يُعد كريشنا شاندرا داي، المعروف على نطاق واسع باسم ك. سي. داي، أحد الأعمدة البارزة في تاريخ الموسيقى الهندية، إذ كانت حياته ومسيرته المهنية مثالاً للتفاني والإبداع رغم التحديات الجمة. وُلد داي في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1893 في مدينة كلكتا، التي تُعرف الآن بكولكاتا، والتي كانت آنذاك مركزًا ثقافيًا وفنيًا نابضًا بالحياة. لم يكن داي مجرد فنان واحدي الموهبة، بل كان موسوعيًا في عالم الموسيقى: مديرًا موسيقيًا، وملحنًا بارعًا، وموسيقيًا قديرًا، ومغنيًا مؤثرًا، وممثلاً متمكنًا، ومعلمًا للموسيقى ترك بصمته على أجيال.
أفراحه وتحدياته المبكرة
نشأ كريشنا شاندرا داي في كنف عائلة تقدر الفنون، فكان والده شيبشاندرا داي داعمًا لمواهبه. ولكن القدر كان يحمل له اختبارًا قاسيًا في عام 1906، عندما كان يبلغ من العمر أربعة عشر عامًا فقط؛ إذ فقد بصره بالكامل، ليواجه العالم مظلمًا. ورغم هذا الفقدان المفاجئ والمأساوي، لم يستسلم داي لليأس، بل حول تحديه إلى مصدر قوة، ليصقل حواسه الأخرى ويُعزز من قدراته الموسيقية، مُبرهنًا أن الفن لا يعرف حدودًا.
مسيرته الفنية: من المسرح إلى الشهرة
بدأ ك. سي. داي رحلته الفنية في عالم المسرح، الذي كان يمثل آنذاك منصة رئيسية للفنانين لتقديم مواهبهم. عمل مع العديد من الفرق المسرحية المتنوعة، وصقل مهاراته الأدائية والغنائية على خشبة المسرح. بلغت مسيرته المسرحية ذروتها عندما انضم إلى فرقة "نيو ثييترز" المرموقة في كولكاتا، والتي كانت آنذاك من أهم المؤسسات الفنية في الهند، واستمر في العمل معها حتى عام 1940. خلال هذه الفترة، أسس داي لنفسه سمعة قوية كمغنٍ وممثل مؤثر، وكان معروفًا بشكل خاص بأغانيه من نوع "كيرتان" (Kirtan) الدينية، التي عُرفت بعمقها الروحي وجمالها اللحني، والتي كانت تعكس روح البنغال وتراثها الموسيقي الغني.
رعاية النخبة وتنوع الأداء
حظي ك. سي. داي بتقدير كبير من الطبقات العليا والمثقفة في كلكتا. وكان يحظى بالرعاية من قِبل العديد من العائلات النخبوية التي احتفت بفنه، وغالبًا ما كان يصدح صوته في الجلسات الموسيقية الخاصة بـ "راجبارِي سوفابازار" (قصور سوفابازار الملكية) و"ميترا هاوس أوف شارع خرزون" وغيرها من التجمعات المرموقة. تُوجت هذه المسيرة الفنية الحافلة بتسجيله لحوالي 600 أغنية، ما بين البنغالية، والهندية، والأردية، والغوجاراتية، مما يعكس مدى براعته اللغوية والموسيقية وقدرته على الوصول إلى جماهير متنوعة عبر شبه القارة الهندية. ومن بين هذه الأعمال، سجل أيضًا ثمانية "ناعت" (Naats)، وهي أغاني دينية إسلامية، مما يبرز اتساع أفقه الفني وقدرته على تجاوز الحواجز الثقافية والدينية من خلال الموسيقى.
العصر السينمائي والانتقال إلى بومباي
مع بزوغ فجر السينما الهندية، لم يتخلف ك. سي. داي عن ركب التطور. بدأ في الغناء وتأليف الموسيقى للأفلام في عام 1932، واستمر في هذا المجال حتى عام 1946. بالإضافة إلى مواهبه الغنائية والتلحينية، شارك أيضًا في التمثيل خلال نفس الفترة. كانت رحلاته المتكررة من كلكتا إلى بومباي (التي أصبحت تُعرف لاحقًا بمومباي) أمرًا شائعًا لمشاركته في المشاريع السينمائية المزدهرة. وفي عام 1942، اتخذ داي قرارًا مصيريًا بالانتقال بشكل دائم إلى بومباي، مركز صناعة السينما الهندية. ومع ذلك، لم تستمر مسيرته السينمائية طويلاً؛ ففي عام 1946، قرر داي الاعتزال من صناعة الأفلام، مُعللاً قراره بتدهور جودة الموسيقى والغناء في هذا المجال، وهو ما يعكس التزامه الراسخ بالتميز الفني ومعاييره العالية.
إرث لا يُمحى
بعد اعتزاله السينما، عاد ك. سي. داي إلى كولكاتا، حيث توفي هناك في الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1962. ورغم رحيله، فإن إرثه الموسيقي لا يزال حيًا، ليس فقط من خلال تسجيلاته الكثيرة، ولكن أيضًا من خلال تأثيره على الأجيال اللاحقة من الفنانين. وكان المغني الشهير مانا داي، الذي أصبح فيما بعد واحدًا من عمالقة الغناء التشغيلي في الهند، ابن أخيه، مما يؤكد على استمرارية العبقرية الموسيقية في عائلتهم. يُذكر ك. سي. داي كفنان استثنائي تحدى الصعاب، وشق طريقه في عالم الفن ليصبح من أبرز الأصوات التي أثرت الموسيقى الهندية بتنوعها وعمقها الروحي والفني.
أسئلة شائعة
- من هو ك. سي. داي؟
- ك. سي. داي، أو كريشنا شاندرا داي، هو فنان هندي متعدد المواهب وُلد في كلكتا، وكان مديرًا موسيقيًا، وملحنًا، وموسيقيًا، ومغنيًا، وممثلاً، ومعلمًا للموسيقى، ويُعتبر أحد الرواد في الموسيقى الهندية خلال القرن العشرين.
- ما هو أبرز إنجازاته أو مساهماته الفنية؟
- يُذكر ك. سي. داي بشكل خاص بأغانيه من نوع "كيرتان" التي عُرفت بعمقها الروحي. كما أنه كان فنانًا شاملاً غنى ولحن ومثل في الأفلام، وترك وراءه حوالي 600 أغنية بلغات هندية مختلفة، وكان له دور كبير في تطوير الموسيقى البنغالية والهندية.
- كيف أثر فقدانه للبصر على مسيرته المهنية؟
- على الرغم من فقدانه لبصره في سن الرابعة عشرة، لم يعق ذلك مسيرته، بل ربما حفزه على صقل حواسه الموسيقية الأخرى بشكل أكبر. فقد تحدى الصعاب ليصبح فنانًا مشهورًا ومؤثرًا، مما يبرهن على قوة إرادته وموهبته الفطرية.
- ما هي علاقته بس. د. بورمان ومانا داي؟
- كان ك. سي. داي المعلم والمُربي الموسيقي الأول لس. د. بورمان، الذي أصبح فيما بعد ملحنًا ومغنيًا أسطوريًا. كما كان عمه للمغني التشغيلي الشهير مانا داي، مما يسلط الضوء على عمق تأثيره وامتداد إرثه الموسيقي العائلي.
- لماذا اعتزل ك. سي. داي صناعة الأفلام؟
- اعتزل ك. سي. داي صناعة الأفلام في عام 1946 بسبب اعتقاده أن جودة الموسيقى والغناء فيها بدأت تتدهور. يعكس هذا القرار التزامه الشديد بالمعايير الفنية العالية ورفضه للمساومة على جودة فنه.
- ما اللغات التي غنى بها ك. سي. داي؟
- غنى ك. سي. داي في العديد من اللغات الهندية، بما في ذلك البنغالية، والهندية، والأردية، والغوجاراتية، مما يظهر مرونته اللغوية والموسيقية وقدرته على الوصول إلى جمهور واسع ومتنوع.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 