تسانجيانج جياتسو ، الدالاي لاما السادس (ت ١٧٠٦)

يُعد تسانغيانغ غياتسو، الدالاي لاما السادس (المولود في الأول من مارس عام 1683)، شخصية آسرة ومتميزة في تاريخ التبت، ليس فقط بكونه الزعيم الروحي والزمني لشعبه، بل أيضًا بأسلوب حياته الذي كان غير تقليدي بشكل لافت للنظر، والذي غالبًا ما اصطدم بالتقاليد الرهبانية الصارمة. في خضم فترة سياسية مضطربة شهدت صراعات على السلطة وتدخلات خارجية، عاش تسانغيانغ غياتسو حياة عاصفة اتسمت بالغموض والمأساة، وترك وراءه إرثًا ثقافيًا وفنيًا لا يزال حيًا حتى يومنا هذا.

خلافًا لأسلافه، فضل الدالاي لاما السادس مسار "يوغي الحكمة المجنونة" (nyönpa أو drubchen) على الحياة الرهبانية التقليدية. هذه الفلسفة تشجع على تجاوز الأعراف الاجتماعية والدينية المألوفة لتحقيق الوعي الروحي، وغالبًا ما تنطوي على سلوكيات قد تبدو غريبة أو غير تقليدية للبعض. وقد انعكس هذا الاختيار بوضوح في حياته الشخصية، حيث عاش كممارس علماني يتبنى نمط حياة أقرب إلى اليوغيين، مفضلاً الحرية الشخصية على قيود الدير.

نشأته واكتشافه

تكتنف ولادة تسانغيانغ غياتسو ظروف استثنائية بدأت مع وفاة الدالاي لاما الخامس، لوبرانغ غياتسو، المعروف باسم "الدالاي لاما العظيم". فقد ظلت وفاته، التي حدثت عام 1682، سرًا محاطًا بالكتمان لسنوات عديدة بناءً على طلب وصيه، الديسي سانغي غياتسو. كان الهدف من هذا الإخفاء هو استكمال بناء قصر بوتالا العظيم والحفاظ على الاستقرار السياسي للتبت في مواجهة القوى الخارجية، لا سيما إمبراطورية تشينغ الصينية المتوسعة وخانات خوشوت المغول. خلال هذه الفترة، كان الديسي سانغي غياتسو يدير شؤون الحكومة باسم الدالاي لاما الراحل.

في غضون ذلك، ولد تسانغيانغ غياتسو في الأول من مارس 1683 في منطقة مونيول، التي تعرف اليوم باسم ولاية أروناتشال براديش في شمال شرق الهند، وتحديدًا في دير أورجيلنغ. تُعد منطقة مونيول تاريخيًا جزءًا من الدبت الثقافية وتتمتع بجمال طبيعي خلاب. عندما بلغ الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمره (حوالي عام 1697)، تم اكتشاف تسانغيانغ غياتسو والتعرف عليه رسميًا كالتجسد الجديد للدالاي لاما. نُقل إلى لاسا ونُصب رسميًا كالدالاي لاما السادس، مما أنهى السرية التي أحاطت بوفاة سلفه.

حياة غير تقليدية وروح متمردة

منذ صغره، أظهر تسانغيانغ غياتسو ذكاءً حادًا وفطنة غير عادية، لكنه سرعان ما بدأ في إظهار ميول غير تقليدية تتعارض مع التوقعات الصارمة الملقاة على عاتق الدالاي لاما. على عكس الدالاي لامات السابقين الذين كرسوا حياتهم للزهد والرهبنة، اختار تسانغيانغ غياتسو أسلوب حياة يعكس شخصيته الحرة. ففضل أن يعيش كممارس علماني ويوغي، تاركًا شعره ينمو طويلًا بدلاً من حلقه كما هو متعارف عليه للرهبان، وارتدى زي التبتي العادي بدلاً من الثياب الرهبانية الفاخرة.

اشتهر عنه أيضًا أنه كان يتردد على الحانات في لاسا، ويشرب الكحول، ويصاحب النساء، وهي سلوكيات كانت تعتبر خرقًا صريحًا لنذور الرهبان. لم يخف تسانغيانغ غياتسو أبدًا تمرده الروحي والشخصي، بل عبّر عن مشاعره وتجاربه في قصائده الغنائية التي أصبحت مشهورة. لقد جسدت هذه القصائد مزيجًا فريدًا من الحب الدنيوي والتأمل الروحي، مما أضفى عليه هالة من الشاعر الحكيم والمتمرد. كان يعتقد أن مساره غير التقليدي يسمح له بفهم العالم والإنسانية بعمق أكبر، متجاوزًا القواعد الشكلية للوصول إلى الحقيقة الجوهرية.

صراع السلطة والمصير الغامض

في أوائل القرن الثامن عشر، كانت التبت مسرحًا لصراع سياسي معقد بين عدة أطراف: حكومة الدالاي لاما (جاندن فودرانغ)، خانات خوشوت المغول الذين كانوا أسيادًا للتبت منذ القرن السابع عشر، وإمبراطورية تشينغ الصينية الطموحة التي كانت تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة. الديسي سانغي غياتسو، وصي الدالاي لاما الخامس والسادس، أصبح شخصية محورية في هذا الصراع، وكان يُنظر إليه على أنه يتمتع بسلطة هائلة.

في عام 1705، وفي ذروة هذا الصراع على السلطة، قُتل الديسي سانغي غياتسو على يد قوات لاها بزانغ خان، حاكم خوشوت المغولي، الذي كان متحالفًا مع إمبراطورية تشينغ وكان يعارض بشدة الديسي وربما حتى الدالاي لاما السادس. اعتبر لاها بزانغ خان أن تسانغيانغ غياتسو غير لائق لمنصبه بسبب أسلوب حياته غير التقليدي، وربما كان ذلك ذريعة لإزالة معارضة سلطة المغول والتشينغ في التبت. بعد فترة وجيزة من مقتل وصيه، اختطف لاها بزانغ خان الدالاي لاما السادس في عام 1706 واقتاده عنوة في طريقه إلى بكين. اختفى تسانغيانغ غياتسو في ظروف غامضة بمنطقة أمدو (الواقعة حاليًا في مقاطعة تشينغهاي بالصين)، ويُعتقد أنه قُتل هناك، مما أدى إلى واحدة من أكبر الألغاز في تاريخ الدالاي لامات.

روايات متضاربة حول وفاته

ظلت الظروف المحيطة بوفاة تسانغيانغ غياتسو لغزًا تاريخيًا تتناوله العديد من الروايات، مما يضيف إلى هالة الغموض التي أحاطت بشخصيته. الرواية الأكثر شيوعًا وتقليدية تشير إلى أنه توفي أو قُتل في عام 1706 أثناء نقله قسرًا إلى بكين. يُفترض أنه قُتل على يد المغول في منطقة أمدو، مما يسمح للاها بزانغ خان بتعيين دالاي لاما جديد يكون أكثر طواعية لنفوذ خوشوت والتشينغ.

ومع ذلك، توجد روايات أخرى، أقل انتشارًا ولكنها ذات دلالة ثقافية عميقة، تشير إلى أن تسانغيانغ غياتسو لم يمت في ذلك العام. بل قيل إنه تمكن من الفرار من أسره وعاش حياة سرية بعد ذلك. إحدى هذه الروايات تزعم أنه زار الصين، حيث أمضى ست سنوات في التأمل في دير بوذي صيني يُدعى "ري وو تسي نغا" (Wutai Shan)، وهو أحد الجبال البوذية المقدسة الخمسة في الصين. لاحقًا، وفقًا لهذه الروايات، انتقل إلى منغوليا، حيث عاش حتى سن الخامسة والستين (في حين تشير بعض المصادر إلى وفاته عن عمر يناهز 65 عامًا بعد عام 1706، مما يعني أنه عاش لفترة أطول بكثير مما هو معتقد تقليديًا). وقيل إنه توفي في أحد أكبر الأديرة البوذية التبتية في منغوليا، حيث يوجد له ضريح (ستوبا) اليوم. هذه الروايات تعكس أمل التبتيين في أن زعيمهم الروحي قد نجا وعاش حياة ملؤها الحكمة، بعيدًا عن الصراعات السياسية.

إرث شاعر الروح

على الرغم من حياته القصيرة والمليئة بالاضطرابات، فإن تسانغيانغ غياتسو ترك بصمة لا تُمحى على الثقافة التبتية من خلال إرثه الأدبي. اشتهر الدالاي لاما السادس بشكل خاص بقصائده وأغانيه التي تعكس روحه المتشابكة، بين الزهد الروحي والحب الدنيوي، بين الرغبة في التحرر والتوق إلى التقاليد. هذه الأعمال الأدبية، التي غالبًا ما تكون غنائية وذات طابع شخصي عميق، لا تزال تحظى بشعبية واسعة ليس فقط في التبت الحديثة، ولكن أيضًا بين المجتمعات الناطقة بالتبت في نيبال والهند وجميع أنحاء الصين.

تُعد قصائده شهادة على فطنته الشعرية وقدرته على التعبير عن تعقيدات المشاعر الإنسانية، متجاوزًا الحواجز الدينية والاجتماعية. لقد أُلِّفت العديد من هذه القصائد في شكل رباعيات، وتُستخدم كنصوص للأغاني الشعبية، ولا تزال تُغنى وتُردد حتى يومنا هذا. يُنظر إليه كقديس وشاعر، وتظل حياته غير التقليدية ومصيره الغامض مصدر إلهام للنقاش والتأمل، مما يجعله واحدًا من أكثر الدالاي لامات إثارة للاهتمام والجدل في تاريخ التبت.

الأسئلة المتكررة (FAQs)

من هو تسانغيانغ غياتسو؟

تسانغيانغ غياتسو هو الدالاي لاما السادس، ولد في عام 1683 وتوفي في ظروف غامضة بعد عام 1706. اشتهر بأسلوب حياته غير التقليدي وكونه شاعرًا موهوبًا.

لماذا كان يعتبر دالاي لاما غير تقليدي؟

فضل تسانغيانغ غياتسو أسلوب حياة "يوغي الحكمة المجنونة" على الحياة الرهبانية التقليدية. فقد أطال شعره، وارتدى زيًا مدنيًا، وقيل إنه يشرب الكحول ويقبل رفقة النساء، وهي سلوكيات كانت تتعارض مع نذور الرهبنة البوذية.

ما هي الظروف المحيطة بوفاة الدالاي لاما الخامس التي أثرت على حياته؟

ظلت وفاة الدالاي لاما الخامس مخفية لسنوات عديدة من قبل وصيه، الديسي سانغي غياتسو، للحفاظ على الاستقرار السياسي للتبت. هذا أدى إلى فترة من عدم اليقين السياسي الذي أثر على تنصيب تسانغيانغ غياتسو ووضع الأساس للصراعات المستقبلية.

أين ولد تسانغيانغ غياتسو؟

ولد في منطقة تُعرف باسم "مونيول" في دير أورجيلنغ، في منطقة تاوانغ الحديثة، أروناتشال براديش، الهند.

ماذا حدث لوصي عرشه؟

قُتل وصي عرشه، الديسي سانغي غياتسو، في عام 1705 خلال صراع على السلطة بين التبت والمغول وتشينغ الصين، على يد لاها بزانغ خان، حاكم خوشوت المغولي.

كيف اختفى الدالاي لاما السادس؟

بعد مقتل وصيه، اختطفه لاها بزانغ خان في عام 1706 أثناء اقتياده إلى بكين. اختفى في ظروف غامضة بمنطقة أمدو، ويُعتقد أنه قُتل هناك، على الرغم من وجود روايات بديلة تشير إلى أنه عاش حياة سرية لاحقًا.

ما هو إرث تسانغيانغ غياتسو؟

إرثه الأبرز هو قصائده وأغانيه التي لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في التبت الحديثة وبين المجتمعات الناطقة بالتبت في نيبال والهند وجميع أنحاء الصين. تُعتبر هذه القصائد تعبيرًا فريدًا عن الروحانية والحب والطبيعة البشرية.

هل زار الصين أو منغوليا بعد اختفائه؟

توجد روايات تشير إلى أنه زار الصين وتأمل لمدة ست سنوات في دير بوذي صيني يُدعى (Ri wo tse nga - وتاي شان)، ثم انتقل إلى منغوليا حيث توفي عن عمر يناهز 65 عامًا في أحد أكبر الأديرة البوذية التبتية هناك، حيث يوجد له ضريح (ستوبا). ومع ذلك، لا تزال هذه الروايات موضوع نقاش بين المؤرخين.