يُعدّ عيد العنصرة، المعروف أيضًا بعيد الخمسين، إحدى أهم الأعياد المسيحية الكبرى، ويُحتفل به سنويًا في يوم الأحد السابع الذي يلي عيد الفصح المجيد، أي بعد خمسين يومًا بالتمام من قيامة السيد المسيح. هذا التوقيت ليس مجرد صدفة؛ فالرقم "خمسين" هو أصل التسمية اليونانية "Pentēkostē"، والتي تعني "الخمسين".

تكمن الأهمية الجوهرية لهذا العيد في إحيائه لذكرى حدث محوري ومذهل: نزول الروح القدس على تلاميذ المسيح الأوائل وغيرهم من المؤمنين المجتمعين في مدينة القدس المقدسة. لم يكن هذا التجمع عشوائيًا، بل كانوا يحتفلون في تلك الأيام بعيد يهودي قديم يُعرف باسم "عيد الأسابيع" أو "شافوعوت" (Shavuot)، وهو احتفال بالحصاد ونزول الشريعة على موسى في جبل سيناء. وفي خضم هذا الاحتفال التاريخي، وكما هو موضح بتفصيل حيوي في سفر أعمال الرسل، الإصحاح الثاني (أعمال 2: 1-31)، تحققت نبوءات السيد المسيح حول إرسال المعزي. لقد تجلى الروح القدس بصورة غير مسبوقة، فظهرت ألسنة كأنها من نار استقرت على رأس كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وبدأوا يتكلمون بلغات مختلفة لم يسبق لهم تعلمها، مما أثار دهشة الحشود المتواجدة في القدس من كل أمة تحت السماء.

ميلاد الكنيسة وتمكين الرسل

لم يكن هذا الحدث مجرد ظاهرة خارقة تمر مرور الكرام، بل كان له تأثير عميق ودائم، فهو يمثل بحق "ميلاد الكنيسة الأولى" بصفاتها المنظمة والديناميكية. قبل العنصرة، كان التلاميذ مجموعة صغيرة من الأفراد؛ وبعدها، تحولوا إلى قوة تبشيرية لا تُقهر. ففي ذلك اليوم المبارك، وقف بطرس الرسول، الذي كان خائفًا ومضطربًا في السابق، ليخطب في الجموع بجرأة لم يسبق لها مثيل، شارحًا لهم نبوءات العهد القديم وشهادتهم عن يسوع المسيح وقيامته. ونتيجة لتلك العظة الملهمة، تاب نحو ثلاثة آلاف نفس واعتمدوا، ليضافوا إلى جماعة المؤمنين، مما يمثل الانطلاقة الفعلية لانتشار الرسالة المسيحية إلى العالم. هذه اللحظة أكدت على أن الكنيسة ليست مجرد بناء أو مؤسسة بشرية، بل هي جسد حي مُفعم بالروح القدس، مُمَكَّن لنشر الإنجيل وبناء ملكوت الله.

العنصرة في التقاليد الشرقية والكتاب الليتورجي

في التقاليد المسيحية الشرقية، بما في ذلك الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والأرثوذكسية المشرقية، يتجاوز مفهوم عيد العنصرة اليوم الواحد ليشمل فترة زمنية كاملة تُعرف بـ"فترة العنصرة الشاملة". تمتد هذه الفترة المباركة لخمسين يومًا تبدأ من عيد الفصح وحتى عيد العنصرة نفسه، لتُختتم في الأحد الذي يلي العنصرة، والذي يُعرف عادةً بـ"أحد جميع القديسين". خلال هذه الفترة، تركز النصوص الليتورجية والصلوات على مواضيع القيامة والرجاء والتمكين بالروح القدس، مما يعكس الفرح المستمر بقيامة المسيح والفيض الروحي الذي جاء مع حلول الروح القدس. وتُجمع النصوص الطقسية والمقاطع الكتابية المخصصة لهذه الفترة في كتاب خاص يُسمى بـ"البونتيكوستاريون" (Pentecostarion)، والذي يخدم كدليل روحي وعبادي لهذه الأيام المليئة بالاحتفال والبهجة.

العنصرة كعيد متحرك

تجدر الإشارة إلى أن عيد العنصرة يُعد "عيدًا متحركًا" في التقويم الكنسي، أي أن تاريخ الاحتفال به يتغير من عام لآخر. يعود السبب في ذلك إلى أن تاريخه مرتبط بشكل مباشر بتاريخ عيد الفصح المجيد، والذي هو نفسه عيد متحرك. فبحسب التقليد المسيحي، يُحتفل بعيد الفصح في أول يوم أحد يلي أول قمر مكتمل يقع بعد الاعتدال الربيعي. وبما أن العنصرة تقع دائمًا بعد خمسين يومًا بالضبط من الفصح، فإن تاريخها يتغير تبعًا لذلك، مما يضفي عليها طابعًا متجددًا كل عام ويذكر المؤمنين بمرونة الإيمان وتناغمه مع الدورات الطبيعية والفلكية.

أسئلة متكررة حول عيد العنصرة

ما هو عيد العنصرة؟

هو عيد مسيحي يحتفل بذكرى نزول الروح القدس على تلاميذ يسوع المسيح في القدس، بعد خمسين يومًا من قيامة المسيح.

لماذا يُسمى عيد العنصرة بهذا الاسم؟

تأتي تسمية "العنصرة" من الكلمة اليونانية "Pentēkostē" التي تعني "الخمسين"، في إشارة إلى كونه يُحتفل به بعد خمسين يومًا من عيد الفصح.

ما هو الحدث الرئيسي الذي يحتفل به في عيد العنصرة؟

يُحتفل بالنزول العظيم للروح القدس على الرسل والمؤمنين الأوائل، كما هو موضح في سفر أعمال الرسل (أعمال 2: 1-31)، حيث امتلأوا من الروح القدس وبدأوا يتكلمون بلغات مختلفة.

ما هي أهمية عيد العنصرة للكنيسة؟

يُعتبر عيد العنصرة بمثابة "ميلاد الكنيسة"؛ ففيه مُنح المؤمنون القوة والتمكين الإلهي لبدء نشر رسالة الإنجيل في العالم، وتشكلت أول جماعة مسيحية منظمة وقوية.

هل عيد العنصرة عيد ثابت أم متحرك؟

هو عيد متحرك في التقويم الكنسي، أي أن تاريخه يتغير كل عام، لأنه يُحدد بناءً على تاريخ عيد الفصح، والذي هو بدوره عيد متحرك.