تحيي الكنائس المسيحية، بقلب مثقل بالوقار والذكرى، الاحتفال بـ "عيد الشهداء الأبرياء" أو "عيد الأطفال الأبرياء"، وهو تكريم عميق لأرواح الأطفال الصغار الذين يعتبرون أول من نال شرف الشهادة في تاريخ الكنيسة. تقع هذه الذكرى المأساوية في صميم محاولات الملك "هيرودوس" الكبير اليائسة والدموية لقتل الطفل المقدس يسوع، والتي سجلها إنجيل متى في العهد الجديد. لم يكن هؤلاء الأطفال ضحايا عشوائيين فحسب، بل شهداء غير مقصودين، ماتوا دفاعًا عن المسيح، حتى وإن كانوا لا يعلمون بمصيرهم، مما يمنحهم مكانة فريدة في التقليد المسيحي كـ "الأبرياء" الذين سفكت دماؤهم بسبب ميلاد المخلص.
عادة ما يُقام هذا العيد المقدس في تواريخ متقاربة ولكن متباينة بين التقويمين الكنسيين؛ ففي الكنائس الغربية، بما في ذلك الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والبروتستانتية، يُحتفل به في 28 ديسمبر، أي بعد أيام قليلة من عيد الميلاد المجيد، مما يربط بشكل رمزي بين فرحة الميلاد ومعاناة التضحية. بينما تحتفل الكنائس الشرقية، مثل الكنائس الأرثوذكسية والشرقية القديمة، به في 29 ديسمبر، ويعكس هذا الاختلاف البسيط تنوع التقاويم الليتورجية والتقاليد المتبعة عبر العصور، مع الحفاظ على جوهر الذكرى نفسها.
تطور الاحتفال وتاريخه
قبل القرن الخامس الميلادي، لم تكن ذكرى الشهداء الأبرياء تُحتفل بها كعيد منفصل بذاته؛ بل كانت تندمج وتُحيى بالتوافق مع "عيد الظهور الإلهي" (Epiphany)، الذي يُصادف عادة في 6 يناير. كان عيد الظهور الإلهي يركز على تجليات المسيح للعالم، بما في ذلك زيارة المجوس، والتي كانت السبب المباشر لخوف هيرودوس ومحاولته قتل يسوع. إلا أنه مع تطور الليتورجيا المسيحية وتعمق الوعي اللاهوتي بأهمية هذه الشهادة الفريدة، انفصل هذا اليوم ليصبح مهرجانًا مستقلاً يُركز بشكل خاص على تضحية هؤلاء الأطفال الأبرياء.
طقوس الحزن والصيام
لم تكن هذه المناسبة مجرد ذكرى عابرة، بل كانت تحمل طابعًا عميقًا من الحزن والتأمل. في روما القديمة، كان هذا الحدث يُعتبر يوم رثاء وصيام، حيث كان المؤمنون يعبرون عن حزنهم على الأرواح البريئة التي أُزهقت بلا ذنب. هذا التقليد يعكس الطبيعة المأساوية للحدث ويُبرز تقدير الكنيسة لتضحية هؤلاء الأطفال، وبعض الكنائس لا تزال تحافظ على هذا الطابع الجنائزي أو التقي في احتفالاتها، مع استخدام الألوان الليتورجية التي تعبر عن الحداد أو الشهادة، مثل اللون الأرجواني أو الأحمر. هذه الممارسات تُذكّر المؤمنين بالثمن الباهظ الذي دُفع منذ البدايات الأولى لميلاد المسيح.
الأسئلة الشائعة حول عيد الشهداء الأبرياء
- من هم "الشهداء الأبرياء"؟
- هم الأطفال الذكور الصغار الذين أمر الملك هيرودوس بقتلهم في بيت لحم والمناطق المحيطة بها، بعد أن علم من المجوس بميلاد "ملك اليهود" الجديد، ظنًا منه أن ذلك سيقضي على تهديد محتمل لعرشه. تُعد هذه الحادثة وفقًا للتقليد المسيحي، أول شهادة في سبيل المسيح، لذلك يُطلق عليهم "الشهداء الأبرياء".
- لماذا يُحتفل بهم كـ "أول شهداء"؟
- على الرغم من أنهم لم يختاروا الاستشهاد بأنفسهم ولم يفهموا سبب موتهم، إلا أنهم ماتوا نتيجة مباشرة لميلاد المسيح ومحاولة هيرودوس القضاء عليه. تُفسر الكنيسة موتهم كعمل إلهي قُدّر لهم ليكونوا باكورة الشهداء الذين دفعوا الثمن الأقصى بسبب المسيح.
- ما هو مصدر قصة مذبحة الأبرياء؟
- المصدر الرئيسي لهذه القصة هو إنجيل متى، الأصحاح الثاني، الآيات من 16 إلى 18. بينما لا يوجد تأكيد مستقل لهذه الحادثة في المصادر التاريخية غير الدينية من تلك الفترة، إلا أن أهميتها اللاهوتية والروحية راسخة في التقليد المسيحي.
- ما الفرق بين تاريخ الاحتفال في الكنائس الغربية والشرقية؟
- تحتفل الكنائس الغربية (مثل الكاثوليكية والبروتستانتية) بعيد الشهداء الأبرياء في 28 ديسمبر. بينما تحتفل الكنائس الشرقية (مثل الأرثوذكسية) به في 29 ديسمبر. يعود هذا الاختلاف إلى الفروقات في التقاويم الليتورجية والتقاليد الكنسية المتبعة عبر التاريخ.
- ما هي الألوان الليتورجية المرتبطة بهذا العيد؟
- في بعض التقاليد، يُستخدم اللون الأحمر للدلالة على الشهادة والدماء المسفوكة، بينما في تقاليد أخرى قد يُستخدم اللون الأرجواني أو البنفسجي الذي يرمز إلى التوبة والحزن، خاصة في الطقوس التي تركز على الجانب المأساوي والحداد على هؤلاء الأبرياء.