تُعرف هذه الفترة المحورية في التقويم الليتورجي المسيحي، والتي تغمرها مشاعر الترقب والتأمل، على نطاق واسع في غالبية الكنائس المسيحية بأنها "فترة المجيء" أو "أدفنت" (Advent). وهي كلمة ذات أصول لاتينية عريقة، مشتقة من كلمة "adventus" التي لا تعني مجرد "قادم" بل تحمل دلالة أعمق بكثير، وهي "قدوم شخصية ذات أهمية بالغة" أو "حدث جلل ومؤثر". إنها إشارة واضحة إلى قدوم المسيح بذاته.
هذه الفترة ليست مجرد احتفال بالماضي، بل هي دعوة عميقة للتحضير الروحي والانتظار اليقظ، حيث تركز على محورين أساسيين في الإيمان المسيحي: أولهما، إحياء ذكرى الميلاد التاريخي للسيد المسيح في بيت لحم، وهو ما يُعرف بـ "المجيء الأول" الذي نتوج احتفالاته بعيد الميلاد المجيد. وثانيهما، الاستعداد القلبي والروحي لعودته الظافرة في "المجيء الثاني"، عندما يعود المسيح ليُتمم ملكوته ويُقيم العدل النهائي، وهو ما يُعرف لاهوتياً بـ "الباروسيا".
الأبعاد الروحية والتاريخية لفترة المجيء
تُعد فترة المجيء بمثابة نافذة روحية تفتح للمؤمنين فرصة للتأمل في سر التجسد الإلهي، أي تجسد الله في صورة بشرية، وهو الحدث الذي غيّر مجرى التاريخ البشري وقدم الفداء للبشرية. وفي الوقت ذاته، تذكرهم هذه الفترة بالرجاء المسيحي العظيم في المستقبل، حيث يُنتظر بلهفة تحقيق الوعد الإلهي بالعودة الثانية للمسيح لإحلال السلام والعدل الكاملين. هذا التوازن بين التذكر الماضي والترقب المستقبلي يمنح فترة المجيء عمقاً روحياً فريداً.
تتضمن هذه الفترة العديد من الممارسات الروحية والتقاليد التي تُعزز من معانيها. فالمؤمنون مدعوون للتوبة، والصلاة المكثفة، والتأمل في الكلمة الإلهية، بالإضافة إلى ممارسة أعمال الخير والإحسان. كما تشهد الكنائس تزيينات خاصة تعكس هذه الفترة، مثل الألوان الليتورجية المميزة كاللون البنفسجي أو الأرجواني الذي يرمز إلى التوبة والملكية، وأحياناً الأزرق الذي يرمز إلى الأمل والتوقع. وفي الأحد الثالث من المجيء، المعروف بـ "أحد الفرح" (Gaudete Sunday)، يتم استخدام اللون الوردي كتعبير عن الفرح المتزايد بقرب حلول الميلاد.
رموز وتقاليد مميزة لفترة المجيء
- إكليل المجيء (Advent Wreath): يُعد هذا الإكليل دائرة من الأغصان الخضراء، تُزين بأربع شموع (أو خمس في بعض التقاليد) تُشعل تباعاً كل أحد من آحاد المجيء. ترمز هذه الشموع عادةً إلى الأمل، والسلام، والفرح، والمحبة، وتُذكر بمرور الوقت واقتراب ميلاد المسيح، "نور العالم".
- تقويم المجيء (Advent Calendar): هو تقويم خاص يبدأ عادةً في الأول من ديسمبر ويستمر حتى ليلة عيد الميلاد، ويحتوي على نوافذ صغيرة تُفتح يومياً لتكشف عن صورة أو قطعة شوكولاتة أو رسالة قصيرة، مما يزيد من ترقب الأطفال والكبار على حد سواء.
- الأغاني والتراتيل الخاصة: تُردد خلال هذه الفترة تراتيل وأناشيد معينة تتناول مواضيع الرجاء، والانتظار، والنبوءات عن ميلاد المسيح، وتهيئ الأجواء الروحية للعيد.
حقائق سريعة عن فترة المجيء
- المدة: عادة ما تستمر فترة المجيء لأربعة أسابيع، تبدأ بأحد المجيء الأول وتنتهي عشية عيد الميلاد.
- البداية: يبدأ أحد المجيء الأول في الأحد الأقرب لتاريخ 30 نوفمبر من كل عام.
- التقويم الليتورجي: تُعد فترة المجيء نقطة الانطلاق للعام الليتورجي الجديد في العديد من الكنائس الغربية.
- الاختلافات: بينما تحتفل الكنائس الغربية (الكاثوليكية والبروتستانتية) بالمجيء، تُعرف الفترة المماثلة في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بـ "صوم الميلاد" أو "صوم ميلاد السيد المسيح"، والذي يبدأ في وقت أبكر ويُركز بشكل أكبر على الجانب النسكي والصيام.
أسئلة شائعة حول فترة المجيء
- ما هو المجيء (أدفنت)؟
- المجيء هو فترة من التحضير والانتظار الروحي في التقويم المسيحي، تُركز على إحياء ذكرى ميلاد المسيح والاستعداد لمجيئه الثاني.
- كم تستمر فترة المجيء؟
- تستمر فترة المجيء عادةً لمدة أربعة أسابيع، بدءًا من الأحد الأقرب ليوم 30 نوفمبر وتنتهي عشية عيد الميلاد.
- ما هي الألوان المرتبطة بالمجيء؟
- الألوان الليتورجية الأساسية هي البنفسجي أو الأرجواني الذي يرمز إلى التوبة والترقب الملكي، واللون الوردي (الزهري) الذي يُستخدم في الأحد الثالث (أحد الفرح)، وقد يُستخدم الأزرق في بعض التقاليد كرمز للأمل.
- لماذا يُحتفل بالمجيء؟
- يُحتفل بالمجيء للاستعداد الروحي لعيد الميلاد (ذكرى المجيء الأول للمسيح) وللتعبير عن الرجاء والترقب لعودة المسيح في مجيئه الثاني، مع التركيز على التوبة والصلاة والتأمل.