يُعدّ خميس الأسرار، المعروف أيضًا بخميس العهد أو خميس الغسل (Maundy Thursday)، يومًا محوريًا ومقدسًا في التقويم المسيحي، إذ يوافق يوم الخميس الذي يسبق مباشرة عيد الفصح المجيد. هذا اليوم الغني بالمعاني الروحية والطقوس التاريخية، يخلّد ذكرى أحداث بالغة الأهمية في حياة يسوع المسيح، والتي تشكّل جوهر الإيمان المسيحي وعموده الفقري.
في قلب احتفالات هذا اليوم يكمن "العشاء الأخير" الذي جمعه المسيح بتلاميذه الاثني عشر، كما هو موثق بتفصيل في الأناجيل الكنسية. لم يكن هذا العشاء مجرد وداع، بل هو اللحظة التي أسس فيها سر القربان المقدس (الإفخارستيا)، حيث أعطى جسده ودمه خبزًا وخمرًا كرمز لعهد جديد بين الله والبشرية. إلى جانب ذلك، شهد هذا اليوم تواضعًا إلهيًا عندما قام المسيح شخصيًا بغسل أقدام تلاميذه، في بادرة تعليمية عظيمة تجسد المحبة المتواضعة والخدمة المتبادلة. من هنا، تأتي تسمية "خميس الغسل"، كما يُشتق اسم "Maundy" في اللغة الإنجليزية من الكلمة اللاتينية "mandatum" التي تعني "وصية"، في إشارة إلى وصية يسوع الجديدة لتلاميذه: "أُوصِيكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (يوحنا 13: 34)، التي أعطاها لهم بعد غسله أقدامهم.
يمثل خميس الأسرار اليوم الخامس من الأسبوع المقدس، والذي يبدأ بأحد الشعانين ويمر بالأربعاء المقدس (يوم تآمر يهوذا الإسخريوطي لخيانة المسيح)، ليفتتح بدوره "ثلاثية الفصح" المقدسة (Triduum)، وهي فترة مكثفة تبدأ بمساء خميس العهد، وتستمر عبر الجمعة العظيمة (يوم الصلب) والسبت المقدس (يوم دفن المسيح)، لتتوج بفجر عيد الفصح المجيد (يوم القيامة). تُعد هذه الأيام الثلاثة احتفالاً واحدًا متواصلاً بآلام يسوع وموته وقيامته، لا ينفصل بعضها عن بعض.
توقيت الاحتفال وتنوع التقاويم
يختلف توقيت الاحتفال بخميس الأسرار وعيد الفصح تبعًا للتقويم الكنسي المتبع، مما يعكس التنوع الغني ضمن الطوائف المسيحية:
- الكنائس الشرقية (مثل الكنيسة الأرثوذكسية والشرقية القديمة): تعتمد بشكل عام التقويم اليولياني لتحديد مواعيد الأعياد المتحركة. ولهذا السبب، يقع عيد الفصح الشرقي، وبالتالي خميس العهد، غالبًا في وقت متأخر عن نظيره الغربي. في القرن الحادي والعشرين، يمكن أن يوافق عيد الفصح الشرقي بين 1 أبريل و5 مايو حسب التقويم الغريغوري الأكثر شيوعًا.
- الكنائس الغربية (مثل الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية): تتبع التقويم الغريغوري. وبموجب هذا التقويم، يقع خميس الأسرار دائمًا بين 19 مارس و22 أبريل.
هذه الفروقات التاريخية تعكس أساليب مختلفة لحساب التاريخ بناءً على دورات القمر والشمس، وتؤدي إلى اختلاف واضح في مواعيد الاحتفال بين الشرق والغرب، على الرغم من وحدة المناسبة الروحية.
الطقوس والاحتفالات في خميس العهد
تتسم احتفالات خميس العهد بطابع مهيب وعميق، تبدأ عادةً في المساء، تماشيًا مع التقليد اليهودي الذي يعتبر بدء اليوم من غروب الشمس. ومن أبرز الطقوس التي تُقام في هذا اليوم:
- قداس العشاء الرباني (الإفخارستيا): يركز هذا القداس على تذكير المؤمنين بتأسيس سر القربان المقدس، حيث يُقدم الخبز والخمر كرمز لجسد المسيح ودمه. إنه احتفال بتأسيس سر الكهنوت أيضًا، حيث أوصى المسيح تلاميذه "اصنعوا هذا لذكري".
- طقس غسل الأقدام: يُعد هذا الطقس من أبرز سمات خميس العهد في العديد من الكنائس، حيث يقوم الكاهن أو الأسقف بغسل أقدام عدد من المشاركين، محاكيًا بذلك تواضع المسيح. هذا الطقس ليس مجرد تمثيل، بل دعوة عملية للمؤمنين لخدمة الآخرين بتواضع ومحبة.
- تجريد المذبح: بعد انتهاء القداس، تُزال جميع الزينة والأغطية من المذبح، وتُجرد الكنيسة من أي مظاهر احتفالية، في إشارة رمزية إلى سلب المسيح من ثيابه وإعداده لآلامه وموته في اليوم التالي. يعكس هذا الطقس أيضًا الشعور بالحزن والحداد الذي يسبق فرحة القيامة.
- نقل القربان المقدس والمراقبة: يُنقل القربان المقدس من المذبح الرئيسي إلى مذبح جانبي أو مكان خاص في الكنيسة، يُعرف غالبًا بمذبح "الراحة" أو "القبر". يبقى المؤمنون يتعبدون ويسهرون في الصلاة أمام القربان طوال الليل، تذكارًا لسهر المسيح في بستان جثسيماني قبل اعتقاله، ودعوته لتلاميذه أن يسهروا معه.
تُعد هذه الطقوس دعوة عميقة للمؤمنين للتأمل في محبة المسيح وتضحيته، وللعيش بمبادئ الخدمة والتواضع التي جسدها.
- الأسئلة الشائعة حول خميس الأسرار
- ما هو الاختلاف بين خميس الأسرار و"خميس الغسل"؟
هما اسمان لنفس اليوم المقدس. "خميس الأسرار" يشير إلى الأسرار التي تأسست فيه (القربان المقدس والكهنوت)، بينما "خميس الغسل" يشير إلى حادثة غسل المسيح لأقدام تلاميذه.
- لماذا يُحتفل بالعشاء الأخير في المساء؟
يُحتفل به في المساء تماشيًا مع التقليد اليهودي الذي يعتبر أن اليوم الجديد يبدأ مع غروب الشمس. العشاء الأخير نفسه كان عشاء فصح تقليدي (وفقًا للأناجيل الإزائية)، وعشاء الفصح اليهودي يُقام في المساء.
- ما هي "ثلاثية الفصح"؟
ثلاثية الفصح (Easter Triduum) هي فترة ثلاثية متصلة من الاحتفالات الليتورجية التي تبدأ مساء خميس الأسرار، وتستمر عبر الجمعة العظيمة والسبت المقدس، وتُختتم عند غروب شمس يوم عيد الفصح. لا تُعتبر هذه الأيام ثلاثة أعياد منفصلة، بل هي احتفال واحد طويل ومترابط بآلام المسيح وموته وقيامته.
هما اسمان لنفس اليوم المقدس. "خميس الأسرار" يشير إلى الأسرار التي تأسست فيه (القربان المقدس والكهنوت)، بينما "خميس الغسل" يشير إلى حادثة غسل المسيح لأقدام تلاميذه.
يُحتفل به في المساء تماشيًا مع التقليد اليهودي الذي يعتبر أن اليوم الجديد يبدأ مع غروب الشمس. العشاء الأخير نفسه كان عشاء فصح تقليدي (وفقًا للأناجيل الإزائية)، وعشاء الفصح اليهودي يُقام في المساء.
ثلاثية الفصح (Easter Triduum) هي فترة ثلاثية متصلة من الاحتفالات الليتورجية التي تبدأ مساء خميس الأسرار، وتستمر عبر الجمعة العظيمة والسبت المقدس، وتُختتم عند غروب شمس يوم عيد الفصح. لا تُعتبر هذه الأيام ثلاثة أعياد منفصلة، بل هي احتفال واحد طويل ومترابط بآلام المسيح وموته وقيامته.