مارك توبي ، رسام ومعلم أمريكي سويسري (ت. 1976)

مارك جورج توبي (11 ديسمبر 1890 - 24 أبريل 1976) كان رسامًا أمريكيًا ذا تأثير عميق، يُعرف بأسلوبه الفني المميز الذي نسج بخيوط الحضارة الشرقية في قماش الفن الغربي. لم يكن توبي مجرد فنان، بل كان رحالة ومفكرًا روحيًا، وشكلت تجاربه المتنوعة حجر الزاوية في أعماله الفريدة التي حظيت بتقدير واسع في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.

الرؤية والأسلوب الفني

تميزت مؤلفات توبي الفنية بتنظيمها الكثيف وتفاصيلها المتداخلة، التي غالبًا ما تُشبه "الكتابة البيضاء" (White Writing)، حيث تتراكم الخطوط الرقيقة والمتشابكة لتخلق نسيجًا بصريًا معقدًا. هذه الأعمال، المستوحاة بعمق من فن الخط الآسيوي، خاصةً الصيني والياباني، بدت للوهلة الأولى كنوع من التعبيرية التجريدية. ومع ذلك، كانت دوافع توبي الفلسفية تختلف جوهريًا عن تلك التي حركت معظم الرسامين التعبيريين التجريديين في عصره. بينما كان العديد من معاصريه يركزون على التعبير عن الذات المضطربة أو اللاوعي، سعى توبي في فنه إلى تجسيد الوحدة الكونية، الروحانية، والإيقاع المتناغم للعالم، مستلهمًا من تأملاته وفلسفاته الشرقية. كانت لوحاته غالبًا ما تعبر عن فكرة أن كل جزء من الكل متصل، مما يخلق إحساسًا بالعمق والتواصل اللانهائي.

مدرسة الشمال الغربي ودوره كمعلم

كان مارك توبي أحد الشخصيات المحورية والمؤسسين لما عُرف لاحقًا بـ "مدرسة الشمال الغربي" (Northwest School)، وهي حركة فنية نشأت في منطقة شمال غرب المحيط الهادئ بالولايات المتحدة. إلى جانبه، ضمت هذه المجموعة فنانين بارزين مثل جاي أندرسون وكينيث كالاهان وموريس جريفز وويليام كومينغ. بفضل خبرته الواسعة وعمره المتقدم مقارنة ببعض زملائه، مارس توبي تأثيرًا قويًا عليهم. لم يكن فقط صديقًا مقربًا، بل كان أيضًا معلمًا وملهمًا، حيث شاركهم اهتمامه العميق بالفلسفة والأديان الشرقية، مما ساهم في تشكيل الطابع الروحي والتأملي المميز لأعمال هذه المدرسة، التي غالبًا ما استلهمت من الطبيعة المحيطة والأساطير المحلية.

رحلة اكتشاف: السفر والمسار الروحي

على غرار العديد من الفنانين في مدرسة الشمال الغربي، كان توبي عصاميًا إلى حد كبير بعد دراساته الأولية في معهد الفن بشيكاغو. هذه الروح المستقلة قادته إلى رحلات لا نهاية لها، بحثًا عن المعرفة والإلهام. في عام 1921، أسس قسم الفنون في مدرسة كورنيش المرموقة في سياتل بواشنطن، لكنه لم يكتف بالتدريس. لقد كان مسافرًا دائمًا، جاب العالم وزار المكسيك وأوروبا وفلسطين وإسرائيل وتركيا ولبنان والصين واليابان. كانت هذه الرحلات حاسمة في تشكيل رؤيته الفنية والفلسفية، خاصة زياراته إلى الشرق الأقصى حيث انغمس في دراسة الخط والرسم الشرقيين. نقطة تحول كبرى في حياته كانت اعتناقه للدين البهائي، الذي أصبح جزءًا محوريًا من وجوده وفنه، مكملاً سعيه نحو الوحدة والتناغم الكوني.

السنوات الأخيرة والإرث الدائم

ولد توبي في سنترفيل بولاية ويسكونسن، وقضى معظم حياته في منطقة سياتل بواشنطن، المكان الذي شهد تطور أسلوبه الفني وتألقه. في أوائل الستينيات، انتقل إلى بازل بسويسرا برفقة رفيقه بير هالستين، حيث أمضى سنواته الأخيرة. توفي توبي هناك في عام 1976، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا غنيًا. لا يزال النقاش قائمًا حول ما إذا كانت لوحات توبي الشاملة، التي تميزت بضربات الفرشاة الشرقية والخطوط المتدفقة، قد أثرت على لوحات التنقيط الشهيرة لجاكسون بولوك. هذه المسألة، التي لم تُحسم بعد، تسلط الضوء على مكانة توبي الفريدة في تاريخ الفن الحديث وإسهاماته الرائدة في مزج التقاليد الفنية المختلفة.

الأسئلة الشائعة

بماذا اشتهر مارك توبي؟

اشتهر مارك توبي بأسلوبه الفني الفريد الذي يجمع بين التعبيرية التجريدية وتأثيرات الخط الآسيوي، خاصة تقنيته المعروفة باسم "الكتابة البيضاء". كان أيضًا أحد مؤسسي مدرسة الشمال الغربي الفنية.

ما هي تقنية "الكتابة البيضاء"؟

"الكتابة البيضاء" هي أسلوب ابتكره توبي يتميز بتراكم الخطوط الرقيقة والمتشابكة، غالبًا ما تكون باللون الأبيض أو الألوان الفاتحة، فوق خلفية داكنة. يخلق هذا الأسلوب نسيجًا بصريًا كثيفًا ومعقدًا، مستلهمًا من فن الخط الشرقي ويعبر عن فكرة الوحدة والترابط.

كيف أثرت الفلسفة الشرقية في فن مارك توبي؟

تأثر توبي بشدة بالفلسفة والأديان الشرقية، خاصة بعد رحلاته إلى آسيا واعتناقه الدين البهائي. انعكست هذه التأثيرات في سعيه لتمثيل الوحدة الكونية والتناغم الروحي في لوحاته، بدلاً من التركيز على التعبير الفردي المضطرب الذي كان سائدًا في التعبيرية التجريدية الغربية.

ما علاقة مارك توبي بالدين البهائي؟

اعتنق مارك توبي الدين البهائي وأصبح جزءًا مهمًا من حياته وفنه. وفرت له الفلسفة البهائية، التي تركز على وحدة الأديان والبشرية، إطارًا روحيًا قويًا ألهم العديد من أعماله التي سعت إلى تجسيد الوحدة والانسجام الكوني.

هل أثر مارك توبي على جاكسون بولوك؟

هذا سؤال مطروح في تاريخ الفن. هناك بعض التكهنات والنقاشات حول ما إذا كانت لوحات توبي "الشاملة" (all-over paintings) ذات ضربات الفرشاة الخطية قد أثرت على أسلوب بولوك في لوحات التنقيط. ومع ذلك، لم يتم تأكيد هذا التأثير بشكل قاطع وما زال موضوعًا للنقاش بين مؤرخي الفن.

أين عاش ومات مارك توبي؟

ولد مارك توبي في سنترفيل بولاية ويسكونسن، وعاش معظم حياته في منطقة سياتل بواشنطن. في أوائل الستينيات، انتقل إلى بازل بسويسرا، حيث توفي عام 1976.