في الثالث من أكتوبر من كل عام، تتجه أنظار ألمانيا نحو "يوم الوحدة الألمانية" (Tag der Deutschen Einheit)، وهو اليوم الوطني الرسمي للبلاد. لا يمثل هذا التاريخ مجرد عطلة عامة، بل هو تجسيد حي لحدث تاريخي بالغ الأهمية: الإكمال الرسمي لإعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، وهو إنجاز يمثل ذروة عقود من الانقسام وتطلعات طويلة الأمد للوحدة.
إعادة توحيد ألمانيا عام 1990: نهاية حقبة الانقسام
كانت إعادة توحيد ألمانيا في 3 أكتوبر 1990 تتويجًا لسلسلة من الأحداث الدرامية التي بدأت بتغيرات سياسية عميقة في الكتلة الشرقية أواخر الثمانينيات. بعد ما يقرب من 45 عامًا من الانقسام المرير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث وجدت ألمانيا نفسها مقسمة إلى دولتين منفصلتين تمامًا: جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية)، وجمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) التي كانت تحت النفوذ السوفيتي. كان سقوط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989 بمثابة الشرارة التي أشعلت عملية إعادة التوحيد، حيث فتح الحدود بين الشرق والغرب وألهب آمال الملايين في كلا الجانبين. لم تكن عملية التوحيد فورية، بل تضمنت مفاوضات مكثفة شملت القوى الأربع المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، المملكة المتحدة، وفرنسا) بالإضافة إلى الحكومتين الألمانيتين، والتي أدت في النهاية إلى "معاهدة التسوية النهائية فيما يتعلق بألمانيا"، المعروفة أيضًا بمعاهدة "اثنين زائد أربعة" (Two Plus Four Treaty)، التي منحت ألمانيا الموحدة سيادتها الكاملة.
في هذا اليوم، انضمت الولايات الفيدرالية الخمس التي أُعيد تشكيلها في ألمانيا الشرقية (براندنبورغ، مكلنبورغ-فوربومرن، ساكسونيا، ساكسونيا-أنهالت، وتورينغن)، بالإضافة إلى برلين الموحدة، رسميًا إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية. هذا الدمج لم يكن مجرد تعديل إداري، بل كان إعادة تشكيل جذرية للمشهد السياسي والجغرافي لأوروبا، وإزالة للرمز الأكثر وضوحًا للحرب الباردة.
جذور فكرة الوحدة: من القرن التاسع عشر إلى 1990
إن فكرة ألمانيا الموحدة، على الرغم من تحققها في عام 1990، لها جذور عميقة تمتد إلى منتصف القرن التاسع عشر. قبل عام 1871، كانت ألمانيا عبارة عن مجموعة من الولايات والإمارات المستقلة والمتنافسة ضمن الاتحاد الألماني، بعد تفكك الإمبراطورية الرومانية المقدسة. تعززت الرغبة في توحيد هذه الولايات في دولة قومية واحدة بعد الحروب النابليونية، مدفوعة بتيارات القومية الرومانسية والليبرالية التي اجتاحت أوروبا. أدت هذه التطلعات إلى:
- ثورات 1848: حيث سعت القوى الليبرالية إلى إنشاء دولة ألمانية موحدة وديمقراطية، على الرغم من فشل هذه المحاولات في تحقيق هدفها المباشر.
- دور بسمارك: بلغت هذه الفكرة ذروتها بتحقيق الوحدة الألمانية الأولى في عام 1871، تحت قيادة المستشار البروسي أوتو فون بسمارك، الذي وحّد الولايات الألمانية تحت الإمبراطورية الألمانية بعد ثلاث حروب ناجحة (ضد الدنمارك، النمسا، وفرنسا). هذا التوحيد الأول هو ما يجعله توحيد عام 1990 "إعادة توحيد" - استعادة لوحدة كانت موجودة تاريخيًا قبل أن يتم تمزيقها بالانقسام بعد الحرب العالمية الثانية.
لذلك، فإن يوم الوحدة الألمانية في الثالث من أكتوبر لا يحتفل فقط بنهاية الانقسام ما بعد الحرب الباردة، بل يعكس أيضًا استمرار تطلعات شعبية تاريخية لوجود أمة ألمانية موحدة.
أسئلة شائعة حول يوم الوحدة الألمانية
- ما الفرق بين "يوم الوحدة الألمانية" واليوم الوطني في دول أخرى؟
- بينما تحتفل العديد من الدول بيومها الوطني بمسيرات عسكرية واحتفالات صاخبة، يتسم "يوم الوحدة الألمانية" بطابع أكثر تأملاً وتذكيرًا. تُقام فعاليات متنوعة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الاحتفالات الرسمية وخدمات الكنائس والحفلات الموسيقية، مع التركيز على أهمية الوحدة والديمقراطية والسلام.
- هل كان هناك خيار آخر ليوم الوحدة الألمانية؟
- نعم، في الأصل، كان هناك اقتراح بأن يكون التاسع من نوفمبر هو اليوم الوطني، لأنه يوافق تاريخ سقوط جدار برلين عام 1989، وتاريخ الثورة الألمانية عام 1918، وتاريخ ثورة نوفمبر 1989. ومع ذلك، تم رفض هذا التاريخ بسبب ارتباطه أيضًا بـ "ليلة الكريستال" (Kristallnacht) في عام 1938، وهي أحداث عنف واسعة النطاق ضد اليهود في ألمانيا، وبالتالي تم اختيار الثالث من أكتوبر كونه يمثل الإنجاز الإيجابي للوحدة.
- ما هو الدور الذي لعبته معاهدة "اثنين زائد أربعة" في إعادة التوحيد؟
- معاهدة "اثنين زائد أربعة" كانت حاسمة. وقعت في موسكو في 12 سبتمبر 1990 بين جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية من جهة، والقوى الأربع المحتلة السابقة (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، المملكة المتحدة، وفرنسا) من جهة أخرى. لقد أنهت هذه المعاهدة حقوق الحلفاء في ألمانيا، ومنحت ألمانيا الموحدة سيادتها الكاملة، ومهدت الطريق للتوحيد الرسمي في 3 أكتوبر.