المارشال ألكسندر ميخائيلوفيتش فاسيليفسكي: عقل استراتيجي في قلب التاريخ السوفيتي
يُعد المارشال ألكسندر ميخائيلوفيتش فاسيليفسكي (30 سبتمبر 1895 - 5 ديسمبر 1977) أحد أبرز العقول العسكرية التي شكلت مسار الحرب العالمية الثانية على الجبهة الشرقية، وشخصية محورية في تاريخ الاتحاد السوفيتي. بصفته ضابطًا محترفًا في الجيش الأحمر، ارتقى فاسيليفسكي ليصبح مشيرًا للاتحاد السوفيتي عام 1943، وهو تكريم يعكس دوره الاستثنائي. لقد تولى فاسيليفسكي مسؤوليات جسيمة كقائد لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السوفيتية بين عامي 1942 و1945، ونائبًا لوزير الدفاع خلال سنوات الحرب العاصفة، ثم وزيرًا للدفاع من عام 1949 حتى عام 1953. خلال فترة رئاسته لهيئة الأركان العامة، كان له دور لا غنى عنه في التخطيط والتنسيق لجل الهجمات السوفيتية الحاسمة التي قلبت موازين الحرب، بدءًا من الهجوم المضاد في ستالينجراد في نوفمبر 1942 وصولًا إلى عمليات ضخمة مثل الهجمات على بروسيا الشرقية وكونيغسبيرغ في أوائل عام 1945، وانتهاءً بالعملية الهجومية المنشورية الكبرى في أغسطس من العام نفسه.
بداياته العسكرية والارتقاء في الرتب
بدأت رحلة فاسيليفسكي العسكرية في خضم الصراعات العالمية التي عصفت بروسيا في أوائل القرن العشرين، حيث انخرط في صفوف الجيش الإمبراطوري الروسي خلال الحرب العالمية الأولى. في تلك الفترة المضطربة، اكتسب خبرة قتالية قيمة أهلته للترقي إلى رتبة نقيب بحلول عام 1917. ومع التحولات الهائلة التي شهدتها روسيا إثر ثورة أكتوبر عام 1917 واندلاع الحرب الأهلية الروسية بين عامي 1917 و1922، انضم فاسيليفسكي إلى صفوف الجيش الأحمر حديث التأسيس، مؤمنًا بالدولة الجديدة ومستقبلها. لم تمضِ فترة طويلة حتى أثبت جدارته في الصراعات الجديدة، وشارك بفعالية في الحرب السوفيتية البولندية بين عامي 1919 و1921، وهي حرب تركت بصماتها على الجغرافيا السياسية للمنطقة وساهمت في تشكيل حدود الدول حديثة التكوين.
مسيرته المهنية وتأثير التطهير العظيم
في سنوات السلم التي تلت تلك الحروب، استمر فاسيليفسكي في الارتقاء بثبات في السلم العسكري، مدفوعًا بقدراته التنظيمية الفائقة ومهاراته التدريبية المتميزة التي لفتت الأنظار. بحلول عام 1930، كان قد أصبح قائدًا لأحد الأفواج، حيث برهن على كفاءة عالية في إعداد وتدريب قواته، مما عكس فهمه العميق للتكتيكات واللوجستيات العسكرية. لم تمر موهبته دون أن يلاحظها أحد؛ ففي عام 1931، تم تعيينه عضوًا في مديرية التدريب العسكري، ما أتاح له فرصة المساهمة في تطوير العقيدة العسكرية السوفيتية على نطاق أوسع. ثم جاءت فترة "التطهير العظيم" في الثلاثينيات التي قادها ستالين، والتي أدت إلى إقصاء وإعدام العديد من كبار الضباط في الجيش الأحمر، ما أحدث فراغًا في القيادة. ورغم قسوة تلك الأحداث المأساوية، فقد فتحت هذه التغييرات الباب أمام ضباط جدد لإثبات أنفسهم والترقي في المناصب العليا. وهكذا، في عام 1937، تمت ترقية فاسيليفسكي ليصبح ضابطًا في هيئة الأركان العامة، وهي الخطوة التي وضعته في قلب التخطيط الاستراتيجي للجيش السوفيتي، وأعدته بشكل غير مباشر للتحديات الهائلة التي ستواجهها البلاد.
الحرب العالمية الثانية: مهندس الانتصارات
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية والغزو الألماني للاتحاد السوفيتي في يونيو 1941، وجد فاسيليفسكي نفسه في موقع قيادي حاسم، حيث كانت أمامه مهمة الدفاع عن الوطن. بصفته رئيسًا لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السوفيتية بين عامي 1942 و1945، كان العقل المدبر وراء التخطيط والتنسيق لمعظم الهجمات السوفيتية الحاسمة التي قلبت موازين القوى على الجبهة الشرقية وقلبت الطاولة على الغزاة. من الهجوم المضاد المذهل في معركة ستالينجراد في نوفمبر 1942، الذي حاصر الجيش السادس الألماني وغير مجرى الحرب بأكملها، إلى عمليات تحرير واسعة النطاق في مناطق حيوية مثل الجزء العلوي من نهر الدون، ودونباس الغنية بالموارد، وشبه جزيرة القرم الاستراتيجية، وبيلاروسيا، ودول البلطيق، كان بصمة فاسيليفسكي واضحة في كل خطوة استراتيجية. لم تقتصر مساهماته على الجبهة الأوروبية؛ بل بلغت ذروتها بالاستيلاء على كونيغسبيرغ في أبريل 1945، وهي المدينة التي كانت تُعد معقلًا ألمانيًا حصينًا في بروسيا الشرقية. وبنهاية الحرب في أوروبا، لم يهنأ بالراحة طويلاً، ففي يوليو 1945، تم تعيينه قائدًا عامًا للقوات السوفيتية في الشرق الأقصى. هناك، أشرف ببراعة على تنفيذ العملية الهجومية الاستراتيجية المنشورية السريعة والمدمرة في أغسطس 1945، والتي سحقت جيش كوانتونغ الياباني وأسهمت بشكل حاسم في استسلام اليابان وإنهاء الحرب العالمية الثانية بالكامل، لتؤكد قدراته القيادية في مسارح حرب مختلفة.
سنوات ما بعد الحرب وإرثه الخالد
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، استمر المارشال فاسيليفسكي في خدمة وطنه في مناصب عليا، حيث اضطلع بدور مهم في إعادة بناء الجيش السوفيتي في فترة ما بعد الحرب وبدايات الحرب الباردة. شغل منصب وزير الدفاع السوفيتي من عام 1949 إلى عام 1953، وهي فترة حساسة شهدت تصاعد التوترات بين المعسكرين الشرقي والغربي. واحتفظ بهذا المنصب حتى بعد وفاة جوزيف ستالين في مارس 1953، مما يدل على مكانته وثقته داخل القيادة السوفيتية في مرحلة انتقالية مهمة. ومع صعود نيكيتا خروتشوف إلى سدة الحكم في منتصف الخمسينيات، بدأت ديناميكيات السلطة تتغير، وتراجع نفوذ العديد من القادة القدامى. بدأ فاسيليفسكي تدريجياً يفقد بعضًا من سلطته، ليتقاعد في نهاية المطاف. توفي ألكسندر ميخائيلوفيتش فاسيليفسكي في 5 ديسمبر 1977، تاركًا وراءه إرثًا عسكريًا ضخمًا يروي قصة قائد عظيم. وتقديرًا لخدماته الجليلة ومساهماته التي لا تُنسى في الدفاع عن بلاده وتشكيل تاريخها العسكري، دُفن في مقبرة جدار الكرملين الشرفية، وهو أعلى تكريم يمكن أن يحظى به شخص في الاتحاد السوفيتي، مما يرسخ مكانته كبطل قومي وعقل استراتيجي فذ في ذاكرة الأمة الروسية.
الأسئلة الشائعة حول ألكسندر فاسيليفسكي
- ما هو الدور الرئيسي الذي لعبه ألكسندر فاسيليفسكي خلال الحرب العالمية الثانية؟
- شغل المارشال فاسيليفسكي منصب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السوفيتية، وكان العقل المدبر وراء التخطيط والتنسيق لمعظم الهجمات السوفيتية الحاسمة على الجبهة الشرقية، بما في ذلك الهجوم المضاد في ستالينجراد وعملية منشوريا.
- ما هي أبرز العمليات العسكرية التي خطط لها أو نسقها؟
- من أبرز العمليات التي شارك في تخطيطها وتنسيقها الهجوم المضاد في ستالينجراد (نوفمبر 1942)، وعمليات تحرير مناطق مثل الدون، ودونباس، والقرم، وبيلاروسيا، ودول البلطيق، إضافة إلى الاستيلاء على كونيغسبيرغ، والعملية الهجومية الاستراتيجية المنشورية في الشرق الأقصى.
- كيف أثر "التطهير العظيم" لستالين على مسيرته العسكرية؟
- رغم قسوة "التطهير العظيم" الذي أقصى العديد من الضباط، إلا أنه فتح المجال أمام ضباط أكفاء مثل فاسيليفسكي للترقي السريع. فبعد التطهير، تمت ترقيته في عام 1937 ليصبح ضابطًا في هيئة الأركان العامة، مما وضعه في موقع استراتيجي مهم قبل الحرب العالمية الثانية.
- ما هي أعلى رتبة عسكرية وصل إليها؟
- وصل ألكسندر فاسيليفسكي إلى رتبة مشير الاتحاد السوفيتي عام 1943، وهي أعلى رتبة عسكرية في الاتحاد السوفيتي، وتمنح فقط لأبرز القادة العسكريين.
- ماذا حدث لفاسيليفسكي بعد وفاة ستالين؟
- استمر في منصبه كوزير للدفاع حتى عام 1953، لكن مع صعود نيكيتا خروتشوف إلى السلطة في منتصف الخمسينيات، بدأت ديناميكيات القيادة تتغير وتراجع نفوذه تدريجيًا ليتقاعد في نهاية المطاف.
- أين دُفن المارشال فاسيليفسكي؟
- دُفن في مقبرة جدار الكرملين الشرفية في موسكو، وهو تكريم رفيع يمنح لأبرز الشخصيات في تاريخ الاتحاد السوفيتي، اعترافًا بخدماته الجليلة ومساهماته الكبرى للبلاد.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 