يُعد التلفزيون الأرضي، المعروف في بعض الأوساط بأنه "البث عبر الهواء" (OTA)، الطريقة الأصلية والأكثر عراقة لإيصال المحتوى المرئي إلى المنازل، ممثلاً حجر الزاوية في تطور الإعلام المرئي. تقوم هذه التقنية على مبدأ بسيط وفعّال: تُرسل إشارات التلفزيون على شكل موجات راديوية من محطات بث أرضية، لتُلتقط بعد ذلك بواسطة هوائي متصل بجهاز التلفزيون الخاص بك. هذا الأسلوب، الذي ما زال يُعرف بمصطلح "أرضي" في مناطق مثل أوروبا وأمريكا اللاتينية، يُشار إليه في كندا والولايات المتحدة عادةً بمصطلح "البث" أو "التلفزيون عبر الهواء".

الهدف الأساسي من استخدام مصطلح "أرضي" هو التمييز الواضح بين هذه الطريقة التقليدية وأساليب البث الحديثة التي ظهرت لاحقًا. فعلى سبيل المثال، يختلف التلفزيون الأرضي عن التلفزيون الفضائي، حيث يتم إرسال الإشارة مباشرة من قمر صناعي يدور في الفضاء إلى جهاز الاستقبال. كما يختلف عن تلفزيون الكابل، الذي يعتمد على نقل الإشارة عبر شبكة من الكابلات الأرضية، وعن تلفزيون بروتوكول الإنترنت (IPTV)، الذي يستقبل الإشارة عبر تدفق الإنترنت أو شبكة تعتمد على بروتوكول الإنترنت.

كيف يعمل التلفزيون الأرضي؟ تفاصيل تقنية مبسطة

تعتمد محطات التلفزيون الأرضية في بثها على قنوات تلفزيونية تعمل ضمن نطاقات ترددية محددة تتراوح عادة بين 52 و 600 ميجاهرتز، وتندرج هذه الترددات تحت نطاقي VHF (التردد العالي جداً) و UHF (التردد فوق العالي). نظرًا لطبيعة موجات الراديو في هذه النطاقات، فإنها تنتقل بشكل أساسي على مبدأ "خط البصر". هذا يعني أن الإشارة تحتاج إلى مسار مباشر وغير معوق بين هوائي الإرسال وهوائي الاستقبال، مما يحد من نطاق الاستقبال الطبيعي ليقتصر عمومًا على الأفق المرئي، والذي يتراوح عادة بين 64 إلى 97 كيلومترًا (40-60 ميلًا).

ومع ذلك، تحت ظروف جوية معينة ومواتية، مثل ظاهرة "القنوات التروبوسفيرية" (Tropospheric ducting)، يمكن للموجات أن تنحني وتنتقل لمسافات أبعد بكثير، مما يسمح أحيانًا بالتقاط إشارات من محطات تبعد مئات الكيلومترات. تُعد هذه الظاهرة من الجوانب المثيرة للاهتمام في فيزياء البث الراديوي وتظهر مدى تأثير الظروف الجوية على جودة واستقرار استقبال البث الأرضي.

رحلة عبر الزمن: تاريخ التلفزيون الأرضي وتطوره

كان التلفزيون الأرضي أول تقنية تُستخدم على الإطلاق في مجال البث التلفزيوني، مما يمنحه مكانة تاريخية بارزة. بدأت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بثها التجريبي الرائد في عام 1929، وبحلول عام 1930، كانت العديد من المحطات الإذاعية قد أدرجت جداول منتظمة لبرامج تلفزيونية تجريبية. ومع ذلك، لم تكن أنظمة البث التجريبية المبكرة هذه، والتي اعتمدت على تقنية المسح الميكانيكي، قادرة على تقديم جودة صورة كافية لجذب جمهور واسع.

لم ينتشر التلفزيون ويحقق شعبيته الحقيقية إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، مع ظهور ثورة تقنية المسح الإلكتروني للتلفزيون. في تلك الحقبة، اتبعت عمليات البث التلفزيوني نموذجًا مشابهًا لشبكات الراديو؛ حيث كانت المحطات التلفزيونية المحلية في المدن والبلدات تابعة لشبكات تلفزيونية كبرى، سواء كانت تجارية في الولايات المتحدة أو خاضعة لسيطرة حكومية في أوروبا، والتي كانت توفر المحتوى البرامجي الرئيسي. استمر البث التلفزيوني بالأبيض والأسود حتى فترة الانتقال إلى التلفزيون الملون في أواخر الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، ولم يكن هناك بديل آخر لإيصال المحتوى التلفزيوني حتى الخمسينيات، عندما بدأت تظهر بدايات تلفزيون الكابل وتلفزيون الهوائي المجتمعي (CATV)، والذي كان في الأصل مجرد إعادة بث لإشارات عبر الهواء.

التلفزيون الأرضي اليوم: منظور عالمي ومتغير

مع التبني الواسع النطاق لخدمات الكابل عبر الولايات المتحدة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، شهدت مشاهدة البث التلفزيوني الأرضي تراجعًا ملحوظًا. ففي عام 2018، أشارت التقديرات إلى أن حوالي 14% فقط من الأسر الأمريكية ما زالت تستخدم الهوائي لاستقبال البث. ومع ذلك، لا تزال هذه التقنية تحتفظ بمكانتها كطريقة مفضلة لاستقبال التلفزيون في العديد من المناطق الأخرى حول العالم.

وفي عام 2020، قدرت شركة ديلويت أن ما لا يقل عن 1.6 مليار شخص في العالم ما زالوا يتلقون جزءًا من محتواهم التلفزيوني على الأقل باستخدام هذه الوسائل، مما يؤكد على استمرارية أهميتها العالمية. يُعتقد أن أكبر سوق للتلفزيون الأرضي هو إندونيسيا، حيث يشاهد 250 مليون شخص التلفزيون من خلال هذه التقنية. ومع ذلك، شهد عالم البث الإعلامي تحولًا كبيرًا بحلول عام 2019، حيث أصبحت خدمة الوسائط الفائقة (OTT) التي تُبث عبر الإنترنت بديلاً شائعًا ومتناميًا، مما يضع التلفزيون الأرضي في سياق مشهد إعلامي أكثر تنوعًا وتنافسية.

الأسئلة الشائعة حول التلفزيون الأرضي

ما هو التلفزيون الأرضي؟

التلفزيون الأرضي هو نوع من البث التلفزيوني يتم فيه إرسال الإشارة عبر موجات الراديو من مرسل أرضي (جهاز إرسال على الأرض) إلى جهاز استقبال تلفزيون مزود بهوائي.

ما الفرق بين التلفزيون الأرضي وأنواع البث الأخرى؟

يختلف عن التلفزيون الفضائي (الذي يستقبل من قمر صناعي)، وتلفزيون الكابل (الذي يستقبل عبر كابل)، وتلفزيون بروتوكول الإنترنت (IPTV) الذي يستقبل عبر الإنترنت. يتميز التلفزيون الأرضي بأنه يعتمد على الإرسال والاستقبال عبر الأثير مباشرة من محطات أرضية.

لماذا يُسمى "أرضيًا" في بعض المناطق و"عبر الهواء" في أخرى؟

مصطلح "أرضي" (Terrestrial) يُستخدم لتمييزه عن البث من الفضاء أو عبر الكابلات. أما "عبر الهواء" (Over-the-Air - OTA) فهو يُبرز حقيقة أن الإشارة تنتقل عبر الهواء بدون وسيط مادي مباشر كالكابل، وهو مصطلح شائع في أمريكا الشمالية.

ما هي القيود الفنية للبث الأرضي؟

بسبب انتقال موجات الراديو بنظام "خط البصر"، فإن استقبال الإشارة يقتصر عادة على الأفق المرئي، بمدى يتراوح بين 64-97 كيلومترًا. العوائق الطبيعية أو المباني الكبيرة يمكن أن تؤثر على جودة الاستقبال.

هل ما زال التلفزيون الأرضي مستخدمًا على نطاق واسع اليوم؟

على الرغم من تراجع شعبيته في بعض الدول مثل الولايات المتحدة، إلا أن التلفزيون الأرضي لا يزال الطريقة المفضلة لاستقبال التلفزيون في مناطق أخرى حول العالم. وتشير التقديرات إلى أن مئات الملايين من الأشخاص ما زالوا يعتمدون عليه، خاصة في أسواق مثل إندونيسيا.

ما هي مميزات التلفزيون الأرضي مقارنةً بالبدائل الحديثة؟

يُعد التلفزيون الأرضي مجانيًا بعد شراء الهوائي وجهاز التلفزيون، ولا يتطلب اشتراكات شهرية أو اتصال بالإنترنت. كما أنه يمكن أن يكون وسيلة موثوقة لاستقبال الأخبار والبرامج المحلية في حالات الطوارئ حيث قد تتعطل خدمات الإنترنت أو الكابل.