كانت الفرقاطة الفرنسية ميدوز، التي أُطلقت في عام 1810، سفينة حربية بارزة في عصرها، مزودة بأربعين مدفعًا من طراز بالاس. لعبت دورًا نشطًا في المراحل الأخيرة من الحروب النابليونية، حيث شاركت في حملة موريشيوس بين عامي 1809 و1811، وقامت بغارات في منطقة البحر الكاريبي، مؤديةً واجبها العسكري بنجاح نسبي.
في عام 1816، بعد استعادة حكم عائلة بوربون في فرنسا وعودة الملكية بعد هزيمة نابليون، تم تجهيز ميدوز على عجل لمهمة دبلوماسية استراتيجية. كان الهدف منها نقل مسؤولين فرنسيين إلى ميناء سانت لويس بالسنغال، وذلك لإعادة احتلال المستعمرة الفرنسية رسميًا، بموجب شروط معاهدة باريس للسلام الأولى التي أعادت لفرنسا ممتلكاتها الاستعمارية. لم تكن هذه الرحلة كسابقتها؛ فبسبب قرارات سياسية بحتة لا تعتمد على الكفاءة، مُنحت قيادة السفينة للقبطان هيوغ دوغواي دو شوماري، الذي كان يفتقر إلى الخبرة الملاحية الكافية. ونتيجة لسوء الملاحة الفادح، جنحت الفرقاطة ميدوز في 2 يوليو 1816 على ضفة أرجين الرملية الخطيرة، قبالة سواحل موريتانيا الحالية، مما أدى إلى خسارتها بالكامل وتحطمها.
الإجلاء المأساوي والطوافة المهجورة
كان على متن الفرقاطة حوالي 400 شخص، ومع جنوحها، أصبح إجلاؤهم ضرورة ملحة. لكن قوارب النجاة المتاحة لم تكن كافية لاستيعاب الجميع. تم إجبار 146 رجلاً وامرأة واحدة على اللجوء إلى طوافة بدائية ضخمة تم بناؤها على عجل من أخشاب السفينة. في البداية، حاولت قوارب النجاة التابعة للفرقاطة، والتي كانت تحمل القبطان وكبار الضباط وبعض الركاب، سحب الطوافة. إلا أن هذا القطر سرعان ما تبين أنه غير عملي؛ فالطوافة كانت بطيئة للغاية وثقيلة، وتهدد بإغراق القوارب الأخرى أو إعاقتها بشدة. وفي مشهد مأساوي ومدان تاريخيًا، قطعت حبال القطر وتُركت الطوافة ومن عليها في عرض المحيط الأطلسي، وحيدة ومنقطعة الأمل في الإنقاذ الفوري.
الرعب على متن الطوافة: صراع من أجل البقاء
بدون أي وسيلة لدفعها نحو الشاطئ أو التحكم في مسارها، تحول الوضع على متن الطوافة إلى كارثة إنسانية مرعبة. ضربت عاصفة البحر الطوافة، فجرفت الأمواج العشرات إلى البحر ليلقوا حتفهم، بينما تفشت الفوضى والتمرد بين الناجين. وفي حالة من السكر بسبب النبيذ الذي عثروا عليه، قام بعض المتمردين بأعمال عنف، وقتلهم الضباط في محاولة يائسة لاستعادة النظام. ومع نفاد الإمدادات الشحيحة من الماء والطعام، وبعد أن عانوا من الجفاف والجوع الشديدين، أُلقي العديد من الجرحى والمرضى في البحر، ولجأ بعض الناجين إلى "عرف البحر" المريع، وهو أكل لحوم البشر، في محاولة أخيرة ويائسة للبقاء على قيد الحياة.
الإنقاذ والفضيحة العامة
بعد ثلاثة عشر يومًا من العذاب الشديد واليأس، تم اكتشاف الطوافة بالصدفة بواسطة سفينة أرغوس الفرنسية. صُدم الجميع من المشهد الذي رأوه: 15 شخصًا فقط بقوا على قيد الحياة من أصل 147، منهكين ومصابين بصدمة عميقة من الأهوال التي مروا بها. انتشرت أنباء هذه المأساة المروعة بسرعة في فرنسا، وأثارت سخطًا شعبيًا هائلاً وغضبًا عارمًا. لم تكن مجرد حادثة غرق سفينة عادية، بل أصبحت رمزًا للفساد وسوء الإدارة وانعدام الكفاءة في الحكومة الملكية البوربونية المستعادة، وواحدة من أشهر حوادث غرق السفن وأكثرها إثارة للجدل في عصر الشراع.
إرث المأساة: كتاب ولوحة خالدة
لم تُنسَ قصة الفرقاطة ميدوز أبدًا، بل خُلدت في الذاكرة الجمعية. كتب اثنان من الناجين، وهما الجراح هنري سافيني والضابط ألكسندر كورّيار، رواية مؤثرة ومفصلة عن تجربتهما المروعة، لاقت رواجًا كبيرًا وقرأها الجمهور على نطاق واسع، كاشفين الحقائق البشعة. لكن الخلود الحقيقي لهذه المأساة جاء على يد الفنان الفرنسي الكبير تيودور جيريكولت، الذي رسم لوحته الشهيرة "طوافة الميدوز" عام 1819. هذه اللوحة، بتصويرها المأساوي والمفعم بالعاطفة للمشهد، لم تصبح فقط أيقونة للفن الرومانسي الفرنسي ورمزًا لروحه، بل كانت أيضًا تحديًا سياسيًا واجتماعيًا جريئًا للحكومة، وشهادة فنية مؤثرة على المعاناة الإنسانية في أقصى صورها.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
- ما هي الفرقاطة ميدوز؟
- كانت الفرقاطة ميدوز سفينة حربية فرنسية تضم 40 مدفعًا من طراز بالاس، أُطلقت عام 1810 وشاركت في الحروب النابليونية قبل غرقها المأساوي عام 1816.
- ما الذي تسبب في غرق الفرقاطة ميدوز؟
- تسببت الملاحة غير الكفؤة من قِبل قبطانها، هيوغ دوغواي دو شوماري، الذي عُيّن لأسباب سياسية، في جنوح السفينة على ضفة أرجين الرملية قبالة سواحل موريتانيا الحالية، مما أدى إلى تحطمها.
- لماذا تُرك الناجون على طوافة؟
- لم تكن قوارب النجاة كافية لجميع الركاب البالغ عددهم حوالي 400 شخص، فاضطر 147 شخصًا للجوء إلى طوافة بدائية. سرعان ما قطعت قوارب النجاة التي كانت تسحب الطوافة حبال القطر وتركت الطوافة ومن عليها في المحيط المفتوح.
- ماذا حدث للناجين على الطوافة؟
- واجه الناجون ظروفًا مروعة تشمل عواصف بحرية، تمرداً، نفاد الإمدادات، والجفاف الشديد. أدت هذه الظروف إلى أعمال عنف، بما في ذلك قتل الجرحى، ولجوء بعض الناجين إلى أكل لحوم البشر للبقاء على قيد الحياة.
- كم عدد الأشخاص الذين نجوا من الطوافة؟
- من بين 147 شخصًا كانوا على متن الطوافة في البداية، تم إنقاذ 15 شخصًا فقط بعد ثلاثة عشر يومًا في البحر.
- ما كان رد الفعل العام على المأساة؟
- أثارت أخبار المأساة سخطًا شعبيًا واسعًا في فرنسا، حيث اعتُبرت رمزًا للفساد وسوء الإدارة في الحكومة البوربونية المستعادة.
- كيف تم تخليد قصة ميدوز؟
- تم تخليد القصة من خلال كتاب كتبه اثنان من الناجين (الجراح هنري سافيني والضابط ألكسندر كورّيار)، وكذلك من خلال لوحة تيودور جيريكولت الشهيرة "طوافة الميدوز" عام 1819، التي أصبحت عملًا فنيًا بارزًا للرومانسية الفرنسية.
- من كان قبطان الفرقاطة وماذا حدث له؟
- كان القبطان هو هيوغ دوغواي دو شوماري، الذي عُيّن لأسباب سياسية دون كفاءة ملاحية. حوكم لاحقًا عسكريًا وحُكم عليه بالسجن، وتم تجريده من رتبته، لكن العقوبة اعتبرت خفيفة نظرًا لحجم الكارثة.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文