كان موريس روبرت بيشوب، المولود في 29 مايو 1944 والمتوفى في 19 أكتوبر 1983، شخصية محورية في تاريخ غرينادا، حيث برز كقائد ثوري كاريبي ذي رؤية طموحة. شغل منصب زعيم حركة الجوهرة الجديدة (New Jewel Movement)، وهي حزب سياسي ماركسي لينيني سعى جاهداً لإعادة تشكيل غرينادا من خلال التركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، والنهوض بالتعليم، وتحقيق تحرير السود، وهو ما كان يمثل أهدافاً جوهرية في مرحلة ما بعد الاستعمار.

وصلت هذه الحركة، بقيادة بيشوب، إلى سدة الحكم خلال ثورة 13 مارس 1979 التي أطاحت بحكومة رئيس الوزراء إريك غايري. شكلت هذه الثورة لحظة فارقة في تاريخ الجزيرة، إذ أعلنت نهاية حقبة وبداية أخرى واعدة بآمال عريضة في التغيير والتقدم الاجتماعي. تولى بيشوب رئاسة الحكومة الثورية الشعبية في غرينادا، وهي فترة امتدت من عام 1979 حتى عام 1983، وشهدت محاولات جادة لإصلاح البلاد وتحديثها.

غير أن مسيرته انتهت بشكل مأساوي في أكتوبر 1983، عندما أُقيل من منصبه وأُعدم خلال انقلاب داخلي قاده نائبه ووزير المالية في حكومته، برنارد كوارد، بدعم من جناح متشدد داخل الحزب. تسببت هذه الأحداث الدامية في اضطرابات واسعة النطاق في غرينادا، ومهدت الطريق لتدخل عسكري خارجي غيرت مسار الجزيرة.

مسيرة موريس بيشوب: من النشاط الطلابي إلى قيادة الثورة

تلقى موريس بيشوب تعليمه القانوني في المملكة المتحدة، حيث صقل مهاراته الخطابية والفكرية التي ستفيده لاحقاً في مسيرته السياسية. عند عودته إلى غرينادا في أواخر الستينيات، انخرط بيشوب بعمق في النشاط السياسي والقانوني، مدافعاً عن حقوق الفقراء والمضطهدين. سرعان ما أصبح منتقدًا صريحًا لحكومة إريك غايري، التي كانت تُوصف بالفساد والاستبداد في نظر العديد من الغريناديين.

تأسيس حركة الجوهرة الجديدة

في عام 1973، شارك موريس بيشوب في تأسيس حركة الجوهرة الجديدة (NJM)، والتي كانت تهدف إلى توحيد القوى المعارضة وإعادة بناء غرينادا على أسس العدالة الاجتماعية والاقتصادية. تبنت الحركة أيديولوجية اشتراكية ماركسية لينينية، مع تركيز خاص على تعزيز الملكية التعاونية، وتوفير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم للجميع، والنهوض بثقافة غرينادا وهويتها الوطنية المستقلة.

ثورة 1979 وتأسيس الحكومة الثورية الشعبية

تصاعد السخط الشعبي ضد حكومة غايري، وفي 13 مارس 1979، قادت حركة الجوهرة الجديدة ثورة شعبية، وصفت بأنها غير دموية نسبياً، أطاحت بغايري الذي كان خارج البلاد آنذاك. استولى بيشوب والحركة على السلطة، وأعلنوا تشكيل الحكومة الثورية الشعبية (PRG). كان الهدف المعلن لهذه الحكومة هو بناء نظام ديمقراطي شعبي يخدم مصالح غالبية السكان، بدلاً من النخبة الحاكمة السابقة. تميزت السنوات الأولى لحكم بيشوب بحماس شعبي كبير ورغبة حقيقية في إحداث تغيير.

إنجازات الحكومة الثورية الشعبية والتحديات التي واجهتها

خلال فترة حكمه التي دامت أربع سنوات، حقق موريس بيشوب والحكومة الثورية الشعبية العديد من الإنجازات التي كان لها تأثير ملموس على حياة الغريناديين:

• الرعاية الصحية: تم إطلاق برامج رعاية صحية مجانية وشاملة، مع التركيز على الرعاية الأولية والوقاية، مما أدى إلى تحسين مؤشرات الصحة العامة بشكل ملحوظ.
• التعليم: شهد قطاع التعليم إصلاحات جذرية، بما في ذلك حملات محو الأمية واسعة النطاق وزيادة الوصول إلى التعليم الثانوي والعالي، بهدف تمكين جميع المواطنين.
• التنمية الاقتصادية: سعت الحكومة إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على الزراعة، وشجعت التعاونيات الزراعية والصناعات الصغيرة.
• البنية التحتية: كان مشروع مطار سالينز الدولي، الذي أُطلق بمساعدة كوبا ودول أخرى، من أبرز مشاريع البنية التحتية، وكان يهدف إلى تعزيز السياحة والربط الدولي للجزيرة.
• السياسة الخارجية: اتبعت غرينادا في عهد بيشوب سياسة خارجية عدم انحيازية، أقامت علاقات وثيقة مع كوبا وبلدان أخرى من العالم الثالث، مما أثار قلق الولايات المتحدة التي رأت في ذلك تهديداً لمصالحها في المنطقة.

ومع ذلك، واجهت الحكومة الثورية الشعبية تحديات كبيرة، بما في ذلك المقاومة الداخلية من بعض الفئات، والضغط الاقتصادي، والعداء المتزايد من الولايات المتحدة التي فرضت قيوداً اقتصادية ودبلوماسية.

نهاية مأساوية: الانقلاب والوفاة

في أكتوبر 1983، تصاعدت التوترات داخل قيادة حركة الجوهرة الجديدة بين موريس بيشوب وأنصار الجناح الأكثر تشدداً بقيادة نائبه برنارد كوارد. دار الخلاف حول طبيعة الحكم وطرق إدارة البلاد، حيث اختلف الطرفان حول نموذج القيادة المشتركة ودور بيشوب كزعيم شعبي. أسفر هذا الصراع الداخلي عن عزل بيشوب من منصبه ووضعه رهن الإقامة الجبرية في 12 أكتوبر 1983. أثار هذا الخبر غضباً شعبياً عارماً، حيث خرج الآلاف من الغريناديين إلى الشوارع مطالبين بإطلاق سراح زعيمهم المحبوب.

في 19 أكتوبر 1983، اقتحم المتظاهرون السجن الذي كان بيشوب محتجزاً فيه وأطلقوا سراحه. توجه بيشوب ومؤيدوه إلى ثكنات فورت روبرت العسكرية، ولكن بعد فترة وجيزة، وصلت قوات موالية لبرنارد كوارد وحاصرت الثكنات. انتهى الأمر بإعدام موريس بيشوب وعدد من وزرائه وأنصاره، بمن فيهم حبيبته جاكلين كرابتري ووزير الخارجية يون كورنوال. كانت هذه الأحداث المأساوية بمثابة صدمة عالمية، وأدت إلى فراغ في السلطة واضطراب كبير في غرينادا.

التبعات: الغزو الأمريكي والإرث

بعد أيام قليلة من إعدام بيشوب، وفي 25 أكتوبر 1983، غزت الولايات المتحدة غرينادا في عملية عسكرية أطلق عليها "عملية الغضب العاجل" (Operation Urgent Fury)، بذريعة حماية المواطنين الأمريكيين في الجزيرة وإعادة الاستقرار. أدى هذا الغزو إلى انهيار الحكومة الثورية الشعبية وإعادة تأسيس نظام حكم ديمقراطي برلماني. لا يزال إرث موريس بيشوب محور نقاش في غرينادا وحول العالم. ينظر إليه البعض كبطل قومي ومصلح اجتماعي سعى لتحقيق العدالة والكرامة لشعبه، بينما ينتقده آخرون بسبب ميله نحو الحكم الاستبدادي ونهاية حكمه المأساوية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار تأثيره العميق على تاريخ غرينادا ومسيرتها نحو الاستقلال والتنمية.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

من هو موريس بيشوب؟

موريس بيشوب (1944-1983) كان محامياً وقائداً ثورياً من غرينادا، وزعيماً لحركة الجوهرة الجديدة، التي وصلت إلى السلطة في عام 1979 وأسست الحكومة الثورية الشعبية، التي ترأسها حتى وفاته في عام 1983.

ما هي حركة الجوهرة الجديدة؟

كانت حركة الجوهرة الجديدة (NJM) حزباً ماركسياً لينينياً في غرينادا، تأسست عام 1973، وهدفت إلى إحداث تغيير جذري في البلاد من خلال التركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإصلاح التعليم، وتحرير السود.

كيف وصل موريس بيشوب إلى السلطة؟

وصل موريس بيشوب إلى السلطة بعد قيادته لثورة 13 مارس 1979، التي أطاحت بحكومة رئيس الوزراء إريك غايري، وتوجت بتأسيس الحكومة الثورية الشعبية.

ما هي أبرز إنجازات حكومة موريس بيشوب؟

شملت إنجازاته إطلاق برامج رعاية صحية مجانية، وحملات محو الأمية، وزيادة الوصول إلى التعليم، ومشاريع بنية تحتية مثل مطار سالينز الدولي، بالإضافة إلى اتباع سياسة خارجية عدم انحيازية.

لماذا تمت الإطاحة بموريس بيشوب وقتله؟

تمت الإطاحة ببيشوب وقتله نتيجة لصراع داخلي على السلطة داخل قيادة حركة الجوهرة الجديدة، وتحديداً مع نائبه برنارد كوارد. أدى الخلاف إلى اعتقال بيشوب ثم إعدامه مع عدد من مؤيديه في 19 أكتوبر 1983.

ماذا حدث بعد وفاة موريس بيشوب؟

بعد أيام قليلة من وفاته، غزت الولايات المتحدة غرينادا في عملية عسكرية عام 1983 (عملية الغضب العاجل)، مما أدى إلى انهيار الحكومة الثورية الشعبية وإعادة تأسيس نظام حكم ديمقراطي برلماني في الجزيرة.