كان واد هامبتون الثالث (28 مارس 1818 - 11 أبريل 1902) شخصية محورية في تاريخ ولاية كارولينا الجنوبية والولايات المتحدة عمومًا، حيث جسّد تعقيدات حقبة مضطربة شهدت تحولات كبرى. امتدت حياته من عصر ما قبل الحرب الأهلية، كأحد كبار ملاك العبيد والمشرّعين، إلى خضم الحرب الأهلية الأمريكية حيث ارتقى لرتبة فريق في سلاح الفرسان الكونفدرالي. بعد الحرب، قاد هامبتون حركة "الفاديين" التي سعت إلى إعادة الحكم الأبيض إلى ولايته بعد فترة إعادة الإعمار، ليشغل بعد ذلك منصب حاكم الولاية ثم عضو مجلس الشيوخ الأمريكي.
نشأته وحياته قبل الحرب الأهلية
وُلد واد هامبتون الثالث في 28 مارس 1818 لعائلة ثرية ومرموقة في تشارلستون، بولاية كارولينا الجنوبية. كانت عائلة هامبتون تمتلك مزارع شاسعة وثروة كبيرة مبنية بشكل أساسي على زراعة القطن والأرز، مما جعلها من الأسر الأكثر نفوذًا وتأثيرًا في الجنوب. تلقى تعليمه في جامعة ساوث كارولينا وتخرج منها عام 1836. قبل اندلاع الحرب الأهلية، كان هامبتون نفسه يمتلك العديد من المزارع التي تضمنت آلاف الأفدنة الزراعية ومئات العبيد، مما جعله واحدًا من أكبر مالكي العبيد في جنوب شرق الولايات المتحدة. إلى جانب إدارة ممتلكاته الواسعة، شارك هامبتون بنشاط في الحياة السياسية لولايته، حيث شغل منصب مشرع في جمعية كارولينا الجنوبية، مما أتاح له التأثير في القوانين والسياسات التي شكلت المجتمع الجنوبي آنذاك.
خدمته العسكرية في الحرب الأهلية الأمريكية
مع تصاعد التوترات بين الشمال والجنوب وانفصال كارولينا الجنوبية عن الاتحاد عام 1860، انخرط واد هامبتون الثالث في خدمة الولايات الكونفدرالية الأمريكية. على الرغم من معارضته الأولية للانفصال، إلا أنه كان مخلصًا لولايته. قام بتشكيل وتمويل "فيلق هامبتون" الخاص به، والذي ضم وحدات من المشاة والمدفعية والفرسان، وقدمه لخدمة الكونفدرالية. أثبت هامبتون نفسه كقائد عسكري شجاع وماهر في سلاح الفرسان الكونفدرالي، حيث شارك في العديد من المعارك الكبرى، بما في ذلك معركة الثور الأولى (ماناساس الأولى)، ومعركة أنتيتام، ومعركة غيتيسبيرغ، ومعركة براندي ستيشن. عُرف بشجاعته التكتيكية وقدرته على قيادة رجاله في أصعب الظروف، وأصيب عدة مرات خلال الحرب لكنه استمر في الخدمة. ارتقى في الرتب بسرعة، ووصل في النهاية إلى رتبة فريق (Lieutenant General) في عام 1865، ليصبح أحد أبرز قادة الفرسان في الجيش الكونفدرالي، وقد خلف الجنرال جي.إي.بي ستيوارت كقائد لسلاح الفرسان بعد وفاته.
فترة إعادة الإعمار وحركة "الفاديين"
بعد هزيمة الكونفدرالية وانتهاء الحرب الأهلية في عام 1865، دخلت الولايات الجنوبية فترة مضطربة ومعقدة عُرفت باسم "إعادة الإعمار". كان الهدف منها إعادة دمج الولايات المنفصلة في الاتحاد، ومنح الحقوق المدنية للمحررين حديثًا (العبيد السابقين). خلال هذه الفترة، عانت كارولينا الجنوبية، شأنها شأن بقية الجنوب، من دمار واسع وتغيرات اجتماعية وسياسية جذرية. ظهر واد هامبتون كزعيم لحركة "الفاديين" (Redeemers) في كارولينا الجنوبية. كان "الفاديون" يمثلون ائتلافًا من الديمقراطيين البيض الذين سعوا إلى "فداء" الجنوب من حكم "جمهوريو الكاربت باجرز" (المغامرون الشماليون) و"سكالاوغز" (الجنوبيون الذين تعاونوا مع الجمهوريين) والمحررين السود، بهدف استعادة السلطة السياسية للبيض وتثبيت نظام الفصل العنصري. لقد رأوا في إعادة الإعمار محاولة لفرض تغييرات غير مرغوب فيها على مجتمعهم، وسعوا لإعادة تأسيس ما اعتبروه "النظام الطبيعي" للمجتمع الجنوبي.
الحملة الانتخابية العنيفة لعام 1876 و"القمصان الحمر"
توجت هذه الجهود بحملة هامبتون لمنصب حاكم ولاية كارولينا الجنوبية في عام 1876، وهي حملة تاريخية تميزت بمستوى غير مسبوق من العنف والاضطراب. في تلك الانتخابات، واجه هامبتون المرشح الجمهوري دانيال هنري تشامبرلين. لدعم حملة هامبتون والحزب الديمقراطي، ظهرت مجموعة شبه عسكرية عُرفت باسم "القمصان الحمر" (Red Shirts). كان أعضاء "القمصان الحمر"، الذين غالبًا ما كانوا يرتدون قمصانًا حمراء مميزة ويركبون الخيول، يستخدمون تكتيكات الترهيب والعنف المنظم لتعطيل الانتخابات وقمع تصويت السود والجمهوريين في الولاية. قاموا بتخويف الناخبين، وعقدوا مسيرات مسلحة، واستخدموا العنف الجسدي لضمان فوز الديمقراطيين. على الرغم من هذه الممارسات، أو ربما بسببها، أُعلن فوز واد هامبتون الثالث في الانتخابات، متغلبًا على تشامبرلين بفارق ضئيل. شكلت هذه الانتخابات نقطة تحول حاسمة، حيث أدت إلى انسحاب القوات الفيدرالية من الولاية كجزء من تسوية سياسية أوسع (تسوية 1877)، مما أفسح المجال أمام "الفاديين" لإعادة فرض الحكم الأبيض بشكل كامل في كارولينا الجنوبية.
الحاكم وعضو مجلس الشيوخ
تولى واد هامبتون الثالث منصب حاكم ولاية كارولينا الجنوبية في ديسمبر 1876، واستمر في منصبه حتى عام 1879. خلال فترة حكمه، سعى هامبتون إلى تحقيق "المصالحة" بين البيض والسود ظاهريًا، بينما كان يعمل في الواقع على ترسيخ سلطة الحزب الديمقراطي الأبيض. لقد نجح في استعادة سيطرة الديمقراطيين على جميع فروع حكومة الولاية، مما أدى تدريجيًا إلى تهميش حقوق التصويت للمحررين السود وتطبيق قوانين جيم كرو العنصرية لاحقًا. بعد انتهاء فترة ولايته كحاكم، انتقل هامبتون إلى الساحة السياسية الوطنية، حيث انتُخب عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كارولينا الجنوبية. خدم في مجلس الشيوخ لفترتين متتاليتين، من عام 1879 إلى عام 1891، حيث واصل تمثيل مصالح ولايته والجنوب في واشنطن العاصمة.
حياته المتأخرة وإرثه
بعد مسيرة مهنية حافلة بالخدمة العسكرية والسياسية، تقاعد واد هامبتون الثالث من الحياة العامة. توفي في 11 أبريل 1902، عن عمر يناهز 84 عامًا، ودُفن في كولومبيا، كارولينا الجنوبية. يظل هامبتون شخصية معقدة ومثيرة للجدل في التاريخ الأمريكي. يعتبره الكثيرون في الجنوب بطلاً حربيًا وقائدًا أعاد "الفداء" لولايتهم، ومثلاً للشجاعة والتفاني. في المقابل، يراه النقاد شخصية محورية في قمع حقوق السود ووضع الأسس لنظام الفصل العنصري الذي استمر لعقود بعد وفاته. إرثه يمثل تذكيرًا دائمًا بالصراعات العميقة حول العرق والسلطة والعدالة التي شكلت وما زالت تشكل تاريخ الولايات المتحدة.
الأسئلة المتكررة (FAQs)
- من هو واد هامبتون الثالث؟
- واد هامبتون الثالث (1818-1902) كان ضابطًا عسكريًا أمريكيًا خدم برتبة فريق في سلاح الفرسان الكونفدرالي خلال الحرب الأهلية الأمريكية، ثم أصبح سياسيًا بارزًا في ولاية كارولينا الجنوبية، حيث شغل منصب الحاكم وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي.
- ما هو دوره الرئيسي في الحرب الأهلية الأمريكية؟
- قاد واد هامبتون الثالث فيلق هامبتون وأصبح أحد أبرز قادة الفرسان في الجيش الكونفدرالي، حيث ارتقى إلى رتبة فريق وشارك في معارك كبرى مثل غيتيسبيرغ وبراندي ستيشن.
- ما هي حركة "الفاديين" التي قادها؟
- حركة "الفاديين" (Redeemers) كانت ائتلافًا سياسيًا من الديمقراطيين البيض في الجنوب بعد الحرب الأهلية، سعت إلى إنهاء فترة إعادة الإعمار، وطرد السياسيين الجمهوريين من الولاية، واستعادة السيطرة السياسية للبيض، وإعادة فرض نظام الفصل العنصري والتمييز.
- من هم "القمصان الحمر" وما كان دورهم؟
- "القمصان الحمر" (Red Shirts) كانت مجموعة شبه عسكرية من الديمقراطيين البيض في ولاية كارولينا الجنوبية (وغيرها من ولايات الجنوب) خلال حملة انتخابات عام 1876. استخدموا تكتيكات العنف والترهيب لتعطيل الانتخابات وقمع تصويت الناخبين السود والجمهوريين، بهدف ضمان فوز واد هامبتون الثالث والحزب الديمقراطي.
- ماذا كانت أهم إنجازاته السياسية بعد الحرب؟
- بعد الحرب، انتُخب واد هامبتون الثالث حاكمًا لكارولينا الجنوبية من 1876 إلى 1879، حيث رسخ الحكم الديمقراطي الأبيض. ثم شغل منصب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي لفترتين من 1879 إلى 1891.
- لماذا يعتبر واد هامبتون الثالث شخصية مثيرة للجدل؟
- يُنظر إليه على أنه بطل حرب وقائد استعاد "الفداء" لولايته من قبل مؤيديه في الجنوب، بينما ينتقده آخرون لدوره المحوري في قمع حقوق السود وإرساء أسس الفصل العنصري بعد إعادة الإعمار.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 