تُعد السنة الصينية الجديدة، المعروفة أيضاً على نطاق واسع باسم عيد الربيع (春节 Chūnjié)، الحدث الثقافي الأبرز والأكثر احتفالاً في الصين وفي المجتمعات الصينية حول العالم. على مر العصور، ارتبط تحديد موعد هذا العيد بظهور القمر الجديد. ففي الأزمنة الغابرة، كان بدء السنة الجديدة يتحدد مع ظهور القمر الجديد الذي يقع بين الحادي والعشرين من يناير والعشرين من فبراير، وهو ما يتوافق بدقة مع التقويم القمري الشمسي الصيني التقليدي (التقويم الزراعي - 農曆 Nónglì). هذا التقويم لا يعتمد على الدورة القمرية فقط، بل يدمج أيضاً الدورة الشمسية، مما يجعله وثيق الصلة بالدورات الزراعية ومواسم الحصاد التي كانت جوهر حياة الصينيين القدماء.

في يومنا هذا، تجاوز مفهوم السنة الصينية الجديدة مجرد كونه بداية لعام قمري جديد ليصبح مرادفاً لمهرجان الربيع، وهو اسم يعكس جوهر هذا الاحتفال كفترة لإنهاء برودة الشتاء القارس والترحيب بدفء الربيع وبداية دورة جديدة من الحياة والخصوبة والتجديد. إنه وقت للتطهير من الماضي، واستقبال الطاقات الإيجابية، والاحتفال بالترابط الأسري والمجتمعي. ولذلك، تُرى هذه المناسبة كفرصة ذهبية للعودة إلى الديار ولقاء الأحباء.

مراسم الاحتفال: من ليلة رأس السنة إلى مهرجان الفانوس

وفقاً للتقاليد الصينية العريقة التي توارثتها الأجيال، تبدأ بهجة الاحتفالات قبل حلول يوم رأس السنة الصينية الجديدة بليلة واحدة، وتُعرف هذه الليلة بـ "ليلة رأس السنة الصينية" أو "ليلة لم الشمل". ففي هذه الليلة، تجتمع العائلات من كل حدب وصوب لتناول "عشاء لم الشمل" (年夜饭 Nian Ye Fan) الذي يُعد واحداً من أهم الوجبات في العام، حيث تُقدم أطباق تحمل معاني رمزية للرخاء والحظ السعيد وطول العمر، مثل السمك الذي يرمز إلى الوفرة (鱼 Yú) والفطائر التي تشبه سبائك الذهب القديمة (饺子 Jiǎozi). هذه اللحظات الغالية تُعزز الروابط الأسرية وتُرسخ قيم الاحترام والتقدير.

تستمر هذه الأجواء الاحتفالية الدافئة لمدة خمسة عشر يوماً متواصلة، حيث يكتسي كل يوم منها طقوساً وممارسات فريدة تعكس عمق الثقافة الصينية وتنوعها. ومن أبرز مظاهر الاحتفال خلال هذه الفترة:

• التنظيف الشامل للمنزل: قبل حلول رأس السنة، تُنظف المنازل بعناية فائقة لطرد الحظ السيئ المتراكم من العام الماضي والترحيب بالحظ الجيد.
• الزينة الحمراء المبهجة: تُزين الأبواب والنوافذ باللون الأحمر الزاهي، الذي يُعتقد أنه يجلب الحظ السعيد ويبعد الأرواح الشريرة، مع تعليق القوافي الشعرية المكتوبة بخط جميل (对联 Duìlián) ورموز الازدهار.
• تبادل الظروف الحمراء (هونغباو): يُعد توزيع "الظروف الحمراء" (红包 Hóngbāo) المحتوية على أموال، والتي تُقدم للكبار من قبل الأطفال وللصغار من قبل الكبار، تقليداً محبوباً يرمز إلى جلب الحظ السعيد والبركة.
• عروض الأسد والتنين: تُقام عروض الرقص التقليدية للأسد والتنين في الشوارع، مصحوبة بالموسيقى الصاخبة والألعاب النارية، بهدف طرد الشر وجلب الرخاء.
• زيارة الأقارب والأصدقاء: تُخصص أيام محددة لزيارة كبار العائلة والأصدقاء، وتبادل التهاني والتمنيات الطيبة للعام الجديد.

مهرجان الفانوس: مسك الختام

تُختتم احتفالات السنة الصينية الجديدة، التي تمتد لخمسة عشر يوماً مليئة بالفرح والبهجة، بمهرجان الفانوس (元宵节 Yuánxiāojié) في الليلة الخامسة عشرة. يُعد هذا المهرجان تتويجاً مهيباً للاحتفالات، حيث تضاء الآلاف من الفوانيس الملونة والمنقوشة التي تزين الشوارع والحدائق والمعابد، لتُشكل مشهداً بصرياً ساحراً يضيء ليالي الشتاء. يتبادل الناس الفوانيس ويحلون الألغاز المكتوبة عليها، ويُقدمون الصلوات من أجل عام مزدهر. كما يُعد تناول "تانغ يوان" (汤圆 Tāngyuán)، وهي كرات الأرز الدبقة الحلوة التي ترمز إلى الوحدة والكمال العائلي، جزءاً لا يتجزأ من طقوس هذا المهرجان، مما يضفي لمسة من الدفء والانسجام على الختام البهيج للاحتفالات.

تُعد السنة الصينية الجديدة أكثر من مجرد عطلة؛ إنها احتفال بالتاريخ الغني والثقافة العميقة لشعب عظيم، وهي دعوة للتأمل في الماضي والتطلع إلى مستقبل مشرق ومليء بالأمل والفرص.

الأسئلة الشائعة حول السنة الصينية الجديدة

متى تبدأ السنة الصينية الجديدة؟

تعتمد بداية السنة الصينية الجديدة على التقويم القمري الشمسي، وعادة ما تقع بين 21 يناير و 20 فبراير من التقويم الميلادي. يتغير التاريخ كل عام.

كم تستمر احتفالات السنة الصينية الجديدة؟

تمتد الاحتفالات الرسمية للسنة الصينية الجديدة لمدة 15 يوماً، بدءاً من ليلة رأس السنة القمرية وحتى مهرجان الفانوس في اليوم الخامس عشر.

ما هو الاسم الآخر للسنة الصينية الجديدة؟

يُعرف أيضاً باسم "عيد الربيع" (春节 Chūnjié)، وهو الاسم الأكثر شيوعاً في الصين حالياً، ويرمز إلى نهاية الشتاء وبداية فصل الربيع.

لماذا تُقدم الظروف الحمراء (هونغباو)؟

يُعد تقديم الظروف الحمراء (红包 Hóngbāo) تقليداً لجلب الحظ السعيد والبركة، ويُعتقد أنها تبعد الأرواح الشريرة وتجلب الازدهار للمستقبل.