة وقف المعاناة، وحقيقة الطريق المؤدي إلى وقف المعاناة (الطريق النبيل الثماني).
- من هم "السانغا"؟
- السانغا تُشير إلى المجتمع الرهباني البوذي، سواء الرهبان (bhikkhus) أو الراهبات (bhikkhunis)، الذين يتبعون تعاليم بوذا ويعيشون وفقًا لقواعد الانضباط الرهباني.