يُعد يوم الذكرى (Remembrance Day) في كندا، الذي يُحتفى به سنويًا في الحادي عشر من نوفمبر، مناسبة وطنية عميقة الجذور، تهدف إلى تكريم الأرواح التي فقدت والتضحيات الجسيمة التي قُدمت في سبيل السلام والحرية. هذا اليوم ليس مجرد تاريخ في التقويم، بل هو لحظة تأمل جماعي لتكريم قدامى المحاربين، سواء كانوا أحياءً أو ممن سقطوا، والذين خدموا الأمة الكندية في جميع أنواع النزاعات المسلحة والعمليات العسكرية. يشمل التكريم أولئك الذين شاركوا في الحروب العالمية الكبرى، مثل الحرب العالمية الأولى والثانية، وبعثات حفظ السلام، والتدخلات العسكرية في مناطق مثل كوريا وأفغانستان والعديد من بؤر الصراع الأخرى حول العالم. تم اختيار هذا التاريخ تحديدًا تخليدًا لذكرى يوم الهدنة الذي وُقِّع في الساعة الحادية عشرة صباحًا من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر لعام 1918، معلنًا بذلك نهاية الحرب العالمية الأولى.

زهرة الخشخاش: رمز التضحية والأمل المتجدد

تُعد زهرة الخشخاش (Poppy) رمزًا أيقونيًا لا يتجزأ من يوم الذكرى في كندا، حيث يرتديها الملايين من الكنديين بفخر واعتزاز على ملابسهم في الأسابيع التي تسبق الحادي عشر من نوفمبر. هذا التقليد الرمزي مستوحى بشكل مباشر من قصيدة "في حقول فلاندرز" (In Flanders Fields) الشهيرة، التي كتبها الطبيب والملازم الكندي جون ماكري عام 1915 خلال الحرب العالمية الأولى. وصفت القصيدة حقول القتال الأوروبية التي غطتها زهور الخشخاش الحمراء المتفتحة على تربة غنية بدماء الجنود، لتصبح هذه الزهرة الحمراء، بلونها القاني، تذكيرًا بصريًا قويًا بالدماء التي سالت والتضحيات البشرية الهائلة.

بينما يُعد الخشخاش الأحمر الرمز الأكثر شيوعًا لتكريم الجنود الذين سقطوا في النزاعات المسلحة والعمليات العسكرية، فإن هناك ألوانًا أخرى من الخشخاش تُرتدى أحيانًا للتعبير عن رسائل معينة. على سبيل المثال، الخشخاش الأبيض يُرتدى أحيانًا للدلالة على الرغبة في السلام، أو لتكريم ضحايا النزاعات غير العسكرية، أو حتى المدنيين المتضررين من الحرب. كما يُستخدم الخشخاش البنفسجي أحيانًا لتكريم الحيوانات التي خدمت في الحروب، مثل الخيول والكلاب التي لعبت أدوارًا حيوية.

المراسم الوطنية وطقوس التكريم الجماعي

في يوم الذكرى، تُنظم خدمات ومراسم تذكارية مهيبة عبر كندا بأسرها، بدءًا من الكنائس والمراكز المجتمعية وصولًا إلى الاحتفالات الرسمية الكبرى. غالبًا ما تبدأ هذه المراسم بإقامة قداسات وخدمات كنسية خاصة، تتخللها مقطوعات موسيقية مؤثرة، مثل "اللحن الأخير" (The Last Post) الذي يُعزف عادةً لتوديع الجنود، و"النداء" (Reveille) الذي يرمز إلى البعث، بالإضافة إلى قراءات من نصوص دينية وأدبية، وغالبًا ما تتضمن أبياتًا خالدة من قصيدة "في حقول فلاندرز".

ذروة هذه المراسم تأتي في تمام الساعة الحادية عشرة صباحًا، حيث تُخصص دقيقتان من الصمت المطبق في جميع أنحاء البلاد. هذه اللحظة العميقة من الصمت الجماعي تتيح للكنديين فرصة للتأمل في التضحيات الجليلة التي قُدمت والتفكير في آثار الحرب. بعد فترة الصمت، غالبًا ما تُقرأ "قصيدة الذكرى" (The Act of Remembrance) أو "قسم الذكرى" الذي يبدأ بـ "إنهم لن يشيخوا، كما نشيخ نحن، ولن تهرمهم السنون ولا الأيام، في غروب الشمس وعند بزوغ الفجر، سنتذكرهم." يتم تزيين النصب التذكارية للحرب في المدن والبلدات الكندية بأكاليل الزهور التي تُوضع بعناية كتكريم لأسماء من سقطوا، وهي لفتة تعكس الإجلال الدائم لذكراهم. كما تُنظم المدارس التي تكون مفتوحة في هذا اليوم عروضًا خاصة وبرامج تعليمية لتثقيف الأجيال الجديدة حول أهمية هذا اليوم وتراث الخدمة والتضحية، مع التركيز على قيم السلام والتسامح.

قلب الاحتفال الوطني: أوتاوا والنصب التذكاري للحرب

تُقام الاحتفالات الرسمية ليوم الذكرى في كندا بمقاطعة أونتاريو، وتحديدًا في العاصمة الفيدرالية أوتاوا، وتحديدًا في النصب التذكاري للحرب الوطنية (National War Memorial) الذي يُمثل قلب الاحتفال الوطني ومركز التكريم. هذا النصب العظيم، الذي تم افتتاحه عام 1939، يُخلد ذكرى جميع الكنديين الذين ضحوا بأرواحهم في خدمة بلادهم وحماية قيمهم.

في عام 2000، أُضيف إلى هذا النصب "قبر الجندي المجهول" (Tomb of the Unknown Soldier)، الذي يحتوي على رفات جندي كندي مجهول الهوية تُوفي في الحرب العالمية الأولى، وقد نُقل من مقبرة فينيكس كروسرود في فرنسا. يُعتبر هذا القبر بمثابة تكريم رمزي شامل لجميع الجنود الكنديين الذين سقطوا ولم تُعرف هويتهم في أي نزاع على مر التاريخ، مما يضفي بعدًا إنسانيًا عميقًا على التكريم الوطني ويوفر مكانًا ملموسًا للحداد والتذكر.

هل يوم الذكرى عطلة رسمية في كندا؟

تختلف حالة يوم الذكرى كعطلة رسمية باختلاف المقاطعات والأقاليم الكندية. في حين يُعتبر يوم الذكرى عطلة رسمية فيدرالية لجميع الموظفين الخاضعين للوائح الفيدرالية في جميع أنحاء البلاد، ويُعد عطلة قانونية في غالبية المقاطعات والأقاليم الكندية (مثل كولومبيا البريطانية، ألبرتا، ساسكاتشوان، مانيتوبا، نيو برونزويك، نيوفاوندلاند ولابرادور، جزيرة الأمير إدوارد، نوفا سكوشا، يوكون، الأقاليم الشمالية الغربية، ونونافوت)، إلا أنه لا يُعد عطلة قانونية عالمية لجميع العاملين في جميع القطاعات بكل المقاطعات. على سبيل المثال، في مقاطعتي أونتاريو وكيبيك، وهوما من أكبر المقاطعات من حيث عدد السكان، لا يُعتبر يوم الذكرى عطلة قانونية عامة لمعظم موظفي القطاع الخاص، بل يُعد يوم عمل عادي، على الرغم من أن العديد من المدارس والمؤسسات الحكومية تُقيم فعاليات تذكارية خاصة لإحياء المناسبة.

أسئلة شائعة حول يوم الذكرى في كندا

لماذا يُحتفل بيوم الذكرى في 11 نوفمبر؟

يُحتفل بيوم الذكرى في 11 نوفمبر لأنه يوافق تاريخ توقيع هدنة كومبين التي أنهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918، وتحديدًا في الساعة الحادية عشرة صباحًا من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر، وهو ما يُعرف بـ "الساعة الحادية عشرة من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر". هذه اللحظة أصبحت رمزًا لتوقف النزاعات وبداية فترة السلام.

ما هي الألوان المختلفة لزهور الخشخاش وماذا ترمز؟

اللون الأحمر هو الأكثر شيوعًا ويرمز إلى دماء الجنود الذين سقطوا في النزاعات المسلحة. الخشخاش الأبيض يُرتدى أحيانًا كرمز للسلام أو لتكريم ضحايا الحرب المدنيين، بينما يُستخدم الخشخاش البنفسجي أحيانًا لتكريم الحيوانات التي خدمت في الحروب لتقديم تضحياتها.

ما هي "قصيدة الذكرى" التي تُقرأ غالبًا في هذا اليوم؟

تُشير "قصيدة الذكرى" غالبًا إلى مقطع من "قسم الذكرى" الذي يُقرأ في العديد من الاحتفالات، ويبدأ بعبارة "إنهم لن يشيخوا، كما نشيخ نحن، ولن تهرمهم السنون ولا الأيام، في غروب الشمس وعند بزوغ الفجر، سنتذكرهم." كما تُعد قصيدة "في حقول فلاندرز" لجون ماكري من النصوص الأساسية التي تُقرأ على نطاق واسع.

ما أهمية دقيقتين من الصمت في يوم الذكرى؟

تُعد دقيقتا الصمت، التي تبدأ في تمام الساعة 11:00 صباحًا، لحظة مقدسة من التأمل والتذكر الوطني الجماعي. إنها فرصة للكنديين للتوقف عن أنشطتهم اليومية والتفكير في التضحيات الجسيمة التي قدمها أفراد القوات المسلحة من أجل الحفاظ على حريات كندا وقيمها، وتعزيز الوعي بأهمية السلام.