تُعد الحروب اليوغوسلافية فصلاً مؤلماً ومعقداً في تاريخ أوروبا الحديث، وهي سلسلة من الصراعات المسلحة المتشابكة، حروب الاستقلال، وحركات التمرد التي اندلعت في يوغوسلافيا السابقة خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 2001. لم تكن هذه الحروب أحداثاً منعزلة، بل كانت تتغذى على التوترات العرقية العميقة التي لم تُحل، والمشاعر القومية المتصاعدة التي مزقت النسيج الاجتماعي لدولة كانت تُعرف بتنوعها. لقد أدت هذه الصراعات في النهاية إلى تفكك الاتحاد اليوغوسلافي عام 1992، مخلفة وراءها دولاً مستقلة حديثاً، ولكن أيضاً جروحاً غائرة وخسائر بشرية واقتصادية هائلة في المنطقة.

السياق التاريخي: تفكك يوغوسلافيا

تأسست يوغوسلافيا بعد الحرب العالمية الأولى كدولة متعددة الأعراق، وتوحدت بشكل أكبر تحت قيادة الزعيم الماركسي جوزيب بروز تيتو بعد الحرب العالمية الثانية. لكن بعد وفاته عام 1980، بدأت التوترات الكامنة بين مختلف القوميات تتفاقم. ومع انهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات، تصاعدت المطالب بالاستقلال في الجمهوريات المكونة للاتحاد اليوغوسلافي. كانت سلوفينيا وكرواتيا أول من أعلن استقلالهما، تلتها البوسنة والهرسك ومقدونيا، مما أشعل فتيل الصراعات مع صربيا التي كانت تسعى للحفاظ على وحدة يوغوسلافيا أو إعادة تشكيلها تحت سيطرتها.

دور الجيش الشعبي اليوغوسلافي وصعود القومية الصربية

في بداية هذه المرحلة المضطربة، حاول الجيش الشعبي اليوغوسلافي (JNA)، الذي كان يرمز لوحدة يوغوسلافيا وتعددها العرقي، الحفاظ على الاتحاد من خلال قمع الحكومات الانفصالية. ومع ذلك، ومع تزايد نفوذ الحكومة الصربية بقيادة سلوبودان ميلوشيفيتش، بدأ الجيش الشعبي اليوغوسلافي يتحول بشكل مطرد إلى أداة لخدمة الأجندة القومية الصربية. استُغلت هذه القومية لملء الفراغ الأيديولوجي الذي خلفه ضعف النظام الشيوعي، وسرعان ما فقد الجيش الشعبي اليوغوسلافي طابعه متعدد الأعراق. وبانسحاب السلوفينيين والكروات وألبان كوسوفو والبوشناق والمقدونيين من صفوفه، تحول فعلياً إلى جيش صربي، يتبنى أهدافاً قومية صربية.

طموحات "الدول الكبرى": صربيا وكرواتيا وألبانيا

لم يكن الهدف من هذه الصراعات مجرد الحفاظ على يوغوسلافيا؛ فوفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 1994، كان الجانب الصربي يهدف إلى إنشاء "صربيا الكبرى" من أجزاء من كرواتيا والبوسنة، والتي تضم المناطق ذات الأغلبية الصربية. لم تكن هذه الطموحات الوحدوية محصورة بالصرب وحدهم؛ فقد ظهرت أيضاً حركات تسعى لإنشاء "كرواتيا الكبرى" من أجزاء من الهرسك، والتي انتهت باتفاق واشنطن عام 1994، وكذلك فكرة "ألبانيا الكبرى" التي تضمنت كوسوفو، وإن كانت قد تراجعت لاحقاً بعد التدخل الدبلوماسي الدولي. هذه الأجندات المتضاربة والمدفوعة بالقومية كانت وقوداً لاشتعال الحروب وتصاعد العنف.

فظاعة الحرب وعدالة ما بعد الصراع

غالباً ما توصف الحروب اليوغوسلافية بأنها الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وقد شهدت هذه الصراعات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب متعددة، بما في ذلك الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والاستغلال الجنسي المنظم (الاغتصاب). كانت الإبادة الجماعية في البوسنة، ولا سيما مذبحة سريبرينيتشا، هي أول جريمة تُصنف رسمياً على أنها إبادة جماعية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، مما يعكس مدى وحشية ودموية الصراع. ولمواجهة هذه الجرائم، أنشأت الأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) في لاهاي لمقاضاة المسؤولين عن هذه الفظائع، وتم تقديم العديد من القادة الرئيسيين للمحاكمة.

الحصيلة البشرية والآثار الدائمة

لقد كانت الخسائر البشرية لهذه الحروب فادحة ومأساوية. تشير تقديرات المركز الدولي للعدالة الانتقالية إلى مقتل ما يقرب من 140 ألف شخص، بينما يقدر مركز القانون الإنساني العدد بما لا يقل عن 130 ألفاً. بالإضافة إلى ذلك، أدت الصراعات إلى أزمات لاجئين وإنسانية ضخمة، حيث نزح الملايين من منازلهم، وأصبحت المجتمعات ممزقة، والبنية التحتية مدمرة. لا تزال آثار هذه الحروب محسوسة في دول يوغوسلافيا السابقة حتى اليوم، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي والنفسي، حيث تسعى المنطقة تدريجياً لإعادة بناء نفسها وتضميد الجراح العميقة التي خلفتها عقود من الصراع.

الأسئلة الشائعة حول الحروب اليوغوسلافية

متى بدأت الحروب اليوغوسلافية ومتى انتهت؟

بدأت الحروب اليوغوسلافية في عام 1991 وانتهت رسمياً في عام 2001، على الرغم من أن ذروة الصراعات العنيفة كانت في التسعينيات.

ما هو السبب الرئيسي للحروب اليوغوسلافية؟

السبب الرئيسي هو تفكك يوغوسلافيا بعد وفاة تيتو وانهيار الأنظمة الشيوعية، مما أدى إلى تصاعد القومية والمطالب بالاستقلال في الجمهوريات المختلفة، وتفاقم التوترات العرقية التي لم تُحل.

ما هو دور الجيش الشعبي اليوغوسلافي (JNA) في هذه الحروب؟

في البداية، حاول الجيش الشعبي اليوغوسلافي الحفاظ على وحدة يوغوسلافيا، لكنه سرعان ما أصبح تحت تأثير الحكومة الصربية وتَحَوّل إلى أداة لتحقيق أهداف قومية صربية، مما أفقده طابعه متعدد الأعراق.

ما هي "صربيا الكبرى" و"كرواتيا الكبرى" و"ألبانيا الكبرى"؟

كانت هذه مصطلحات تشير إلى طموحات قومية وحدوية لدى بعض الأطراف، تهدف إلى توحيد الأراضي ذات الأغلبية العرقية المعينة في دولة واحدة أكبر، مثل توحيد المناطق الصربية في كرواتيا والبوسنة مع صربيا لتشكيل "صربيا الكبرى".

ما هي أنواع الجرائم التي ارتُكبت خلال الحروب اليوغوسلافية؟

ارتُكبت العديد من جرائم الحرب، بما في ذلك الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي، والاغتصاب المنظم. وقد كانت الإبادة الجماعية في البوسنة هي أول جريمة تُصنف رسمياً على أنها إبادة جماعية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

كم عدد الأشخاص الذين قُتلوا في الحروب اليوغوسلافية؟

تختلف التقديرات، ولكنها تتراوح بين 130 ألفاً و 140 ألف شخص، بالإضافة إلى ملايين اللاجئين والنازحين.

ما هي المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY)؟

هي محكمة خاصة أنشأتها الأمم المتحدة لمحاكمة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتُكبت في يوغوسلافيا السابقة منذ عام 1991.