يُعد "جورو غرانت صاحب" (Sri Guru Granth Sahib) جوهر الوجود الروحي للسيخية، فهو ليس مجرد كتاب مقدس بل يُوقر بصفته الجورو الحي الأبدي للسيخ. هذا النص المقدس هو تجميع فريد وشامل لتعاليم الجورو السيخ العشرة، ويُعتبر الوصي على المبادئ والمعتقدات الأساسية التي تشكل عمق الفلسفة السيخية وطريق حياتها. إنه مصدر إلهام يومي ودليل روحي لملايين السيخ حول العالم، يوجههم نحو حياة التواضع، الخدمة الذاتية، والمساواة.

جوهر التعاليم والمحتوى الروحي

يتجاوز محتوى "جورو غرانت صاحب" كونه مجموعة من النصوص والترانيم والصلوات؛ إنه موسوعة شعرية وموسيقية غنية تُعرف باسم "الغورباني" (Gurbani)، أي "كلمة الجورو". ما يميز هذا الكتاب المقدس حقًا هو شموليته وتعدديته، حيث لا يضم فقط ترانيم الجورو السيخ، بل يشتمل أيضًا على أعمال شعرية وفلسفية لشخصيات مقدسة من خلفيات دينية مختلفة، بما في ذلك قديسون هندوس (Bhagats) مثل كابير وراماناند ونامديف، وصوفيون مسلمون مثل الشيخ فريد. هذا التنوع يعكس جوهر الفلسفة السيخية التي تؤكد على وحدة البشرية واحترام جميع المعتقدات، وتركز على عبادة إله واحد يتجاوز جميع الأديان والأعراق، مع التأكيد على أهمية الحياة الأخلاقية، العمل الجاد، مشاركة الثروة، والخدمة غير الأنانية للمجتمع.

رحلة التكوين: من "آدي غرانت" إلى "جورو غرانت صاحب"

بدأت رحلة هذا النص المقدس في التبلور تحت اسم "آدي غرانت" (Adi Granth)، والذي يعني "الكتاب الأول" أو "الكتاب الأصلي". وقد كانت جهود تجميعه وتنقيحه الأولية ثمرة عمل دؤوب وشاق قام به الجورو الخامس، "جورو أرجان ديف" (Guru Arjan Dev)، في عام 1604 ميلادي. لقد كرس الجورو أرجان حياته لجمع وحفظ التعاليم المقدسة، متنقلاً بين المخطوطات المختلفة لضمان الدقة والأصالة. كان الهدف من هذا التجميع هو توفير مصدر موحد ونهائي للتعاليم السيخية، وحماية النصوص من أي تحريف أو تشويه محتمل.

أما التجميع الثاني والنهائي للنص المقدس، والذي أدى إلى شكله الحالي كـ"سري جورو غرانت صاحب"، فقد تم على يد الجورو العاشر والأخير في السلسلة البشرية للجورو، "جورو جوبيند سينغ" (Guru Gobind Singh). في عام 1708 ميلادي، أضاف الجورو جوبيند سينغ ترانيم والده، الجورو تيغ بهادور (Guru Tegh Bahadur)، إلى النص الأصلي. والأهم من ذلك، أنه أعلن أن "جورو غرانت صاحب" سيكون الجورو الأبدي للسيخ، منهياً بذلك سلسلة الجورو البشرية. هذا الإعلان كان لحظة فارقة في تاريخ السيخية، مؤكداً على أن الوحي الإلهي موجود بشكل دائم في الكتاب المقدس، وأن الجورو الحقيقي ليس شخصاً بل هو الكلمة الإلهية ذاتها المتجسدة في النص.

لماذا يُعد "جورو غرانت صاحب" فريدًا؟

أسئلة متكررة حول "جورو غرانت صاحب"

ماذا تعني كلمة "صاحب" في "جورو غرانت صاحب"؟
كلمة "صاحب" هي كلمة عربية الأصل تُستخدم في شبه القارة الهندية للتعبير عن الاحترام العميق والتكريم، وتعني "السيد" أو "الماجستير". إضافتها إلى "جورو غرانت" تؤكد على مكانته المقدسة والجليلة كجورو حي للسيخ.
هل يتم قراءة "جورو غرانت صاحب" بالكامل في المناسبات الخاصة؟
نعم، يتم قراءة النص بأكمله، وهو ما يُعرف بـ"آكاند باث" (Akhand Path)، في مناسبات خاصة ومهمة مثل الزواج، الولادة، الوفاة، أو الاحتفالات الدينية. تستغرق هذه القراءة المستمرة عادةً حوالي 48 ساعة.
هل يحتوي "جورو غرانت صاحب" على أي قصص تاريخية أو سرد؟
بينما يتضمن إشارات إلى سياقات وأحداث، فإن "جورو غرانت صاحب" ليس كتابًا تاريخيًا بالمعنى التقليدي. ينصب تركيزه الأساسي على التعليم الروحي، الفلسفة، والأخلاق، بهدف توجيه الأفراد نحو التنوير والاتصال بالإله.