يُعد "سافيتري براتا" (Savitri Brata) أحد أروع وأعمق المهرجانات التي تحتفل بها النساء الهندوسيات المتزوجات في ولاية أوديشا بشرق الهند. هذا الاحتفال ليس مجرد طقس سنوي، بل هو تعبير قوي عن الحب والتفاني والإخلاص اللامحدود الذي تكنه الزوجة لزوجها، مستلهمة بذلك أسطورة خالدة عن القوة الأنثوية والإيمان الراسخ.
في هذا اليوم المقدس، والذي يُصادف عادةً يوم اكتمال القمر الجديد (أمواسيا) في شهر جيشتا حسب التقويم الهندوسي، تغمر النساء المتزوجات أنفسهن في حالة من الإخلاص العميق والخشوع. يلتزمن بالصيام الصارم منذ الفجر، امتثالًا لتراث يمتد لقرون، ويُكرِّسن جهودهن للصلاة والدعاء من أجل أن ينعم أزواجهن بحياة مديدة ومزدهرة، يملؤها الرخاء والصحة الجيدة والسعادة الغامرة. إنها ليست مجرد أمنية عابرة، بل هي ابتهالات صادقة تنبع من صميم القلب، تُقدم لضمان رفاهية الشريك وطول عمره.
أصل المهرجان: أسطورة الأميرة سافيتري
يستمد مهرجان "سافيتري براتا" اسمه وجوهره من القصة الأسطورية للأميرة سافيتري، وهي شخصية محورية في الملاحم الهندوسية، تحديدًا من قصة "سافيتري وساتيافان" المذكورة في ملحمة مهابهاراتا الشهيرة. تجسد سافيتري رمزًا للإخلاص الزوجي والتصميم الذي لا يلين. تُروى القصة بأنها تزوجت من الأمير ساتيافان، الذي كان مقدرًا له أن يموت بعد عام واحد فقط، حسب نبوءة إلهية.
على الرغم من معرفتها بمصير زوجها المحتوم، لم تيأس سافيتري. ففي اليوم الذي حان فيه أجل ساتيافان، تبعت سافيتري إله الموت "ياما" نفسه عندما جاء ليأخذ روح زوجها. وبحكمة لا تُضاهى، وإخلاص شديد، وحجج منطقية عميقة، تمكنت سافيتري من إقناع "ياما" بإعادة روح ساتيافان إلى جسده. لقد أذهلت "ياما" بتفانيها وقوة عقلها وصدق مشاعرها، فباركها وأعاد لها زوجها إلى الحياة، ومنحه عمرًا طويلًا ومزدهرًا.
تُعد هذه القصة مصدر إلهام للملايين، حيث تُعلم النساء قيمة التفاني والشجاعة والقدرة على التغلب على التحديات بالإيمان والعزيمة. إن الاحتفال بسافيتري براتا هو طريقة لإعادة إحياء روح سافيتري داخل كل امرأة متزوجة، وتأكيد على قوة الروابط الزوجية.
طقوس الاحتفال وممارساته
تُمارس النساء الهندوسيات في أوديشا، وبعض المناطق الأخرى، طقوسًا معينة خلال هذا المهرجان، التي ترمز إلى التزام الزوجة برفاهية زوجها. تتضمن هذه الطقوس عادةً ما يلي:
- الصيام الكامل: تمتنع النساء عن تناول الطعام والماء طوال اليوم، وهو شكل من أشكال التضحية والتطهير الروحي، ويُعتقد أن هذا الصيام يُعزز قوة الصلوات.
- العبادة في المعابد أو المنازل: تتجمع النساء في المعابد أو يقمن بالطقوس في منازلهن، حيث يُقدمن الصلوات والتراتيل للآلهة، خاصةً الإلهة سافيتري، إلى جانب براهما، وفيشنو، وماهيشوار (الذين يمثلون الثالوث الهندوسي).
- القرابين والزيوت: تُقدّم قرابين متنوعة تُعرف باسم "بوجا" (Puja)، وتشمل الفواكه الطازجة، والزهور، والأوراق المقدسة، ومختلف أنواع الحلويات التقليدية التي تُعد خصيصًا لهذه المناسبة. كما تُعد بعض الأطباق الخاصة من سبعة أنواع من الحبوب والبقول.
- الصلوات تحت شجرة البانيان: لشجرة البانيان (شجرة التين البنغالي) مكانة خاصة في هذا المهرجان. فوفقًا للأسطورة، استعادت سافيتري زوجها ساتيافان تحت هذه الشجرة. لذا، تلتف النساء حول جذوع أشجار البانيان، ويربطن الخيوط الملونة حولها، ويرشون الماء، ويقدمن الصلوات طلبًا لطول عمر أزواجهن. تُعد هذه الشجرة رمزًا للخلود والقوة.
- ارتداء الملابس التقليدية: تتزين النساء بأجمل الساري التقليدي الجديد، وغالبًا ما يكون باللون الأحمر أو البرتقالي، ويرتدين المجوهرات التقليدية، ويُطبقن "السيندور" (مسحوق أحمر اللون) على فروة الرأس، و"المهاندي" (نقوش الحناء) على الأيدي، و"البندي" (نقطة حمراء) على الجبين، تعبيرًا عن حالتهن الزوجية الميمونة.
الأهمية الثقافية والاجتماعية
لا يقتصر مهرجان سافيتري براتا على كونه احتفالًا دينيًا فحسب، بل هو أيضًا مناسبة اجتماعية وثقافية غنية. إنه يُعزز قيم الأسرة والتفاني والتضحية، ويُجدد الروابط الزوجية. ويُعد هذا اليوم فرصة للنساء للتجمع وتبادل القصص والصلوات، مما يُعزز شعورهن بالمجتمع والتضامن. يُلهم هذا المهرجان الأجيال الشابة للاعتزاز بالتقاليد الثقافية الغنية للهند، ويُذكرهم بقوة الحب والإيمان التي يمكن أن تتجاوز حتى الموت.
الأسئلة الشائعة حول مهرجان سافيتري براتا
- ما هو مهرجان سافيتري براتا؟
- إنه مهرجان هندوسي مهم تحتفل به النساء المتزوجات في ولاية أوديشا بالهند، وبعض المناطق الأخرى، بهدف الصلاة من أجل طول عمر وصحة ورخاء أزواجهن.
- متى يُحتفل بسافيتري براتا؟
- يُقام المهرجان عادةً في يوم اكتمال القمر الجديد (أمواسيا) من شهر جيشتا (Jyeshtha Amavasya) حسب التقويم الهندوسي، والذي يقع عادةً في أواخر شهر مايو أو أوائل يونيو بالتقويم الغريغوري.
- ما هي أسطورة سافيتري وساتيافان؟
- هي قصة من ملحمة مهابهاراتا تحكي عن الأميرة سافيتري التي أظهرت إخلاصًا وتصميمًا لا مثيل لهما، حيث تمكنت بحكمتها وإخلاصها من استعادة روح زوجها ساتيافان من إله الموت ياما، مانحة إياه حياة أطول.
- ما هي الطقوس الرئيسية التي تُمارس في هذا المهرجان؟
- تشمل الطقوس الصيام الكامل، والصلاة وتقديم القرابين في المعابد أو المنازل، وعبادة شجرة البانيان المقدسة التي ترمز للخلود، وارتداء الملابس التقليدية والمجوهرات.
- لماذا تُعد شجرة البانيان مهمة في سافيتري براتا؟
- لأن الأسطورة تقول إن الأميرة سافيتري استعادت زوجها ساتيافان تحت شجرة بانيان، لذا تُعد رمزًا لطول العمر والقوة والخلود، وتُعد محورًا للعديد من الطقوس في هذا اليوم.