تجسد حياة الكونت آدم فيليب دي كوستين (4 فبراير 1740 - 28 أغسطس 1793) تعقيدات ومفارقات النبلاء الفرنسيين خلال إحدى الفترات الأكثر اضطرابًا في تاريخ فرنسا. فقد كان جنرالًا محنكًا وشخصية سياسية بارزة، وشهدت مسيرته المهنية تحولات دراماتيكية، من الخدمة الموالية للنظام الملكي إلى قيادة جيوش الجمهورية الفرنسية الوليدة، قبل أن يصبح ضحية لمقصلة الثورة التي سعى لخدمتها.
الخدمة الملكية والبطولة في العالم الجديد
بدأت المسيرة العسكرية للكونت دي كوستين، المنحدر من عائلة نبيلة عريقة، كضابط شاب في الجيش الملكي الفرنسي. اكتسب خبرة قتالية مبكرة خلال حرب السنوات السبع (1756-1763)، وهي صراع عالمي أضعف مكانة فرنسا الاستعمارية وأثقل كاهلها بالديون، مما شكل خلفية للأحداث اللاحقة. لكن الفرصة الكبرى لإظهار براعته جاءت مع اندلاع الحرب الثورية الأمريكية (1775-1783).
في عام 1780، انضم الكونت دي كوستين إلى البعثة الخاصة (Expédition Particulière) بقيادة الجنرال جان باتيست دوناتيان دي فيمور، كونت دي روشامبو، والتي أُرسلت لدعم المستعمرين الأمريكيين في نضالهم ضد الحكم البريطاني. كانت هذه البعثة تجسيدًا للتحالف الفرنسي-الأمريكي الاستراتيجي. أظهر كوستين قيادة مميزة خلال حملة فرجينيا الناجحة التي توجت بـمعركة يوركتاون الحاسمة في أكتوبر 1781، حيث لعبت القوات الفرنسية والأمريكية دورًا محوريًا في هزيمة الجيش البريطاني بقيادة اللورد كورنواليس. بعد هذا الانتصار التاريخي الذي مهد الطريق لاستقلال أمريكا، عاد دي كوستين إلى فرنسا لينضم مجددًا إلى وحدته في الجيش الملكي، وهو يحمل سمعة عسكرية مرموقة.
من عضو في الهيئة التشريعية إلى قائد للجمهورية
مع بزوغ فجر الثورة الفرنسية في عام 1789، ومع اشتداد المطالب الشعبية بالإصلاح، لم تقتصر حياة الكونت دي كوستين على الشأن العسكري. فقد تم انتخابه ليكون ممثلًا عن مدينة ميتز في مجلس طبقات الأمة، الهيئة التي تحولت لاحقًا إلى الجمعية التأسيسية الوطنية، والتي كانت مسؤولة عن صياغة دستور جديد لفرنسا. أظهر كوستين في هذا السياق مواقف متوازنة؛ فقد أيد بعض مراسيم أغسطس التي ألغت الامتيازات الإقطاعية، وهي خطوة حاسمة نحو إنهاء النظام القديم. ومع ذلك، كان أيضًا مؤيدًا قويًا للمزايا الملكية التقليدية وحقوق المهاجرين الفرنسيين، مما يعكس ولاءه لمبادئ العهد القديم مع إدراكه للحاجة إلى بعض التغيير.
عندما حُلت الجمعية في عام 1791، عاد كوستين إلى صفوف الجيش، هذه المرة برتبة فريق (ملازم أول). وفي عام 1792، حل محل الجنرال نيكولا لوكنر كقائد أعلى لـجيش فوج، الذي كان يتمركز على جبهة الراين الحساسة. قاد كوستين حملات ناجحة في مناطق الراين الوسطى والعليا، محققًا انتصارات مهمة للجمهورية الفتية. فقد استولى على مدينتي شباير وماينز الاستراتيجيتين، وتمكن من خرق خطوط ويسيمبورغ الدفاعية، مما أمن الحدود الشرقية لفرنسا وألهب حماس الجمهوريين.
مع تصاعد التوترات السياسية في باريس، أثار الانشقاق الظاهر للجنرال تشارلز فرانسوا دوموريز، وهو قائد بارز آخر، موجة من الشكوك والاتهامات المتبادلة. وفي هذا المناخ المتوتر، وجدت لجنة السلامة العامة، التي كانت القوة المهيمنة على فرنسا الثورية آنذاك، نفسها تحقق في سلوك كوستين. ومع ذلك، قدم ماكسيميليان روبسبير، أحد أبرز قادة الثورة، دفاعًا قويًا عنه، ربما لإدراكه لأهمية كفاءة كوستين العسكرية في تلك المرحلة الحرجة، مما أدى إلى تبرئته مؤقتًا.
الانتكاسات وسقوط المقصلة
عاد الكونت دي كوستين إلى قيادته الفعلية، لكنه وجد أن جيشه قد فقد عددًا كبيرًا من ضباطه وجنوده ذوي الخبرة، إما بسبب الهجرة أو التطهير أو قلة التدريب للجنود الجدد، مما أضعف قدرته القتالية بشكل كبير. في ربيع عام 1793، وبعد سلسلة من الانتكاسات في مواجهة قوات التحالف الأوروبي التي تشكلت ضد فرنسا، فقد الفرنسيون السيطرة على جزء كبير من الأراضي التي كانوا قد حصلوا عليها في العام السابق. أُمر كوستين بتولي قيادة جيش الشمال، وسعى في البداية إلى تعزيز السيطرة الفرنسية على معابر نهر الراين المهمة، لا سيما في ماينز التي كانت تحت الحصار.
ولكن عندما فشل في تخفيف حصار حصن كوندي في وقت لاحق من نفس العام، اشتدت الضغوط عليه. تم استدعاؤه إلى باريس، وفي أعقاب خسارة حصون كوندي وماينز وشباير، وهي خسائر استراتيجية كبرى للجمهورية، تم اعتقاله بتهمة الخيانة. خضع كوستين لمحاكمة مطولة أمام المحكمة الثورية التي كانت ذراع لجنة السلامة العامة لتصفية خصوم الثورة. تولى المدعي العام الشهير أنطوان كوينتين فوكيه-تينفيل قضية الاتهام، بينما شن الصحفي الراديكالي جاك هيبير هجومًا لاذعًا ومستمرًا على كوستين عبر منشوره المؤثر "لو بير دوشين" (Le Père Duchesne)، الذي كان يلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الرأي العام وتأجيج مشاعر الغضب ضد كل من يُشتبه في ولائه للثورة. بعد محاكمة مثيرة للجدل، وُجد كوستين مذنبًا بتهمة الخيانة بأغلبية أصوات المحكمة في 27 أغسطس، وحُكم عليه بالإعدام بالمقصلة في اليوم التالي مباشرة.
مصير العائلة وتأثير الإرهاب
لم يقتصر مصير الكونت دي كوستين المأساوي على شخصه. فقد تم إعدام ابنه أيضًا بعد بضعة أشهر، لتستمر دوامة العنف الثوري في ابتلاع عائلات النبلاء. عانت زوجة ابنه، ديلفين دي كوستين، لأشهر طويلة في السجن قبل أن يتم إطلاق سراحها في صيف عام 1794، بعد سقوط روبسبير وانتهاء مرحلة الإرهاب. تمكنت ديلفين من استعادة بعض ممتلكات العائلة الرمزية، ثم هاجرت إلى ألمانيا، وبعدها إلى سويسرا، برفقة ابنها أستولف لويس ليونور. أصبح أستولف لاحقًا كاتب رحلات مشهورًا، مسجلًا مشاهداته وتجاربه في عالم ما بعد الثورة.
إن قصة عائلة كوستين تعكس المصائر المأساوية التي واجهها العديد من أفراد الطبقة الأرستقراطية الصغيرة في فرنسا خلال الثورة، وخاصة أولئك الذين خدموا في السلك العسكري والدبلوماسي. فقد تعرض هؤلاء لتشويه السمعة والاضطهاد من قبل المونتانيار (الفصيل الراديكالي) خلال فترة عهد الإرهاب، والتي شهدت موجة من الاعتقالات والإعدامات بناءً على الاشتباه في معارضة الجمهورية. تبقى حياة الكونت دي كوستين مثالًا صارخًا على القوة المدمرة للتحولات السياسية، وكيف يمكن أن تتحول الخدمة المخلصة للنظام القديم أو حتى الجديد إلى تهمة خطيرة في أوقات الثورة.
الأسئلة الشائعة
- من هو آدم فيليب، كونت دي كوستين؟
- كان الكونت آدم فيليب دي كوستين جنرالًا فرنسيًا خدم في الجيش الملكي ثم أصبح قائدًا عسكريًا للجمهورية الفرنسية الوليدة خلال الثورة الفرنسية، وانتهت حياته بإعدامه بالمقصلة.
- ما هو دور كوستين في الحرب الثورية الأمريكية؟
- انضم كوستين إلى البعثة الفرنسية بقيادة روشامبو لدعم المستعمرين الأمريكيين، وشارك بفعالية في حملة فرجينيا ومعركة يوركتاون الحاسمة، مما أكسبه سمعة عسكرية مرموقة.
- كيف شارك كوستين في المراحل الأولى من الثورة الفرنسية؟
- تم انتخابه ممثلًا عن ميتز في مجلس طبقات الأمة والجمعية التأسيسية الوطنية، حيث أيد بعض الإصلاحات لكنه دافع أيضًا عن الامتيازات الملكية وحقوق المهاجرين، مما يعكس موقفه المعتدل.
- ما هي أبرز نجاحات كوستين العسكرية خلال الثورة؟
- قاد حملات ناجحة في عام 1792 على جبهة الراين، واستولى على مدن استراتيجية مثل شباير وماينز وخرق خطوط ويسيمبورغ الدفاعية، محققًا انتصارات مهمة للجمهورية.
- لماذا تم التحقيق مع كوستين من قبل لجنة السلامة العامة؟
- بعد انشقاق الجنرال دوموريز، زادت الشكوك تجاه القادة العسكريين، وتم التحقيق مع كوستين. وعلى الرغم من دفاع روبسبير عنه وتبرئته مؤقتًا، إلا أن الشكوك ظلت قائمة.
- ما الذي أدى إلى سقوط كوستين وإعدامه؟
- فشله في تخفيف حصار حصن كوندي وخسارة الفرنسيين لمواقع استراتيجية مثل ماينز وشباير بعد انتكاسات عام 1793، بالإضافة إلى حملة تشويه شنتها الصحافة الراديكالية، أدت إلى اعتقاله ومحاكمته بتهمة الخيانة أمام المحكمة الثورية وإعدامه.
- ماذا حدث لعائلة كوستين بعد وفاته؟
- تم إعدام ابنه بعد فترة وجيزة. عانت زوجة ابنه ديلفين من السجن قبل أن تطلق سراحها وتهرب إلى ألمانيا ثم سويسرا مع ابنها أستولف، الذي أصبح كاتب رحلات معروفًا.
- ماذا تمثل قصة كوستين في سياق الثورة الفرنسية؟
- تمثل قصته مصير العديد من النبلاء الفرنسيين الذين حاولوا التكيف مع الثورة لكنهم وقعوا ضحية لـ "عهد الإرهاب" والتطهير السياسي الذي شنه المونتانيار، مما يبرز تعقيدات الولاءات والتحولات الجذرية في تلك الفترة.