يُعدّ عيد الشهداء، أو كما يُعرف أيضاً بـ يوم الشهداء، مناسبة وطنية وعطلة رسمية بالغة الأهمية في كل من سوريا ولبنان. إنه يومٌ مُخصّص لتكريم أرواح الأبطال الذين قَدّموا أسمى التضحيات بحياتهم في سبيل الحرية والكرامة الوطنية. يُمثّل هذا اليوم تحديداً ذكرى موجة الإعدامات الوحشية التي طالت نُخبة من المفكرين والسياسيين والقادة العرب على يد السلطات العثمانية في السادس من مايو عام 1916، وذلك في قلب العاصمتين دمشق وبيروت.
كانت هذه الإعدامات بأمرٍ مباشر من القائد العسكري العثماني، أحمد جمال باشا، الذي عُرف بلقبه المُرعب "السفّاح" أو "جمال باشا السفّاح"، لما اشتهر به من قسوةٍ وبطشٍ في تعامله مع الحركات الوطنية العربية المتصاعدة آنذاك. هذه الأحداث الدامية لم تكن مجرد وقائع عابرة، بل كانت نقطة تحوّل محورية في تاريخ المنطقة، فقد أيقظت الوعي القومي وعززت روح المقاومة ضدّ الهيمنة الأجنبية.
خلفية تاريخية: سياق الأحداث الدامية
لفهم عمق وتأثير عيد الشهداء، من الضروري استعراض السياق التاريخي الذي أحاط به. كانت المنطقة العربية جزءاً من الدولة العثمانية على مدى قرون طويلة، لكن مع بداية القرن العشرين، وخصوصاً مع اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، بدأت المطالبات بالاستقلال أو الحكم الذاتي تزداد قوة. كان القوميون العرب يسعون إلى التحرر من النير العثماني، الذي اعتبروه متغطرساً ومتجاهلاً لطموحاتهم.
تولى أحمد جمال باشا قيادة الجيش الرابع العثماني وكان الحاكم الفعلي للولايات السورية الكبرى خلال الحرب العالمية الأولى. اتبع جمال باشا سياسةً قمعيةً شديدة تجاه أي تحركات أو تطلعات قومية عربية، حيث كان ينظر إلى كل دعوة للإصلاح أو الاستقلال على أنها خيانة للإمبراطورية. لقد أرسى نظاماً بوليسياً قائماً على الرقابة الصارمة، وشمل ذلك:
- مصادرة الصحف وإغلاق الجمعيات الأدبية والسياسية.
- حملات تفتيش واسعة النطاق للمنازل والمكاتب.
- توقيفات عشوائية واعتقالات للمئات من الشخصيات البارزة.
- تشكيل محاكم عسكرية استثنائية لم تلتزم بأبسط معايير العدالة، عُرفت باسم "المحاكم الديوانية العرفية".
مأساة السادس من مايو 1916: تفاصيل الإعدامات
في السادس من مايو 1916، بلغ بطش جمال باشا ذروته. فقد أصدر أوامره بإعدام مجموعة من كبار الشخصيات الوطنية السورية واللبنانية، التي اعتقلتها السلطات العثمانية خلال حملاتها القمعية. هؤلاء الشهداء كانوا من خيرة أبناء الوطن، ضمت صفوفهم صحفيين، وأدباء، ومحامين، وسياسيين، وأطباء، ورجال دين، وشيوخ عشائر، وقد جمعهم الحلم بوطنٍ حرٍ ومستقل. نُفذت الإعدامات في ميدان المرجة بدمشق (المعروف اليوم بميدان الشهداء) وفي ساحة البرج ببيروت (التي أصبحت تُعرف أيضاً بساحة الشهداء).
كانت الإعدامات علنية، بهدف بث الرعب في قلوب السكان وردع أي محاولة للمقاومة أو التمرد. يُقدر عدد الذين أُعدموا في ذلك اليوم بـ 21 شهيداً، منهم 11 في دمشق و10 في بيروت. كانت أجسادهم الطاهرة معلّقة أمام مرأى ومسمع الجميع، لتشكل صرخة مدوية في وجه الظلم، وتُلهب في الوقت ذاته نار الثورة في النفوس. من أبرز الأسماء التي ارتقى أصحابها شهداء في ذلك اليوم، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: عبد الحميد الزهراوي، شفيق مؤيد العظم، سعيد سلام، عارف الشهابي، عمر حمد، الأمير عارف الجزائري، وغيرهم الكثير ممن تركوا بصمة خالدة في تاريخ النضال العربي.
أهمية عيد الشهداء في الوعي الوطني
لم يكن السادس من مايو مجرد تاريخٍ لإعدام مجموعة من الوطنيين، بل أصبح رمزاً راسخاً للتضحية والفداء في سبيل تحرر الأمة العربية. يُعتبر هذا اليوم حجر الزاوية في بناء الوعي القومي السوري واللبناني، حيث يذكّر الأجيال المتعاقبة بالثمن الباهظ الذي دُفع لنيل الحرية والاستقلال من الاستبداد العثماني. إنه يومٌ للتأمل في بطولات الأجداد، وتجديد العهد على صون كرامة الوطن وسيادته.
تحتفل سوريا ولبنان بهذا اليوم من خلال فعاليات رسمية وشعبية، تشمل وضع أكاليل الزهور على النصب التذكارية للشهداء، ورفع الأعلام، وتنظيم المسيرات، وإلقاء الخطب التي تمجد مآثر الشهداء وتاريخهم المشرق. كما يتم تسليط الضوء على قصص هؤلاء الأبطال في المناهج التعليمية لضمان عدم نسيان تضحياتهم الكبيرة.
أسئلة متكررة حول عيد الشهداء
- متى يتم الاحتفال بعيد الشهداء؟
- يُحتفل بعيد الشهداء في السادس من شهر مايو من كل عام في سوريا ولبنان، وهو يوم عطلة رسمية في كلا البلدين.
- لماذا يُعرف جمال باشا بـ "السفّاح"؟
- اكتسب جمال باشا لقب "السفّاح" (أو الجزار) نظراً لقسوته المفرطة وسياساته القمعية التي انتهجها ضد القوميين العرب خلال الحرب العالمية الأولى، والتي بلغت ذروتها بإعدام عشرات المفكرين والوطنيين.
- من هم أبرز الشهداء الذين تم إعدامهم في 6 مايو 1916؟
- من بين البارزين الذين تم إعدامهم في ذلك اليوم نذكر على سبيل المثال: عبد الحميد الزهراوي، شفيق مؤيد العظم، سعيد سلام، عارف الشهابي، عمر حمد، الأمير عارف الجزائري، شكري العسلي، عبد الوهاب الإنكليزي، توفيق البساط، وغيرهم من الشخصيات التي كانت تطالب بالحرية والاستقلال.
- ما هو الهدف من إحياء ذكرى عيد الشهداء سنوياً؟
- يهدف إحياء ذكرى عيد الشهداء إلى تخليد تضحيات الأبطال الذين سقطوا في سبيل الوطن، وتذكير الأجيال الجديدة بقيمة الحرية والاستقلال، وتعزيز الوعي القومي، وبناء هوية وطنية راسخة تقوم على الفخر بتاريخ النضال والتضحية.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 




