تُعد أزمة الكونغو (بالفرنسية: Crise congolaise) فترة عصيبة ومحورية في تاريخ جمهورية الكونغو، والتي تُعرف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية. امتدت هذه الأزمة، التي اتسمت بالاضطرابات السياسية العميقة والصراع المسلح، من عام 1960 وحتى عام 1965. بدأت فصول هذه الملحمة الدرامية فور استقلال الكونغو عن بلجيكا، لتُعلن نهاية رسمية وغير رسمية بسيطرة جوزيف ديزيريه موبوتو التامة على مقاليد الحكم في البلاد. لم تكن الأزمة مجرد سلسلة من الحروب الأهلية الداخلية، بل كانت أيضًا ساحة صراع بالوكالة ضمن سياق الحرب الباردة، حيث قدم الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة دعمًا متباينًا للفصائل المتناحرة، مما عمّق من تعقيداتها. تُشير التقديرات المروعة إلى أن حوالي 100 ألف شخص قد لقوا حتفهم خلال هذه الفترة المضطربة، وهو ما يؤكد على فداحة التكلفة البشرية للصراع.
جذور الأزمة: الاستقلال المحفوف بالمخاطر
تُشكل المطالبات القومية المتصاعدة في الكونغو البلجيكية بإنهاء الحكم الاستعماري الفصل الأول من هذه القصة. ورغم أن هذه المطالبات تكللت بالنجاح، وحصلت البلاد على استقلالها في 30 يونيو 1960، إلا أن الاستعدادات لهذا التحول الكبير كانت محدودة للغاية وغير كافية. تركت بلجيكا وراءها العديد من القضايا الجوهرية دون حل، مثل طبيعة النظام الفيدرالي، والتوازن بين القبائل المختلفة، والتحديات المعقدة للقومية العرقية. كل هذه العوامل كانت بمثابة قنابل موقوتة تنتظر الشرارة. لم يمض أسبوع واحد على إعلان الاستقلال حتى انفجر الوضع؛ فاندلع تمرد واسع النطاق في صفوف الجيش، وتصاعدت أعمال العنف بين المدنيين من السود والبيض، مما ألقى بظلال قاتمة على الفرحة بالاستقلال. استجابت بلجيكا بإرسال قوات لحماية مواطنيها البيض الفارين، في خطوة فُسرت على أنها تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وفي غمرة هذا الاضطراب، انفصل إقليما كاتانغا وجنوب كاساي الغنيان بالموارد بدعم بلجيكي واضح، مما أضاف بعدًا انفصاليًا خطيرًا للأزمة. وفي ظل استمرار الاضطرابات والعنف المتزايد، نشرت الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام في محاولة لتهدئة الأوضاع. إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، داغ همرشولد، اتخذ قرارًا مثيرًا للجدل برفض استخدام هذه القوات لمساعدة الحكومة المركزية في ليوبولدفيل (كينشاسا حاليًا) في حربها ضد الانفصاليين. ردًا على هذا الموقف، سعى رئيس الوزراء باتريس لومومبا، الزعيم الكاريزمي لأكبر فصيل قومي ومؤيد للوحدة، إلى طلب المساعدة من الاتحاد السوفيتي، الذي استجاب على الفور بإرسال مستشارين عسكريين وأشكال دعم أخرى، ليُصبح الصراع الكونغولي جزءًا لا يتجزأ من رقعة شطرنج الحرب الباردة العالمية.
دوامة الصراع: القوى الداخلية والتدخل الخارجي
لم يمر تورط السوفييت في الشأن الكونغولي دون عواقب، فقد أدى إلى انقسام عميق داخل الحكومة الكونغولية نفسها، وتسبب في مأزق سياسي حاد بين رئيس الوزراء باتريس لومومبا والرئيس جوزيف كاسا فوبو. في خضم هذا الشلل السياسي، ظهر قائد الجيش، جوزيف ديزيريه موبوتو، على الساحة. قام موبوتو بكسر هذا المأزق بانقلاب عسكري، حيث طرد المستشارين السوفييت وأنشأ حكومة جديدة، كان هو المسيطر الفعلي عليها. كانت هذه الخطوة نقطة تحول مأساوية؛ ففي عام 1961، تم القبض على لومومبا، الذي كان يمثل رمزًا للوحدة والاستقلال الأفريقي، وتم إعدامه، وهي حادثة لا تزال تثير الجدل وتُعد وصمة عار في تاريخ الأزمة. بعد إعدام لومومبا، تأسست حكومة منافسة أُطلق عليها اسم "جمهورية الكونغو الحرة" في مدينة ستانليفيل (كيسانغاني حاليًا) الشرقية، بقيادة أنطوان جيزنغا، أحد أقرب أنصار لومومبا. اكتسبت هذه الحكومة دعمًا سوفيتيًا، لكنها قوبلت بالهزيمة وسُحقت في أوائل عام 1962. في هذه الأثناء، اتخذت الأمم المتحدة موقفًا أكثر حزمًا وعدوانية تجاه الانفصاليين، خاصة بعد مقتل أمينها العام داغ همرشولد في حادث تحطم طائرة غامض في أواخر عام 1961، والذي أثار الكثير من التكهنات. وبدعم مكثف من قوات الأمم المتحدة، تمكنت حكومة ليوبولدفيل من هزيمة الحركات الانفصالية في كاتانغا وجنوب كاساي بحلول بداية عام 1963، مما أعاد هذه الأقاليم إلى سيطرة الحكومة المركزية بشكل مؤقت.
تصاعد العنف: ثورة "سيمبا" والتدخل الدولي
مع عودة إقليمي كاتانغا وجنوب كاساي إلى كنف الحكومة المركزية، ساد نوع من الهدوء النسبي، وتم اعتماد دستور تسوية توافقي في محاولة لبناء أسس مستقرة للدولة. وفي خطوة تهدف إلى دمج الفصائل السابقة، تم استدعاء زعيم كاتانغا المنفي، مويس تشومبي، ليترأس إدارة مؤقتة للإشراف على تنظيم انتخابات جديدة. ولكن قبل أن تُعقد هذه الانتخابات، اندلعت انتفاضة جديدة في شرق البلاد، قادها مقاتلون مستوحون من الفكر الماوي أطلقوا على أنفسهم اسم "سيمبا" (التي تعني "الأسود" باللغة السواحلية). سرعان ما سيطرت حركة "سيمبا" على مساحة شاسعة من الأراضي وأعلنت عن قيام "جمهورية الكونغو الشعبية" ذات التوجه الشيوعي في ستانليفيل. بدأت القوات الحكومية تدريجيًا في استعادة الأراضي، وفي نوفمبر 1964، تدخلت بلجيكا والولايات المتحدة عسكريًا في ستانليفيل لإنقاذ الرهائن الأوروبيين الذين احتجزتهم قوات "سيمبا". وفي نهاية المطاف، هُزمت حركة "سيمبا" وانهارت بعد فترة وجيزة، لتُشكل نهاية موجة أخرى من العنف المروع. بعد انتخابات مارس 1965، نشأ مأزق سياسي جديد بين تشومبي وكاسا فوبو، مما دفع الحكومة إلى شبه الشلل. وهنا، استغل موبوتو الفرصة، ونفذ انقلابه العسكري الثاني في نوفمبر 1965، ليُحكم قبضته الشخصية على البلاد ويُنهي فعليًا حقبة الأزمة الكونغولية الدامية. تحت حكم موبوتو، تحولت الكونغو (التي أعيدت تسميتها إلى زائير في عام 1971) إلى دكتاتورية استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، حتى تنحيه عن السلطة في عام 1997.
أسئلة شائعة حول أزمة الكونغو
- ما هي أزمة الكونغو؟
- هي فترة من الاضطرابات السياسية والصراع المسلح الذي شهدته جمهورية الكونغو (جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليًا) بين عامي 1960 و1965، بعد استقلالها عن بلجيكا مباشرة. وشملت حروبًا أهلية وصراعًا بالوكالة في الحرب الباردة.
- متى بدأت أزمة الكونغو ومتى انتهت؟
- بدأت الأزمة فور استقلال الكونغو في 30 يونيو 1960، وانتهت بشكل غير رسمي بسيطرة جوزيف ديزيريه موبوتو على السلطة بالكامل في نوفمبر 1965.
- ما هي الأسباب الرئيسية لأزمة الكونغو؟
- تضمنت الأسباب الرئيسية: الافتقار إلى التحضير الكافي للاستقلال من قبل بلجيكا، وقضايا لم تُحل مثل الفيدرالية، والقبلية، والقومية العرقية، والتدخل الأجنبي، وصراع القوى الداخلية بين الزعماء السياسيين والعسكريين.
- من هم أبرز الشخصيات في أزمة الكونغو؟
- شملت الشخصيات البارزة باتريس لومومبا (أول رئيس وزراء)، وجوزيف كاسا فوبو (أول رئيس)، ومويس تشومبي (زعيم كاتانغا الانفصالي)، وجوزيف ديزيريه موبوتو (قائد الجيش الذي أصبح رئيسًا)، وداغ همرشولد (الأمين العام للأمم المتحدة).
- ما هو دور الحرب الباردة في أزمة الكونغو؟
- كانت أزمة الكونغو نزاعًا بالوكالة في الحرب الباردة، حيث دعمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فصائل متنافسة بأهداف ومصالح متباينة، مما عمّق من الصراع وتأثيراته.
- كم عدد الضحايا الذين سقطوا خلال الأزمة؟
- يُعتقد أن حوالي 100 ألف شخص قد قتلوا خلال أزمة الكونغو، مما يعكس الدمار البشري الواسع النطاق للصراع.
- ما هي نتيجة أزمة الكونغو؟
- انتهت الأزمة بانقلاب عسكري نفذه جوزيف ديزيريه موبوتو في عام 1965، حيث سيطر على البلاد وأقام نظامًا دكتاتوريًا استمر لأكثر من ثلاثة عقود (تحت اسم زائير لاحقًا).

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 