يحتفل المغاربة سنويًا بعيد ثورة الملك والشعب، وهو تاريخ مجيد يجسد روح المقاومة والتلاحم الوطني بين العرش والشعب. لا يمثل هذا اليوم مجرد ذكرى عابرة، بل هو محطة تاريخية مفصلية ترمز إلى عودة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، إلى وطنه الأم في 16 نوفمبر 1955. كانت هذه العودة لحظة فارقة، أتت تتويجًا لسنوات من النضال المرير والمنفى القسري الذي فرضته سلطات الحماية الفرنسية، لتفتح صفحة جديدة في مسيرة المغرب نحو الاستقلال التام.
ففي 20 أغسطس 1953، وبعد أن رفض جلالته بشكل قاطع توقيع الظهائر الرامية إلى تفكيك الوحدة الوطنية وتجريد الملك من صلاحياته الروحية والسياسية، أقدمت سلطات الاحتلال الفرنسي على نفي الملك محمد الخامس والعائلة الملكية الكريمة خارج البلاد. بدأت رحلة المنفى من المغرب إلى جزيرة كورسيكا أولاً، ثم إلى جزيرة مدغشقر النائية، وتحديدًا مدينة أنتسيرابي. كان هذا القرار الفرنسي يهدف إلى إخماد جذوة المقاومة وتجريد الشعب المغربي من قائده الروحي والسياسي، الذي كان يمثل رمزًا للسيادة والوحدة الوطنية؛ فالمغاربة لطالما رأوا في سلطانهم قائدًا دينيًا ودنيويًا لا يمكن فصله عن هويتهم.
لكن هذه الخطوة لم تحقق غرضها؛ بل على العكس تمامًا، كانت شرارة لانطلاق ثورة عارمة وغير مسبوقة. فقد أظهر الشعب المغربي حينها تلاحمًا منقطع النظير مع عرشه، معتبرًا نفي الملك بمثابة إعلان حرب على سيادته وكرامته. تفجرت الانتفاضات الشعبية وتصاعدت العمليات الفدائية، وشهدت المدن والقرى المغربية حراكًا وطنيًا قويًا. لم تكن هذه الثورة مجرد رد فعل عفوي، بل كانت تجسيدًا لإرادة شعبية صلبة ووعي وطني عميق، أصر على استرجاع ملكه وكرامته واستقلاله، متجسدة في شعار "لا عرش بدون ملك، ولا ملك بدون شعب".
عودة الملك وتحقيق الاستقلال التام
أمام صمود الشعب المغربي وتصاعد المقاومة الوطنية المسلحة وغير المسلحة، وتزايد الضغوط الدولية على فرنسا، أدركت باريس أن بقاء الملك محمد الخامس في المنفى أصبح أمرًا مستحيلاً ويساهم في تأجيج الأوضاع داخل المغرب. كان لابد من حل ينهي حالة عدم الاستقرار والنزيف البشري والمادي. وهكذا، في خضم تلك التطورات، عاد جلالة الملك محمد الخامس منتصرًا إلى أرض الوطن في 16 نوفمبر 1955، في مشهد تاريخي مهيب استقبلته فيه جماهير غفيرة خرجت من كل فج عميق لتعبر عن فرحتها العارمة بقدوم قائدها وملهمها، في احتفالية عفوية تعكس عمق الارتباط بين الملك وشعبه.
لم تكن عودة الملك مجرد عودة شخصية، بل كانت عودة رمز للسيادة الوطنية التي استعادها المغرب. فور عودته، أعيد الاعتراف به بشكل كامل كسلطان شرعي للمغرب، وهو ما مكنه من استئناف دوره القيادي الحيوي في مسيرة التحرر. لعب جلالته، بحكمته وبعد نظره السياسي، دورًا محوريًا وحاسمًا في مفاوضات استقلال المغرب مع السلطات الفرنسية. كللت هذه المفاوضات بالنجاح، وتم الإعلان عن استقلال المغرب في 2 مارس 1956، لتطوى بذلك صفحة الحماية الأجنبية وتُفتح صفحة جديدة من البناء والازدهار والسيادة الوطنية الكاملة.
الأسئلة المتكررة حول عيد ثورة الملك والشعب
- ما هو عيد ثورة الملك والشعب؟
- هو ذكرى وطنية يحتفل بها المغاربة سنويًا في 20 أغسطس. يخلد هذا اليوم انطلاق الثورة العارمة التي اندلعت في أعقاب نفي سلطات الاحتلال الفرنسي للملك محمد الخامس والعائلة الملكية في عام 1953، ويرمز إلى التلاحم الأبدي بين العرش والشعب في سبيل الحرية والاستقلال.
- متى عاد الملك محمد الخامس من المنفى؟
- عاد جلالة الملك محمد الخامس إلى أرض الوطن يوم 16 نوفمبر 1955، في تاريخ يمثل نهاية مرحلة المنفى الطويل وبداية عهد جديد من السيادة والمفاوضات النهائية نحو الاستقلال التام للمملكة الشريفة.
- ما هو الدور الذي لعبه الملك محمد الخامس في تحقيق استقلال المغرب؟
- كان الملك محمد الخامس، رحمه الله، محور المقاومة ورمز الوحدة الوطنية التي التف حولها الشعب المغربي. وبعد عودته المظفرة من المنفى، قاد المفاوضات بنجاح مع فرنسا، مستفيدًا من مكانته الشرعية وشعبيته الجارفة، مما أفضى إلى اعتراف فرنسا باستقلال المغرب التام في 2 مارس 1956، ووضع أسس الدولة المغربية الحديثة.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 




