يُعد جان كابان، المولود في مدينة مرسيليا الساحرة بفرنسا في الثاني عشر من أغسطس عام 1885، واحدًا من أبرز الفيزيائيين الفرنسيين الذين تركوا بصمة واضحة في مجال البصريات الحديثة. امتدت حياته المليئة بالإنجازات العلمية حتى وافته المنية في سان سير سور مير في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 1959، تاركًا وراءه إرثًا علميًا غنيًا.
مسيرته العلمية المبكرة: كشف أسرار تشتت الضوء
بدأ كابان مسيرته المهنية الواعدة في الفترة ما بين عامي 1910 و1914، حيث عمل باجتهاد في مختبر العالم البارز تشارلز فابري بمرسيليا. انكب كابان على دراسة موضوع بالغ الأهمية كان قد أطلقه اللورد رايلي في أواخر القرن التاسع عشر، ويتعلق بكيفية تشتت جزيئات الغاز للضوء. في تلك الحقبة، كان فهم تشتت الضوء في الغازات النقية يمثل تحديًا علميًا. كان الاعتقاد السائد هو أن تشتت الضوء لا يكون ملحوظًا إلا في وجود جزيئات أكبر أو شوائب. لكن كابان، بفضل جهوده البحثية الدقيقة، أثبت في عام 1914 أن الغازات النقية نفسها قادرة على تشتيت الضوء، وهو اكتشاف فتح آفاقًا جديدة في فهم التفاعلات بين الضوء والمادة. نُشر هذا الاكتشاف الرائد في مجلة "كومبت راندو" العلمية المرموقة في عام 1915. لسوء الحظ، توقفت مسيرته العلمية الصاعدة بشكل مفاجئ لمدة خمس سنوات بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي ألقت بظلالها على الأوساط الأكاديمية والبحثية في أوروبا بأسرها.
عودة ما بعد الحرب وحساب ارتفاع طبقة الأوزون
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وعودة الحياة إلى طبيعتها، استأنف كابان نشاطه العلمي الحيوي. ففي عام 1919، عاد إلى مختبر فابري لإكمال أطروحته البحثية، وهي خطوة أساسية في مسيرته الأكاديمية. بعد ذلك، اتجه كابان إلى مدينة مونبلييه الفرنسية، ثم استقر لاحقًا في باريس، مركز الثقافة والعلم. لم تقتصر إنجازاته على دراسة تشتت الضوء؛ ففي عام 1925، عمل بالتعاون مع زميله جان دوفاي على تحديد وقياس ارتفاع طبقة الأوزون في الغلاف الجوي. كان هذا العمل ذا أهمية قصوى لفهم بنية الغلاف الجوي ودوره في حماية الحياة على الأرض من الإشعاعات فوق البنفسجية الضارة، مما يعكس اتساع اهتماماته البحثية.
تأثير كابان-دور والاكتشافات المتزامنة
شهد عام 1928 إنجازًا علميًا آخر يُحسب لجان كابان وزملائه. كان كابان، بالاشتراك مع بي. دور وواي. روكار، من بين العلماء الأوائل الذين اكتشفوا ظاهرة بالغة الأهمية: أن الغازات التي تشتت الضوء أحادي اللون (أي الضوء ذو الطول الموجي الواحد) يمكنها أيضًا أن تغير من طول موجته. عُرف هذا التأثير فيما بعد باسم "تأثير كابان-دور" (Cabannes-Daure effect)، ويمثل شكلاً من أشكال التشتت غير المرن للضوء. وفي سياق لافت للنظر، تم تحديد هذه الظاهرة بشكل مستقل ومتزامن تقريبًا من قِبَل علماء آخرين في سياقات مختلفة: فقد اكتشفها سي. في. رامان وكي. إس. كريشنان في السوائل، بينما اكتشفها جي. إس. لاندسبيرغ وإل. ماندلستام في البلورات. يعكس هذا التزامن كيف كانت الأوساط العلمية تتجه نحو فهم أعمق للتفاعلات بين الضوء والمادة في تلك الفترة.
ونتيجة لعمله الرائد، كان جان كابان من بين المرشحين لجائزة نوبل في الفيزياء لعام 1929، وقد رشحه لهذه الجائزة أستاذه ومعلمه تشارلز فابري. ومع ذلك، مُنحت الجائزة في ذلك العام للعالم لويس دي بروي تقديرًا لعمله على الطبيعة الموجية للإلكترون. أما جائزة نوبل لعام 1930، فقد ذهبت إلى سي. في. رامان، الذي قدم الشرح النظري والكامل للتأثير الذي يحمل اسمه الآن، مستخدمًا مبادئ ميكانيكا الكم، مما ألقى ضوءًا جديدًا على طبيعة هذا التشتت غير المرن.
جوائز وتكريمات وإرث خالد
لم يغفل المجتمع العلمي عن تقدير إسهامات جان كابان الكبيرة. ففي عام 1924، مُنح جائزة فيليكس روبن تقديرًا لأبحاثه. وفي عام 1949، انتُخب عضوًا في "أكاديمية العلوم الفرنسية" المرموقة، وهو شرف يعكس مكانته كواحد من أبرز العلماء في عصره. كما حصل في عام 1951 على أول جائزة "Prix des Trois Physiciens" (جائزة الفيزيائيين الثلاثة) من مؤسسة فرنسا، مما يؤكد تقدير المؤسسات الفرنسية له. ولتخليد ذكراه، سُميت فوهة قمرية باسم "كابان" تكريمًا لإنجازاته في الفيزياء.
قيادة المجتمع العلمي وحياته الشخصية
إلى جانب مسيرته البحثية الحافلة، تولى جان كابان أدوارًا قيادية مهمة في المجتمع العلمي. فقد ترأس الجمعية الفلكية الفرنسية (Société astronomique de France - SAF) في الفترة من 1951 إلى 1953، مما يدل على اهتماماته الواسعة وقدرته على قيادة المؤسسات العلمية. وعلى الصعيد الشخصي، ارتبط كابان بعلاقات أسرية وثيقة بالعالم تشارلز فابري، حيث تزوج من ابنة شقيقه يوجين فابري (1856-1944). وقد رزق بأربعة أبناء، منهم عالم الرياضيات المرموق هنري كابان، مما يؤكد استمرارية الإرث الفكري والعلمي في عائلته.
الأسئلة الشائعة حول جان كابان
- من هو جان كابان؟
- جان كابان (1885-1959) كان فيزيائيًا فرنسيًا بارزًا، اشتهر بأبحاثه في مجال البصريات، وخاصة تشتت الضوء وقياس ارتفاع طبقة الأوزون.
- ما هو أبرز اكتشافاته؟
- من أبرز اكتشافاته إثباته قدرة الغازات النقية على تشتيت الضوء، واكتشافه المشترك لتأثير كابان-دور (تغير الطول الموجي للضوء المتشتت) والذي يُعرف أيضًا بتأثير رامان.
- لماذا لم يفز بجائزة نوبل على الرغم من ترشيحه؟
- رُشح كابان لجائزة نوبل في الفيزياء عام 1929، لكن الجائزة مُنحت للويس دي بروي. وفي عام 1930، ذهبت الجائزة لسي. في. رامان الذي قدم الشرح النظري الكامل لتأثير تشتت الضوء غير المرن باستخدام ميكانيكا الكم، والذي سُمي باسمه.
- ما هي أهم المؤسسات التي انتمى إليها؟
- كان كابان عضوًا في أكاديمية العلوم الفرنسية، وترأس الجمعية الفلكية الفرنسية، وعمل في مختبر تشارلز فابري.
- هل له أي إرث مادي يحمل اسمه؟
- نعم، سُميت فوهة قمرية باسم "كابان" تكريمًا لإسهاماته العلمية، بالإضافة إلى تأثير كابان-دور الذي يحمل جزءًا من اسمه.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文