"كارتيك بورنيما"، الاسم الذي يحمل في طياته دلالة عميقة تعني حرفياً "بدر شهر كارتيك"، هو مناسبة ثقافية ودينية بالغة الأهمية يحتفي بها بفرح وخشوع مجتمعات متعددة في شبه القارة الهندية وما وراءها. إنه احتفال يضرب بجذوره عميقاً في التراث، ويُحيه بفخر الهندوس والجين والسيخ، كلٌ بمنظوره الخاص وبطقوسه الفريدة. هذا الاحتفال السنوي، الذي يُشار إليه أحياناً بلقب "مهرجان الأضواء" نظراً للبهجة والإشراق اللذين يميزانه، يتزامن تقليدياً مع ليلة اكتمال القمر (البدر) في اليوم الخامس عشر من شهر "كارتيك" في التقويم القمري الهندوسي. هذا التاريخ عادةً ما يقع خلال شهري نوفمبر وديسمبر من التقويم الميلادي الغريغوري، مما يجعله ختاماً لعدد من الاحتفالات الخريفية الكبرى.
احتفالات الهندوس: تريبوري بورنيما وديف ديباوالي
بالنسبة للهندوس، يُعرف "كارتيك بورنيما" بعدة أسماء ذات دلالات عميقة، أبرزها "تريبوري بورنيما" (Tripuri Purnima) و"ديف ديباوالي" (Dev Deepawali)، أي "ديوالي الآلهة". يُعتقد أن هذا اليوم يشهد انتصار الإله شيفا على الشياطين الثلاثة المعروفين باسم "تريبوراسورا"، الذين بنوا ثلاث مدن لا تُقهر في السماء. وقد تمكن شيفا، في شكل "تريبورانتك"، من تدمير هذه المدن باستخدام سهم واحد، مما يرمز إلى انتصار الخير المطلق على قوى الشر والغطرسة. كما يُعتبر هذا اليوم مهماً جداً للإله فيشنو؛ ففي هذا اليوم، يُقال إنه عاد إلى عالمه بعد هزيمة الشيطان البحري "سانخاشورا" في شكل "ماتسيا" (السمكة)، وهو أول تجسد من تجسداته العشرة المعروفة بـ "داشافاتارا". وللاحتفال بهذه الأحداث الميمونة، يؤدي الهندوس طقوساً مختلفة تشمل الاستحمام المقدس في الأنهار المقدسة، لاسيما نهر الغانج الخالد، في فجر اليوم، اعتقاداً منهم بأن هذا يطهر الروح من الذنوب. كما تُزين المنازل والمتاجر بالدييا (مصابيح الزيت التقليدية) والفوانيس المضيئة، وتُقدم الصلوات الحارة في المعابد، وتُطلق القوارب الصغيرة المزينة والمضيئة التي تحمل المصابيح الزيتية في الأنهار والبحيرات، في مشهد ساحر يغمر الحواس ويعكس الإيمان والخشوع العميقين.
أهمية كارتيك بورنيما لدى الجين
تكتسب "كارتيك بورنيما" مكانة خاصة في الديانة الجينية أيضاً، حيث يُعرف أحياناً باسم "تيرثانكارا بورنيما" أو "جين بورنيما". إنه اليوم الذي أكمل فيه اللورد مهافيرا، وهو الرابع والعشرون والأخير من التيرثانكارا (المعلمين الروحيين) في الجينية، فترة "شاتورماس" (Chaturmas)، وهي فترة الصوم والتقشف التي تستمر أربعة أشهر وتُعتبر مقدسة للغاية. يُعد هذا اليوم مناسبة مقدسة للحجاج الجين الذين يتوجهون إلى تلال شاترونجايا (Shatrunjaya Hills) في باليتانا بولاية غوجارات، وهو أحد أقدس مواقع الحج في الجينية، حيث يضم عدداً لا يُحصى من المعابد المنحوتة بإتقان. يُعتقد أن اللورد أديناثا، أول تيرثانكارا، وصل إلى التنوير على هذه التلال. يقطع الآلاف من المصلين الرحلة الشاقة صعوداً إلى القمة لأداء العبادات، مظهرين بذلك التزامهم العميق بمبادئ الجينية والتفاني في طريق الخلاص.
جورو ناناك جايانتي: احتفال السيخ
بالنسبة لأتباع الديانة السيخية، فإن "كارتيك بورنيما" يحمل مغزىً دينياً عظيماً بشكل مستقل ومتميز، حيث يوافق هذا اليوم الذكرى السنوية لميلاد مؤسس إيمانهم، جورو ناناك ديف جي (Guru Nanak Dev Ji)، الذي يُحتفى به كمعلم روحي عظيم. يُعرف هذا الاحتفال باسم "جورو ناناك جايانتي" (Guru Nanak Jayanti) أو "جورو بوراب" (Guru Purab)، ويُعد أحد أهم المهرجانات في التقويم السيخي. تبدأ الاحتفالات عادةً قبل يومين من التاريخ الفعلي، حيث تُقام "أكاند باث" (Akhand Path)، وهي قراءة متواصلة ومقدسة للـ"غورو غرانث صاحب" (Guru Granth Sahib)، الكتاب المقدس للسيخ، في الغوردوارا (المعابد السيخية). في يوم "جورو بوراب" نفسه، تُنظم مواكب تُعرف باسم "ناغار كيرتان" (Nagar Kirtan) في الشوارع، حيث يُحمل الكتاب المقدس على عربة مزينة بعناية بينما ينشد المصلون الترانيم الدينية ويرفعون الأعلام، ناشرين رسالة السلام والمحبة. تُقدم أيضاً وجبات مجانية مشتركة تُعرف باسم "لانغار" (Langar) للجميع، بغض النظر عن الدين أو الطبقة الاجتماعية، تجسيداً لمبدأ المساواة والخدمة المجتمعية التي دعا إليها جورو ناناك.
"مهرجان الأضواء" الساحر في كارتيك بورنيما
ليس من المستغرب أن يُطلق على "كارتيك بورنيما" لقب "مهرجان الأضواء"، خصوصاً في مدن مثل فاراناسي التاريخية، حيث يُقام "ديف ديباوالي" ببهجة استثنائية وعرض مذهل للأضواء. تُضاء مئات الآلاف من مصابيح الدييا التقليدية على درجات الغاتات الحجرية المطلة على نهر الغانج المقدس، مما يخلق مشهداً بصرياً أخاذاً وكأن النجوم قد سقطت على سطح الماء الداكن، لتتراقص أضواؤها مع انعكاسات القمر البدر. هذا الاحتفال ليس مجرد عرض للأضواء، بل هو تعبير عن التقدير للإلهة الغانج نفسها، التي يُعتقد أنها تنزل إلى الأرض في هذا اليوم المبارك، حاملة معها البركات والتطهير. بالإضافة إلى الأضواء، يُمارس العديد من الناس "كارتيك سنان" (Kartik Snan)، وهو الاستحمام في الأنهار المقدسة قبل شروق الشمس، اعتقاداً منهم بأن هذا الفعل الروحي يطهر الروح، ويزيل الذنوب المتراكمة، ويمنح البركات الإلهية. كما تُعد الصدقات والأعمال الخيرية جزءاً لا يتجزأ من الاحتفالات، حيث يتبادل الناس الهدايا ويقدمون الطعام والملابس للمحتاجين، مجسدين قيم العطاء والمشاركة المجتمعية التي هي جوهر هذه المناسبة.
أسئلة متكررة حول كارتيك بورنيما
- ما هو كارتيك بورنيما؟
- كارتيك بورنيما هو مهرجان ثقافي وديني يُحتفل به في ليلة اكتمال القمر (البدر) لشهر كارتيك في التقويم الهندوسي القمري، ويصادف عادةً شهري نوفمبر وديسمبر ميلادياً. يحييه الهندوس والجين والسيخ، ويُعرف أيضاً باسم "مهرجان الأضواء" نظراً لطقوس الإضاءة الواسعة النطاق التي تُقام خلاله.
- لماذا يُسمى كارتيك بورنيما بمهرجان الأضواء؟
- يُشار إليه بمهرجان الأضواء، أو "ديف ديباوالي" (ديوالي الآلهة)، بسبب الاحتفالات البهيجة التي تتضمن إضاءة مئات الآلاف من مصابيح الدييا والفوانيس، خاصةً على ضفاف الأنهار المقدسة مثل الغانج في فاراناسي. هذا الإضاءة ترمز إلى انتصار الخير على الشر وعودة الآلهة والاحتفال بالوفرة والتنوير الروحي.
- كيف يختلف احتفال كارتيك بورنيما بين الأديان؟
- يحتفل الهندوس به كتريبوري بورنيما أو ديف ديباوالي تكريماً لانتصار الإله شيفا على الشياطين وتجسد الإله فيشنو. أما الجين فيعتبرونه يوماً مقدساً للحج إلى تلال شاترونجايا في باليتانا، بينما يحتفل السيخ به كيوم ميلاد مؤسسهم جورو ناناك ديف جي، ويُعرف باسم جورو ناناك جايانتي، ويُقام خلاله مواكب "ناغار كيرتان" وقراءة الكتب المقدسة.
- ما هي الطقوس الرئيسية التي تُمارس خلال كارتيك بورنيما؟
- تشمل الطقوس الرئيسية الاستحمام المقدس في الأنهار المقدسة (كارتيك سنان) لتطهير الروح، إضاءة مصابيح الدييا والفوانيس لتزيين المنازل والمعابد، إطلاق القوارب المضيئة، تقديم الصلوات في المعابد، وتقديم الصدقات والطعام للمحتاجين. يحتفل السيخ بـ "ناغار كيرتان" (مواكب) وقراءة الكتب المقدسة وتقديم وجبات "لانغار" المجانية للجميع.