البابا بونيفاس التاسع (مواليد 1356)

البابا بونيفاس التاسع، الذي عُرف قبل انتخابه باسم بيترو توماسيلي، كان شخصية محورية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية خلال إحدى أحلك فتراتها. وُلد بيترو حوالي عام 1350 في مدينة نابولي الإيطالية لعائلة نبيلة وإن كانت متواضعة الحال، وترأس الكنيسة الكاثوليكية كحبر أعظم في فترة عصيبة من تاريخها، امتدت من 2 نوفمبر 1389 حتى وفاته في الأول من أكتوبر 1404. يُعد بونيفاس التاسع البابا الروماني الثاني خلال حقبة الانشقاق الغربي الكبرى، وهي فترة تاريخية شهدت تنازع عدة مدعين على كرسي البابوية في وقت واحد، مما ألقى بظلاله الكثيفة على وحدة الكنيسة وسلطتها. والمثير للاهتمام أنه آخر من حمل الاسم البابوي "بونيفاس" حتى يومنا هذا، مما يمنحه مكانة فريدة في سجلات التاريخ البابوي.

حياته المبكرة ومساره نحو البابوية

وُلد بيترو توماسيلي لعائلة نبيلة وإن كانت متواضعة الحال من نابولي، وتلقى تعليمًا جيدًا قبل أن ينخرط في السلك الكنسي. كان يتمتع بذكاء إداري ومواهب تنظيمية لفتت انتباه البابا أوربان السادس، الذي رقّاه إلى رتبة كاردينال في عام 1381. بعد وفاة أوربان السادس في عام 1389، وفي ظل تفاقم أزمة الانشقاق، اجتمع الكرادلة الموالون لروما لانتخاب خلف له. وقع اختيارهم على بيترو توماسيلي، الذي عُرف بمقدرته على القيادة وتفانيه، ليصعد إلى كرسي القديس بطرس تحت اسم بونيفاس التاسع. كان انتخابه في روما ردًا مباشرًا على وجود بابا آخر في أفينيون، مما عمق الانقسام الذي كان يمزق الكنيسة الكاثوليكية.

فترة بابويته في خضم الانشقاق الغربي

تزامنت فترة بابوية بونيفاس التاسع مع ذروة الانشقاق الغربي، الذي بدأ في عام 1378 وأدى إلى وجود خطين بابويين متنافسين: أحدهما في روما والآخر في أفينيون بفرنسا. في تلك الآونة، كان البابوات المنافسون في أفينيون، كليمنت السابع ومن بعده بنديكتوس الثالث عشر، يترأسون الكوريا الرومانية هناك تحت حماية ودعم ملكي فرنسي قوي. رفض بونيفاس التاسع بشدة أي محاولات للتنازل عن البابوية أو المساومة مع بابوات أفينيون، معتبرًا نفسه الوريث الشرعي والوحيد لبطرس الرسول. تركزت جهوده على تعزيز سلطة الكرسي الرسولي في روما وإعادة تأكيد ولاء الممالك الأوروبية له، مما أدى إلى انقسامات سياسية ودينية عميقة في القارة. وبدلاً من التركيز على إنهاء الانشقاق بالتفاوض، انصبت جهوده على تعزيز مكانة البابوية الرومانية وتأمين مواردها.

سياساته الإدارية والمالية

لم تكن سنوات بونيفاس التاسع خالية من التحديات الداخلية أيضًا، إذ واجه صعوبات مالية جمة بسبب فقدان إيرادات كبيرة نتيجة الانشقاق وضعف سيطرة البابوية على الولايات البابوية في إيطاليا. للتغلب على هذه العقبات، اتبع سياسات مالية جريئة، شملت بيع المناصب الكنسية (السيمنونية) وزيادة الضرائب والإتاوات. ورغم أن هذه الإجراءات كانت مثار جدل كبير وانتقاد، إلا أنها ساهمت في استقرار الوضع المالي للكوريا الرومانية وعززت قدرتها على العمل في ظل الظروف الصعبة. كما اهتم بتنظيم الاحتفالات بسنوات اليوبيل، مثل يوبيل عام 1390 ويوبيل عام 1400، التي كانت تجتذب أعدادًا كبيرة من الحجاج وتدر إيرادات مهمة للكنيسة، مع منح الصكوك والامتيازات التي رافقت هذه المناسبات. عمل أيضًا على إصلاح الإدارة الكنسية وتعزيز سلطة البابوية على الرتب الأسقفية، ساعيًا لتوحيد الكنيسة تحت راية روما.

إرثه

توفي البابا بونيفاس التاسع في الأول من أكتوبر عام 1404، بعد بابوية استمرت خمسة عشر عامًا في ظروف استثنائية. وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من إنهاء الانشقاق الغربي، الذي استمر بعد وفاته، إلا أنه يُذكر كبابا قوي وحازم عمل على صيانة كرامة الكرسي الرسولي وسلطته في أوقات عصيبة. كانت سياسته الخارجية تتميز بالتحالفات مع الممالك التي ظلت موالية لروما، مثل إنجلترا وأجزاء من الإمبراطورية الرومانية المقدسة، مما ساعد في الحفاظ على نفوذ البابوية الرومانية. ويحمل لقب "آخر بابا يحمل اسم بونيفاس" دلالة تاريخية فريدة، تضعه في نهاية سلسلة من البابوات الذين حملوا هذا الاسم، والتي اشتهر بعضهم بشخصيات قوية ومؤثرة في تاريخ الكنيسة.

أسئلة شائعة (FAQs)

ما هو الانشقاق الغربي؟

هو فترة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية (1378-1417) شهدت وجود عدة مدعين لمنصب البابا في وقت واحد (أحدهما في روما والآخر أو الآخرين في أفينيون)، مما أدى إلى انقسام عميق في الكنيسة الأوروبية والولاءات السياسية والدينية.

من كان البابوات المنافسون في أفينيون خلال فترة بابويته؟

خلال فترة بابوية بونيفاس التاسع، كان البابا المنافس في أفينيون هو كليمنت السابع، وبعد وفاته في عام 1394، خلفه بنديكتوس الثالث عشر.

ما أبرز إسهاماته أو تحدياته؟

تميزت بابويته بمحاولات تعزيز سلطة الكرسي الرسولي في روما وإدارة الكنيسة في ظل الانشقاق. واجه تحديات مالية كبيرة اضطرته لاتباع سياسات مثيرة للجدل (مثل بيع المناصب الكنسية)، لكنه نجح في استقرار الوضع المالي وإقامة علاقات دبلوماسية مع الممالك الموالية لروما، واستعاد بعض السيطرة على الولايات البابوية.

لماذا يُعد آخر بابا يحمل اسم "بونيفاس"؟

لا يوجد سبب ديني أو قانوني محدد لعدم استخدام الاسم بعده، بل هي مجرد مصادفة تاريخية. ربما تأثر اختيار الاسم البابوي بالظروف التاريخية والسياسية لكل فترة، ولم يقع الاختيار على هذا الاسم منذ وفاته.

متى وأين توفي البابا بونيفاس التاسع؟

توفي في روما بتاريخ الأول من أكتوبر عام 1404.