يُعدّ الغورو جوبيند سينغ (Guru Gobind Singh)، الذي وُلد باسم جوبيند راي في باتنا، بيهار، الهند، في عام 1666، شخصية محورية وعملاقة في تاريخ الديانة السيخية وتطورها. لقد كان الابن الوحيد للغورو تيج بهادور صاحب، الغورو التاسع في سلسلة الغورو السيخ العشرة، والذي يُعرف بتضحياته الجليلة من أجل حرية الضمير والمعتقد. يُعتبر الغورو تيج بهادور شهيدًا بارزًا في تاريخ الهند، حيث قُطِع رأسه عام 1675 في تشاندني تشوك بدلهي، وذلك بأمر من الإمبراطور المغولي أورنجزيب، بسبب رفضه القاطع التحول إلى الإسلام ودفاعه عن حقوق الهندوس في ممارسة شعائرهم بحرية.

مسؤولية القيادة في سن التاسعة:

في ظروف بالغة الصعوبة وفي سن التاسعة فقط، تم تعيين جوبيند راي رسميًا كالغورو العاشر والأخير للسيخ البشريين في عام 1675، بعد استشهاد والده مباشرة. كانت هذه اللحظة نقطة تحول حاسمة، حيث تحمل الغورو الصغير مسؤولية قيادة أمة في عصر مضطرب يتسم بالاضطهاد الديني الشديد من قبل الإمبراطورية المغولية. لقد كان عليه أن يوجه مجتمعًا ناشئًا نحو الحفاظ على هويته الروحية وثقافته الفريدة، في بيئة سادتها التحديات الكبرى.

الغورو جوبيند سينغ: فيلسوف، شاعر، محارب، ومعلم روحي

لم يكن الغورو جوبيند سينغ مجرد قائد ديني؛ بل تجسيدًا فريدًا للفلسفة العميقة، والإبداع الشعري، والبراعة العسكرية، والسيادة الروحية المطلقة. كان فيلسوفًا ألهم أتباعه بمفاهيم الشجاعة والعدالة والمساواة، مؤكدًا على أن الغاية من الحياة هي خدمة الآخرين (Seva) والوقوف ضد الظلم والاضطهاد.

كشاعر، أثرى الأدب السيخي بمجموعة ضخمة من الأعمال الشعرية والفلسفية، أشهرها "داسام غرانث" (Dasam Granth)، الذي يضم تراتيل وأناشيد روحية تدعو إلى البطولة الروحية والأخلاقية (Khalsa Mahima)، وتُعدّ هذه الكتابات مرجعًا أساسيًا لفهم الفكر السيخي ورؤيته الشاملة للحياة والكون.

برز الغورو جوبيند سينغ أيضًا كمحارب استثنائي، لم يكن يحمل السيف من أجل الغزو أو التوسع، بل للدفاع عن المظلومين وحماية القيم الروحية والحريات الأساسية. لقد قاد شعبه في معارك متعددة ضد القوى الظالمة، وغرس فيهم روح الشجاعة والتضحية، مؤكداً على مبدأ "دهارام يودا" (Dharam Yudh) أو الحرب المقدسة التي تُشنّ من أجل العدالة والبر، وليس من أجل السلطة الدنيوية.

لكن الأهم من كل ذلك، كان الغورو جوبيند سينغ معلمًا روحيًا ذا رؤية ثاقبة. لقد أدرك الحاجة إلى تحويل المجتمع السيخي إلى قوة منظمة وموحدة قادرة على الدفاع عن نفسها وعن مبادئها في وجه الاضطهاد المتزايد. هذه الرؤية تجسدت في تأسيسه لـ "الخالسا" (Khalsa) في عام 1699.

تأسيس الخالسا: ولادة أمة من المحاربين القديسين

في عيد فايساكي (Vaisakhi) المقدس عام 1699، في مدينة أناندبور صاحب التاريخية التي أسسها والده، أحدث الغورو جوبيند سينغ ثورة بتأسيس نظام الخالسا. كانت هذه الخطوة بمثابة تحول جذري، حيث دعا السيخ إلى التعهد بمبادئ "السنت-سيباهي" (Sant-Sipahi) أي "القديس الجندي" الذي يجمع بين التقوى الروحية والشجاعة العسكرية. وقد طُلب من أعضاء الخالسا الالتزام بخمسة مبادئ ظاهرية أساسية تُعرف بـ "الكاف الخمسة" (Five Ks)، والتي تمثل التزامهم بهوية سيخية مميزة ونمط حياة روحي عسكري:

• كِش (Kesh): شعر غير مقصوص، يُشير إلى القبول الكامل لإرادة الإله والتكريس الروحي والطبيعية.
• كانغا (Kangha): مشط خشبي صغير، يرمز للنظافة والنظام، ويُبقي الشعر في مكانه.
• كارا (Kara): سوار فولاذي يرتديه السيخ على المعصم، رمز للرباط الروحي الأبدي بالله ووحدة المجتمع السيخي.
• كيربان (Kirpan): خنجر قصير، يرمز للدفاع عن العدالة، وحماية الأبرياء، والكرامة.
• كاشيرا (Kachera): سراويل داخلية قطنية قصيرة، ترمز للعفة، والتحكم الذاتي، والجاهزية للحركة والدفاع.

لقد منح تأسيس الخالسا السيخ هوية مميزة وموحدة، وغرس فيهم شعورًا بالانتماء والفخر، وجعلهم جاهزين للوقوف في وجه أي ظلم، مع التأكيد على قيم المساواة والشجاعة والخدمة selfless service للمجتمع والإنسانية جمعاء.

الغورو الخالد: غورو غرانث صاحب

قبل وفاته في عام 1708 في نانديد، اتخذ الغورو جوبيند سينغ قرارًا مصيريًا غيّر مسار السيخية إلى الأبد. فبدلاً من تعيين غورو بشري آخر، أعلن أن الكتاب المقدس السيخي، "غورو غرانث صاحب" (Guru Granth Sahib)، هو الغورو الأبدي والحيّ للسيخ. هذا القرار أكد على أن تعاليم الغورو هي الأهم، وأن المعرفة الروحية متجسدة في الكلمات المقدسة، وليس في شخص بشري. وبهذا، ضمن استمرارية الإرشاد الروحي للمجتمع السيخي وحمى السيخية من أي انقسامات محتملة في المستقبل حول الخلافة البشرية، مؤكداً على أن الحكمة الإلهية هي المصدر الأبدي للتوجيه.

إرث لا يُمحى

إن إرث الغورو جوبيند سينغ يتجاوز حدود الزمن؛ فهو يمثل قمة التضحية من أجل المبادئ، ورمزًا للشجاعة في وجه الطغيان، ونموذجًا للقيادة الروحية التي تسعى لتمكين الأفراد والمجتمعات. تستمر تعاليمه ومؤسساته، مثل الخالسا وغورو غرانث صاحب، في توجيه ملايين السيخ حول العالم، وتلهمهم للعيش حياة مليئة بالنزاهة والخدمة والوقوف من أجل العدالة الاجتماعية.

أسئلة متكررة حول الغورو جوبيند سينغ والسيخية

من هو الغورو جوبيند سينغ؟

هو الغورو العاشر والأخير من الغورو البشريين في الديانة السيخية، وقائد روحي، وفيلسوف، وشاعر، ومحارب عظيم، ومؤسس نظام الخالسا، وولد باسم جوبيند راي.

ما هي الخالسا ولماذا أسسها الغورو جوبيند سينغ؟

الخالسا هي جماعة الأخوة النقية من السيخ، أسسها الغورو جوبيند سينغ في عام 1699 لتحويل السيخ إلى محاربين قديسين ملتزمين بالدفاع عن الحرية والعدالة ومواجهة الظلم، ولتوفير هوية موحدة ومتميزة للمجتمع السيخي في مواجهة الاضطهاد.

لماذا يعتبر الغورو غرانث صاحب الغورو الأبدي؟

أعلن الغورو جوبيند سينغ أن الغورو غرانث صاحب هو الغورو الأبدي الحيّ للسيخ لضمان استمرارية الإرشاد الروحي من خلال الكلمات المقدسة، بدلاً من الاعتماد على الغورو البشري، ولحماية المجتمع من الانقسامات المستقبلية حول الخلافة، مؤكداً على سيادة "الكلمة" المقدسة.

ما هي الكاف الخمسة (Five Ks) في السيخية؟

هي خمسة عناصر ظاهرية إلزامية لـ "الخالسا" السيخية تُرتدى كرمز للالتزام، وهي: الكِش (شعر غير مقصوص)، الكانغا (مشط خشبي)، الكارا (سوار فولاذي)، الكيربان (خنجر)، والكاشيرا (سروال داخلي قطني)، وكل منها يرمز لمبدأ روحي وأخلاقي معين يربط السيخي بهويته وقيمه.