يُعد يوم "فيساك" (Vesak) أحد أقدس وأهم الأعياد في التقويم البوذي، ومناسبة محورية تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، موحِّدةً الملايين من البوذيين حول العالم. يُعرف هذا اليوم العظيم بأسماء متعددة تعكس تنوع الثقافات البوذية، فنجده يشار إليه باسم "فيساكاه بوجا" (Visakah Puja) وهو مصطلح سنسكريتي-بالي يشير إلى العبادة أو الاحتفال، أو "بوذا بورنيما" (Buddha Purnima) حيث تعني كلمة "بورنيما" يوم اكتمال القمر في السنسكريتية، أو حتى بالأسماء المحلية مثل "سانغهاي بوجا" في بعض المناطق أو بالاسم السائد في التقاليد السنهالية، نسبةً إلى شعب السنهال في سريلانكا حيث يُحتفل به بمهابة خاصة.
في هذا اليوم المبارك، يحتفل البوذيون بذكرى ثلاث محطات رئيسية ومترابطة في حياة بوذا غوتاما (Siddhartha Gautama)، مؤسس البوذية: ميلاده المعجز في لومبيني (Lumbini)، الواقعة في نيبال حالياً، والتي كانت إيذاناً بقدوم مخلص البشرية؛ ثم بلوغه التنوير الأسمى (Nirvana) تحت شجرة بودي في بودغايا (Bodh Gaya) بالهند، حيث اكتشف الحقائق النبيلة الأربع والسبيل إلى التحرر من المعاناة؛ وأخيراً، بارينيرفانته (Parinirvana)، أي وفاته ودخوله النيرفانا النهائية في كوشيناغار (Kushinagar)، بعد أن أمضى 45 عاماً في نشر تعاليمه السامية. هذه الأحداث الثلاثة التي وقعت في يوم واحد من شهر "فيساك" القمري، تجعل من "فيساك" احتفالاً بالوجود الكامل لبوذا ومسيرته الروحية.
طقوس وتقاليد احتفال "فيساك"
تتنوع مظاهر الاحتفال بيوم "فيساك" حول العالم، لكنها جميعاً تشترك في روح التقوى والتأمل والعطاء. يحرص البوذيون على زيارة المعابد والأديرة البوذية للمشاركة في الصلوات الجماعية، والإنصات إلى تعاليم الدارما (Dharma) التي تُلقى من قبل الرهبان. من أبرز الطقوس: تقديم القرابين من الزهور النضرة، الشموع المضيئة، وأعواد البخور العطرية، التي ترمز إلى نقاء التعاليم، إضاءة طريق المعرفة، وتلاشي الأنا على التوالي. كما يلتزم الكثيرون بالامتناع عن تناول اللحوم واتباع نظام غذائي نباتي، والالتزام بالوصايا الخمس البوذية، التي تشمل عدم قتل أي كائن حي، عدم السرقة، عدم الكذب، عدم الانغماس في سلوك جنسي خاطئ، وعدم تناول المسكرات.
تُعد أعمال الخير والعطاء جزءاً لا يتجزأ من احتفالات "فيساك". يقوم البوذيون بتقديم الطعام للمحتاجين، والتبرع للمؤسسات الخيرية، والمشاركة في حملات تنظيف المعابد والمناطق المحيطة بها. في بعض الثقافات، تُطلق الطيور أو الحيوانات الأسيرة كرمز للحرية والإفراج عن المعاناة، مع التأكيد على أن هذا يجب أن يتم بطريقة لا تلحق الضرر بالحيوانات نفسها أو بالبيئة. كما تُزين المنازل والشوارع بفوانيس "فيساك" الملونة والمضيئة التي تضفي جمالاً روحياً على الأجواء الاحتفالية.
الاعتراف الدولي وأصل التسمية
يعكس الأهمية العالمية ليوم "فيساك" اعتراف الأمم المتحدة به رسمياً. ففي عام 1999، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 54/115، الذي يقر بيوم "فيساك" كيوم دولي للاحتفال به في مقر الأمم المتحدة وفي مكاتبها حول العالم، إيماناً منها بمساهمة البوذية في الروحانية العالمية وتعزيز السلام والتفاهم المتبادل. يؤكد هذا الاعتراف على المبادئ العالمية للسلام والرحمة التي ينادي بها بوذا.
أما بالنسبة لأصل التسمية، فيعتبر اسم الشهر البوذي "فيساك" مشتقاً من الكلمة السنسكريتية "فيساكا" (Vaishakha) أو البالية "فيساخا" (Vesakha)، وهو الاسم التقليدي للشهر القمري الثاني في التقويم الهندوسي القمري، والذي يتزامن عادةً مع شهر مايو في التقويم الميلادي. وبما أن أحداث حياة بوذا الرئيسية تزامنت مع يوم اكتمال القمر في هذا الشهر، فقد ارتبط اسمه ارتباطاً وثيقاً بهذا العيد المقدس.
أسئلة شائعة حول "فيساك"
- ما هو يوم "فيساك"؟
- هو أهم وأقدس الأعياد في التقويم البوذي، يحتفل فيه البوذيون بميلاد بوذا غوتاما، وتنويره، ووفاته (دخوله النيرفانا).
- متى يُحتفل بيوم "فيساك"؟
- يُحتفل به عادةً في يوم اكتمال القمر من شهر "فيساك" القمري، والذي يتزامن غالباً مع شهر مايو في التقويم الميلادي، وقد يختلف التاريخ الدقيق قليلاً حسب التقويمات القمرية المختلفة المستخدمة في البلدان البوذية.
- لماذا يُعتبر "فيساك" مهماً جداً للبوذيين؟
- يُمثل هذا اليوم خلاصة تعاليم بوذا ومسيرته الروحية، حيث يذكرهم بأصولهم الروحية وبالمثل العليا للرحمة والحكمة التي علمها بوذا، ويجددون فيه التزامهم بمبادئ الدارما.
- كيف يحتفل البوذيون بيوم "فيساك"؟
- تشمل الاحتفالات زيارة المعابد، تقديم القرابين، التأمل، الاستماع إلى التعاليم، ممارسة أعمال الخير والعطاء، والالتزام بالوصايا الأخلاقية.