يعقوب السروج ، الشاعر واللاهوتي السوري (مواليد 451)

في سجلات المسيحية السريانية، تبرز شخصيات قليلة بلمعان مار يعقوب الساروجي، الذي يُعد بلا شك واحدًا من عمالقة الفكر اللاهوتي والشعر في عصره. يعقوب الساروج (بالسريانية: ܝܥܩܘܒ ܣܪܘܓܝܐ، ويُلفظ: Yaqu Sruḡāyâ، وبالنطق السرياني الكلاسيكي: [jaˤˈquβ sᵊˌruɣˈɒˌjɒ])، الذي يُشار إليه غالبًا بلقب "مار يعقوب" تقديرًا لمكانته الروحية، وُلد حوالي عام 451 ميلادي وتوفي في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 521 ميلادي. اسمه الجغرافي "الساروجي" مشتق من سروج أو سيروج، وهي بلدة تاريخية تُنسب إليه، وقد عُرف أيضًا باللاتينية باسم Iacobus Sarugiensis.

كان مار يعقوب شخصية محورية في المشهد الثقافي واللاهوتي للمسيحية الشرقية خلال حقبة تُعرف بالعصر الذهبي للأدب السرياني، حيث ازدهرت المدن مثل الرها ونصيبين كمراكز للتعلم والروحانية. وقد وُضع في مصاف أندرين الشعراء واللاهوتيين السريان، وغالبًا ما يُعتبر ثانيًا بعد أفرام السوري في الأهمية، وموازيًا لنارساي في تأثيره.

من هو مار يعقوب الساروجي؟

مار يعقوب الساروجي، الذي عاش في الفترة الممتدة من منتصف القرن الخامس إلى أوائل القرن السادس الميلادي، كان قسًا ولاهوتيًا بارعًا، ومطرانًا لمدينة باتنان في سروج. تُشير حياته إلى فترة شهدت تحولات عميقة في الكنيسة الشرقية، وقد كان صوته قويًا في تعليم العقيدة ونشرها بلغة شعرية ساحرة ومفهومة. إنّ دوره كشاعر وعالم لاهوت لم يكن مقتصرًا على الأوساط النخبوية، بل امتد ليشمل عامة الشعب من خلال مواعظه التي كانت تُلقى بأسلوب يلامس الروح والعقل.

اشتهر يعقوب الساروجي بلقب "مزمار الروح" في المسيحية الأنطاكية السريانية. هذا اللقب يحمل دلالة عميقة، فهو يقابل لقب "قيثارة الروح" الذي أُطلق على سلفه القديس أفرام السوري. فبينما كانت قيثارة أفرام تُعرف بترانيمها العفوية والمُبهجة التي تحرك المشاعر وتُعلي الروح، فإن مزمار يعقوب يُشير إلى قدرته على تقديم التعاليم اللاهوتية العميقة والمعقدة بأسلوب منهجي وواضح، يتدفق بسلاسة ورخامة، ليُغذي النفوس بالمعرفة والإيمان، ويُعلّم الحقائق الروحية بطريقة سهلة الهضم والتحصيل.

الميمريات: كنوز شعرية ولاهوتية

إنّ أبرز ما يُميز إرث مار يعقوب هو مجموعته الضخمة من المواعظ الشعرية، المعروفة بالسريانية باسم "الميمريات" (ܡܐܡܖ̈ܐ، وتُلفظ كلاسيكيًا: [memˌre]). هذه الميمريات هي قصائد طويلة ذات طابع تعليمي ووعظي، تتميز بأسلوبها الشعري البليغ وقافيتها الموزونة، وكانت تُستخدم غالبًا في الليتورجيا والتعليم الكنسي. لقد كتب يعقوب الساروجي أكثر من سبعمئة عظة أو ميمرا، وهي شهادة على غزارة إنتاجه الأدبي واللاهوتي وعمق فكره.

حتى وقتنا الحاضر، تم تحقيق وتحرير ونشر 225 ميمرا من هذه المجموعة الواسعة، وهي تُقدم لنا نافذة فريدة على اللاهوت السرياني وفهم الكنيسة في عصره. تتناول هذه الميمريات مواضيع متنوعة تشمل قصص الكتاب المقدس، وشرح العقائد المسيحية، وحياة القديسين، ومواعظ عن الأخلاق والفضيلة. إنها لم تكن مجرد نصوص أدبية، بل كانت أدوات تعليمية قوية ساهمت في تشكيل الوعي الديني والثقافي للمجتمعات السريانية لقرون طويلة.

إرث لا يزال حيًا

يمتد تأثير مار يعقوب الساروجي إلى ما هو أبعد من مجرد كونه لاهوتيًا أو شاعرًا؛ فقد كان مُربيًا روحيًا حقيقيًا. نصوصه، بجمالها اللغوي وعمقها اللاهوتي، استمرت في إلهام الأجيال وتغذية الإيمان. فمن خلال "مزمار الروح"، ترك لنا يعقوب الساروجي إرثًا خالدًا من الحكمة والإرشاد، يتردد صداه حتى يومنا هذا في الليتورجيات والصلوات والكتابات اللاهوتية للكنائس السريانية حول العالم. إنّ دراسة أعماله لا تزال ضرورية لفهم تاريخ اللاهوت السرياني وتطوره.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

من هو يعقوب الساروجي؟

يعقوب الساروجي هو أحد أبرز اللاهوتيين والشعراء السريان، عاش بين حوالي 451 و 521 ميلادي. يُعرف بلقب "مزمار الروح" وبمجموعته الضخمة من المواعظ الشعرية المعروفة باسم "الميمريات".

ما هي "الميمريات"؟

الميمريات هي قصائد طويلة ذات طابع تعليمي ووعظي كتبها يعقوب الساروجي باللغة السريانية. تتميز بأسلوبها الشعري البليغ وتتناول مواضيع لاهوتية وكتابية وأخلاقية، وكانت تُستخدم في الليتورجيا والتعليم الكنسي.

لماذا يُلقب يعقوب الساروجي بـ "مزمار الروح"؟

يُلقب بهذا الاسم لقدرته الفائقة على تقديم التعاليم اللاهوتية المعقدة بأسلوب سلس وواضح ومفهوم شعريًا، يُغذي الروح بالمعرفة والإيمان، وذلك على غرار المزمار الذي يُخرج أنغامًا متدفقة ومنظمة. ويُقارن هذا اللقب بلقب "قيثارة الروح" الذي كان لأفرام السوري.

كم عدد الميمريات التي كتبها؟

كتب يعقوب الساروجي أكثر من سبعمئة عظة (ميمرا)، وقد تم حتى الآن تحرير ونشر 225 منها فقط.

ما هو الإطار الزمني لحياته؟

عاش يعقوب الساروجي من حوالي عام 451 ميلادي حتى 29 نوفمبر 521 ميلادي، أي خلال القرن الخامس وأوائل القرن السادس الميلادي.