يُعدّ جيروم (أو هيرونيموس) إمسير، الذي وُلد في 20 مارس 1477 وتُوفي في 8 نوفمبر 1527، شخصية بارزة في سياق الإصلاح الديني بألمانيا، اشتهر بكونه عالم لاهوت كاثوليكي ومناوئًا قويًا لمارتن لوثر. وُلد إمسير لأسرة مرموقة في مدينة أولم الألمانية، وهي بيئة وفرت له أساسًا جيدًا لتعليمه وحياته المهنية اللاحقة.
نشأته ومسيرته الأكاديمية المبكرة
بدأ إمسير رحلته الأكاديمية بدراسة اللغة اليونانية في جامعة توبنغن المرموقة، ثم اتجه لدراسة الفقه في بازل، مما يدل على اهتمامه الواسع بالعلوم الإنسانية والقانون. بعد ذلك، أمضى ثلاث سنوات كقسيس وسكرتير للكاردينال ريموند بيراودي، كاردينال غورك، وهي فترة سمحت له باكتساب خبرة عملية في العمل الكنسي والإداري الرفيع. في عام 1504، بدأ إمسير إلقاء محاضرات عن الكلاسيكيات في إرفورت، وهو العام نفسه الذي شهد انطلاق شرارة الأحداث الكبرى في تاريخ الإصلاح. ومن المثير للاهتمام أن مارتن لوثر، الذي سيصبح لاحقًا خصمه اللدود، ربما كان من بين جمهوره في إرفورت، مما يلقي بظلال تاريخية على العلاقة المستقبلية بين الرجلين.
في خدمة الدوق جورج الساكسوني
في عام 1504 أيضًا، تولى إمسير منصب السكرتير لدوق جورج الساكسوني، المعروف باسم "الدوق جورج الملتحي"، الذي كان حاكم ساكسونيا الألبرتيني. كان الدوق جورج، على عكس ابن عمه فريدريك الحكيم (ناخب ساكسونيا الإرنستينية وحامي لوثر)، مدافعًا صلبًا عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ومُنح إمسير تحت رعايته منصات مهمة لخدمة الكنيسة الكاثوليكية ودحض أفكار الإصلاحيين. كان الدوق جورج عازمًا على تأمين تقديس الأسقف بينو من ميسن، وهو مشروع حظي باهتمام كبير. وفي إطار هذا المسعى، سافر إمسير عبر ساكسونيا وبوهيميا لجمع المواد والمعلومات اللازمة لكتابة سيرة بينو، التي نشرها لاحقًا باللغتين الألمانية واللاتينية. كما قام برحلة غير ناجحة إلى روما عام 1510 في سعي لنفس الهدف، مما يعكس تفانيه في خدمة راعيه وقضايا الكنيسة.
تحول في الاهتمامات الأكاديمية والمهنية
بالتوازي مع هذه المهام، استمر إمسير في إلقاء المحاضرات عن الكلاسيكيات في لايبزيغ، لكن اهتماماته بدأت تتحول تدريجيًا نحو اللاهوت والقانون الكنسي. وقد ساعده تأثير الدوق جورج في الحصول على وظيفتين كنسيتين (prebends) في درسدن عام 1509 وآخر في ميسن، مما وفر له الموارد المالية والوقت الكافي لتعميق دراساته اللاهوتية. هذا التحول أكد مساره كعالم لاهوت وداعية كنسي، وهي الأدوار التي سيلعبها بقوة في الصراع المقبل.
مرحلة الانفصال عن لوثر
في البداية، كان إمسير يميل إلى جانب الإصلاحيين، لكن رؤيته للإصلاح كانت تختلف جوهريًا عن رؤية لوثر. فمثل راعيه، أراد إمسير إصلاحًا عمليًا لرجال الدين والكنيسة دون أي خرق عقائدي مع الماضي أو مع السلطة الكنسية. كانت تعاطفاته الليبرالية ذات طابع إنساني بالدرجة الأولى، تشبه تلك التي تبناها إيراسموس وغيره من الإنسانيين الذين انفصلوا عن لوثر بعد عام 1519. فبينما كان لوثر يدعو إلى إصلاح جذري يمس أسس العقيدة، كان إمسير يسعى لإصلاح داخلي يحافظ على وحدة الكنيسة وتقاليدها. وفي أواخر عام 1519، كان لوثر لا يزال يشير إليه بـ "Emser noster" (إمسيرنا)، إلا أن مناظرة لايبزيغ التي جرت في نفس العام، وهي مواجهة لاهوتية حامية بين لوثر وخصومه، قد أكملت الشرخ بينهما، وأصبحت نقاط الخلاف العقائدي واضحة لا لبس فيها.
تصاعد العداء والجدل
بعد مناظرة لايبزيغ، تصاعد العداء بين الرجلين بشكل كبير. حذر إمسير أصدقاءه البوهيميين من لوثر، رد لوثر بهجوم عنيف على إمسير، تجاوز في حدته جميع كتاباته الجدلية السابقة. شعر إمسير بالمرارة من هذا الهجوم ومن تهكم طلاب لايبزيغ، فقلد عنف لوثر في رده، مؤكدًا أن حملة لوثر الصليبية لم تكن سوى عداء شخصي للدومينيكان. بلغ النزاع ذروته عندما رد لوثر بحرق كتب إمسير علنًا، جنبًا إلى جنب مع مرسوم الحرمان البابوي الصادر عن البابا ليو العاشر، في عمل رمزي قوي يدل على رفضه التام للسلطة الكنسية ومعارضيه.
أعماله اللاهوتية وجهوده في الإصلاح الكاثوليكي
بعد هذه الأحداث، كرس إمسير نفسه للدفاع عن العقيدة الكاثوليكية. ففي عام 1521، نشر هجومًا على "نداء لوثر إلى النبلاء الألمان"، ثم تبع ذلك بثمانية أعمال جدلية أخرى من قلمه، دافع فيها عن العقيدة الرومانية للقداس وأولوية البابا. وبناءً على طلب الدوق جورج، أعد إمسير في عام 1523 ترجمة ألمانية لكتاب الملك هنري الثامن "Assertio Septem Sacramentorum contra Lutherum" (دفاع عن الأسرار السبعة ضد لوثر)، وهو عمل مهم يبرز مدى التنسيق بين المدافعين عن الكاثوليكية. كما انتقد إمسير ترجمة لوثر للعهد الجديد، وشارك أيضًا في جدل مع أولريش زوينغلي، أحد قادة الإصلاح الآخرين. لعب إمسير دورًا نشطًا في تنظيم إصلاح الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في ألمانيا، وفي عام 1527، نشر نسخته الألمانية من العهد الجديد كإجراء مضاد لترجمة لوثر، بهدف توفير نص يتماشى مع اللاهوت الكاثوليكي. توفي إمسير في الثامن من نوفمبر من نفس العام ودُفن في درسدن، تاركًا خلفه إرثًا من الدفاع المستميت عن الكنيسة الكاثوليكية.
تقييم إرث إمسير
كان إمسير بلا شك مجادلًا قويًا، وإلى جانب يوهان إيك، كان من أبرز رجال الدين الألمان الذين وقفوا بحزم إلى جانب الكنيسة القديمة في وجه تحديات الإصلاح. ومع ذلك، لم يكن يُعد عالمًا لاهوتيًا عظيمًا بالمعنى الأكاديمي العميق. كانت الأخطاء التي اكتشفها في العهد الجديد لـ لوثر في معظمها اختلافات مشروعة في القراءات بين النصوص اليونانية المتاحة والترجمة اللاتينية "الفولغاتا" المعتمدة للكنيسة الرومانية، وليس أخطاء جوهرية في الترجمة نفسها. وفي الواقع، كانت نسخته الخاصة من العهد الجديد مجرد تكييف لترجمة لوثر لتلبية متطلبات "الفولغاتا"، مما يشير إلى أنه كان يعمل على التوفيق بين النصوص أكثر من كونه يقدم ترجمة أصلية بالكامل. كان شعار إمسير عبارة عن رأس ماعز، وكان لوثر يسخر منه بتسميته "Bock-Emser" (إمسير الماعز) و "Ægoceros" (باللاتينية تعني ذو قرن الماعز)، مما يعكس طبيعة الجدالات الشخصية والسخرية التي كانت سائدة في تلك الحقبة.
الأسئلة الشائعة
- من هو جيروم إمسير؟
- كان جيروم إمسير عالم لاهوت كاثوليكي ألماني وخصمًا بارزًا لمارتن لوثر، معروفًا بدفاعه عن العقيدة الكاثوليكية ومشاركته في الجدالات الدينية خلال فترة الإصلاح.
- ما هو موقف إمسير الأولي من الإصلاح الديني؟
- في البداية، كان إمسير يميل إلى الإصلاح، لكنه كان يؤيد إصلاحًا عمليًا لرجال الدين والكنيسة من الداخل، دون المساس بالعقائد أو إحداث انشقاق مع الماضي أو الكنيسة.
- ما الذي أدى إلى الانفصال بين إمسير ومارتن لوثر؟
- تسببت مناظرة لايبزيغ عام 1519 في تفاقم الخلافات العقائدية بينهما، وتلاها جدالات حادة وهجمات متبادلة، بلغت ذروتها بحرق لوثر لكتب إمسير علنًا.
- ما هو الإسهام الرئيسي لإمسير في الإصلاح الكاثوليكي المضاد؟
- من أبرز إسهاماته الدفاع عن العقيدة الرومانية للقداس وأولوية البابا، ونشر ترجمة ألمانية للعهد الجديد في عام 1527 لتكون بديلاً كاثوليكيًا لترجمة لوثر.
- كيف قورنت ترجمة إمسير الألمانية للعهد الجديد بترجمة لوثر؟
- كانت ترجمة إمسير في الأساس تكييفًا لترجمة لوثر، مع تعديلات لجعلها متوافقة مع متطلبات الترجمة اللاتينية "الفولغاتا" المعتمدة من الكنيسة الكاثوليكية، بدلاً من أن تكون ترجمة أصلية تمامًا.
- ما هي أهمية الدوق جورج الساكسوني في حياة إمسير؟
- كان الدوق جورج راعيًا قويًا لإمسير ومدافعًا صلبًا عن الكاثوليكية الرومانية، وقد وفر لإمسير الدعم والموارد لتأليف أعماله الجدلية ومتابعة دراساته اللاهوتية ودعم قضايا الكنيسة الكاثوليكية.
- ما هو شعار إمسير الشخصي؟
- كان شعار إمسير عبارة عن رأس ماعز، وقد استغله لوثر للسخرية منه من خلال تسميته "Bock-Emser" (إمسير الماعز) و "Ægoceros".

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 