وليام نورويتش ، ضحية قتل طفل

في قلب إنجلترا النورماندية، وتحديداً في مدينة نورويتش التاريخية، تُعد قصة ويليام، الصبي الإنجليزي الذي عُرف باسم ويليام أوف نورويتش، فصلاً مؤلماً ومحورياً في تاريخ العلاقات اليهودية المسيحية في العصور الوسطى. وُلد هذا الصبي في الثاني من فبراير عام 1132، وتُوفي في الثاني والعشرين من مارس عام 1144 في ظروف غامضة، أدت وفاته إلى اتهام المجتمع اليهودي في نورويتش، وهو اتهام لم يكن يستند إلى أدلة قطعية، ولكنه ترك بصمة لا تُمحى كأول حادثة مسجلة لما عُرف لاحقاً بـ "فرية الدم" في أوروبا.

قصة ويليام والاتهام الأول بفرية الدم

كان ويليام أوف نورويتش صبياً إنجليزياً يافعاً يعمل كدباغ مبتدئ، مما كان يستدعي تواصله المتكرر مع التجار والعملاء في المدينة، بمن فيهم أفراد من الجالية اليهودية. كانت طبيعة عمله تقتضي زيارات منتظمة لمنازل مختلفة، بما في ذلك منازل اليهود، كجزء من تجارته اليومية. في الثاني والعشرين من مارس عام 1144، عُثر على جثة ويليام في غابة خارج نورويتش، وبقيت ظروف وفاته لغزاً محيراً لم يُحل قط.

في أعقاب هذه الحادثة المأساوية، انتشرت في المجتمع المحلي بنورويتش اتهامات بأن الجالية اليهودية كانت مسؤولة عن وفاة الصبي. تجدر الإشارة إلى أن هذه الاتهامات لم تكن مبنية على أدلة دامغة، وقد عزا البعض انتشارها إلى تصاعد التوترات الدينية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الحقبة. وعلى الرغم من الضغط الشعبي المتزايد، لم تتمكن السلطات المحلية من إدانة أي فرد من أفراد الجالية اليهودية لعدم كفاية الأدلة، مما يؤكد غياب الأساس القانوني لهذه الاتهامات في ذلك الوقت.

تطوّر الأحداث بعد وفاة ويليام

على الرغم من عدم وجود إدانة رسمية، اكتسبت قصة ويليام صدى شعبياً كبيراً. فبعد فترة وجيزة من وفاته، بدأ الناس في نورويتش ينسبون إليه معجزات، مما أدى إلى نشوء عبادة شعبية حول شخصيته. وبفضل هذه الروايات، نال ويليام لقب "قديس" في نظر المجتمع المحلي، حتى وإن لم يتم تقديسه رسمياً من قبل الكنيسة الكاثوليكية بالمعنى المتعارف عليه، بل كان تقديساً شعبياً مدفوعاً بالإيمان المحلي والروايات المتناقلة.

"حياة ومعجزات القديس ويليام أوف نورويتش": المصدر الأساسي

المصدر الرئيسي الذي روى قصة ويليام وتفاصيل الاتهام الذي وجه لليهود هو عمل لاتيني متعدد المجلدات بعنوان "حياة ومعجزات القديس ويليام أوف نورويتش" (The Life and Miracles of St. William of Norwich). قام بتأليف هذا العمل الراهب توماس أوف مونماوث، الذي كان عضواً في دير نورويتش البيندكتيني.

• بداية التأليف: بدأ توماس أوف مونماوث في كتابة هذا العمل حوالي عامي 1149 أو 1150، أي بعد حوالي خمس سنوات من وفاة ويليام.
• مدة الإنجاز: استمر توماس في عمله لسنوات طويلة، حيث أكمل المجلد السابع بحلول عام 1173، مما يدل على الجهد الكبير الذي بذله في جمع الروايات وكتابة التفاصيل.
• طبيعة العمل: يجمع الكتاب بين السيرة الذاتية لويليام وروايات عن المعجزات المزعومة التي نُسبت إليه بعد وفاته، بالإضافة إلى تفاصيل الاتهام الموجه ضد الجالية اليهودية. وقد كان هذا العمل مؤثراً بشكل كبير في تشكيل الرأي العام وتأجيج مشاعر العداء ضد اليهود في تلك الحقبة.
• الرأي النقدي: علّق أوغسطس جيسوب (1823-1914)، أحد محرري النسخة المطبوعة الأولى من عمل توماس في العصر الحديث، على شخصية توماس أوف مونماوث قائلاً إنه ينتمي إلى فئة "المخادعين والمخدوعين". هذا التعليق يشير إلى طبيعة السرد الذي قد يكون قد تأثر بالتحيزات الدينية والاجتماعية للراهب نفسه، ويثير تساؤلات حول مدى الحياد والموضوعية في نقل الأحداث.

"فرية الدم" وآثارها التاريخية

تُعد قضية ويليام أوف نورويتش أول اتهام موثق في العصور الوسطى ضد اليهود بارتكاب "فرية الدم" أو "القتل الطقسي". هذه التهمة الباطلة، التي انتشرت بشكل واسع في أوروبا لقرون، تزعم أن اليهود يقومون بقتل الأطفال المسيحيين طقوسياً، وغالباً ما تتضمن فكرة استخدام دمائهم في طقوسهم الدينية. على الرغم من عدم وجود أي أساس تاريخي أو ديني لهذه المزاعم، فقد استخدمت "فرية الدم" مراراً وتكراراً كذريعة للاضطهاد والعنف ضد الجاليات اليهودية في جميع أنحاء القارة، مما تسبب في موجات من المذابح والتهجير.

لقد أدت هذه الحادثة في نورويتش إلى ترسيخ سابقة خطيرة، حيث ألهمت حوادث مماثلة وادعاءات كاذبة في مناطق أخرى من أوروبا، لتصبح "فرية الدم" سلاحاً فتاكاً في ترسانة معاداة السامية، تاركة وراءها إرثاً من الألم والظلم لجاليات اليهود لعدة قرون تالية.

أسئلة شائعة (FAQs)

من كان ويليام أوف نورويتش؟

كان ويليام أوف نورويتش صبياً إنجليزياً وُلد عام 1132 وتُوفي في ظروف غامضة عام 1144. نُسبت وفاته، ظلماً، إلى الجالية اليهودية في نورويتش، مما جعله محور أول اتهام معروف بـ "فرية الدم" في العصور الوسطى.

ما هي "فرية الدم"؟

هي اتهام كاذب وضار انتشر في العصور الوسطى، يزعم أن اليهود يقومون بقتل الأطفال المسيحيين طقوسياً لجمع دمائهم واستخدامها في طقوسهم الدينية. هذه الفرية لم تستند إلى أي دليل تاريخي أو ديني حقيقي، ولكنها استُخدمت لتبرير اضطهاد اليهود.

هل أدانت السلطات المحلية اليهود في قضية ويليام؟

لا، لم تدين السلطات المحلية اليهود في نورويتش بارتكاب الجريمة بسبب عدم كفاية الأدلة. رغم ذلك، استمرت الاتهامات الشعبية في الانتشار.

هل تم تقديس ويليام أوف نورويتش رسمياً من قبل الكنيسة الكاثوليكية؟

لم يتم تقديس ويليام أوف نورويتش رسمياً كقديس من قبل الكنيسة الكاثوليكية الجامعة. بل نال لقب "قديس" من خلال عبادة شعبية محلية في نورويتش، حيث نُسبت إليه معجزات بعد وفاته.

ما أهمية عمل توماس أوف مونماوث؟

عمل توماس أوف مونماوث، "حياة ومعجزات القديس ويليام أوف نورويتش"، هو المصدر التاريخي الأساسي الذي روى قصة ويليام وتفاصيل الاتهام. على الرغم من طبيعته المتحيزة، فإنه يُعتبر وثيقة مهمة لفهم كيفية نشأة وتطور اتهامات "فرية الدم" في أوروبا وما تلاها من آثار اجتماعية ودينية.