Altiero Spinelli ، مُنظِّر وسياسي إيطالي (تُوفي 1986)
يُعد ألتيرو سبينيلي (31 أغسطس 1907 – 23 مايو 1986) شخصية محورية في تاريخ أوروبا الحديث، فهو سياسي إيطالي بارز ومنظر سياسي عميق، وعُرف بشكل خاص كأحد رواد الفيدرالية الأوروبية الذين وضعوا اللبنات الأولى لما نعرفه اليوم بالاتحاد الأوروبي. لقد كانت حياته رحلة فكرية وسياسية معقدة، شهدت تحولات جوهرية قادته من النضال ضد الفاشية والشيوعية المبكرة إلى الدعوة الجادة لإقامة قارة أوروبية موحدة وسلمية.
النشأة والنضال ضد الفاشية
في شبابه، انخرط سبينيلي بقوة في الأوساط الشيوعية، متأثرًا بالظروف السياسية والاجتماعية التي سادت إيطاليا في أوائل القرن العشرين. كانت هذه الفترة تشهد صعود الأنظمة الشمولية، وقد جعله التزامه بالمُثُل المناهضة للفاشية هدفًا مباشرًا للنظام الفاشي الذي سيطر على البلاد. نتيجة لذلك، أمضى سبينيلي عقدًا كاملاً من حياته في السجن، من عام 1927 إلى عام 1937، بسبب نشاطه السياسي المعارض. هذه التجربة القاسية في المعتقلات الفاشية لم تكسر روحه، بل صقلت رؤاه حول أهمية الحرية والديمقراطية وحكم القانون.
بعد إطلاق سراحه، وفي عام 1937 تحديدًا، شهد فكره السياسي تحولًا جذريًا. فمع خيبة أمله المتزايدة من الممارسات الستالينية والانحرافات التي طرأت على الحزب الشيوعي الإيطالي، قرر الانفصال عنه. هذه القطيعة الفكرية كانت بمثابة نقطة تحول حاسمة في مساره، حيث بدأ في البحث عن بدائل سياسية وفكرية جديدة تتجاوز حدود الدول القومية والأنظمة الشمولية التي عاصرها.
بيان فنتوتين: رؤية لمستقبل أوروبا
في خضم الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في عام 1941، وجد ألتيرو سبينيلي نفسه رهن الاعتقال مرة أخرى، هذه المرة في جزيرة فنتوتين الإيطالية النائمة. ولكن بدلًا من الاستسلام لليأس، حوّل هذا الحبس القسري إلى فرصة للإبداع الفكري. فبالتعاون مع زميليه الاشتراكيين الديمقراطيين إرنستو روسي وأوجينيو كولورني، قام بصياغة وثيقة تاريخية حملت عنوان "البيان من أجل أوروبا حرة وموحدة"، والتي أصبحت تُعرف لاحقًا باسم "بيان فنتوتين".
لم يكن هذا البيان مجرد وثيقة سياسية عادية، بل كان بمثابة دعوة صريحة ومباشرة لتجاوز مفهوم الدولة القومية الذي اعتبره الكاتبون السبب الرئيسي للحروب والصراعات المدمرة التي اجتاحت أوروبا. لقد دعا البيان إلى إنشاء اتحاد فيدرالي أوروبي يضمن السلام الدائم، الديمقراطية، وحقوق الإنسان عبر قارة موحدة. يعتبر الكثيرون "بيان فنتوتين" نقطة الانطلاق الفكرية والعملية لعملية التكامل الأوروبي بأكملها، حيث قدم خارطة طريق طموحة لإعادة بناء أوروبا على أسس جديدة بعد الدمار الذي خلفته الحرب.
مسيرة ما بعد الحرب وإسهاماته في التكامل الأوروبي
لم يكن سبينيلي مجرد منظر، بل كان قائدًا عمليًا ومناضلًا شغوفًا برؤيته. فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لعب دورًا قياديًا في تأسيس "الحركة الفيدرالية الأوروبية" (European Federalist Movement)، وهي منظمة سعت جاهدة لتحقيق أهداف "بيان فنتوتين". كان تأثيره قويًا ومباشرًا على العقود القليلة الأولى من التكامل الأوروبي، حيث كان من أشد المؤيدين والمدافعين عن المبادرات الأولى التي هدفت إلى توحيد أوروبا، مثل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب والجماعة الاقتصادية الأوروبية.
استمر سبينيلي في عطائه السياسي، حيث شغل منصب عضو في المفوضية الأوروبية لمدة ست سنوات، مما أتاح له فرصة المساهمة في صنع السياسات الأوروبية من الداخل. كما كان عضوًا في البرلمان الأوروبي لمدة عشر سنوات كاملة، وظل في هذا المنصب حتى وفاته في عام 1986. وخلال هذه الفترة، وتحديدًا في الثمانينيات، ساعد بشكل فعال في إعادة إطلاق عملية الاندماج الأوروبي عندما بدا أنها تتباطأ، عبر ما عُرف بـ "خطة سبينيلي" التي كانت تهدف إلى تعزيز صلاحيات البرلمان الأوروبي وإرساء أسس دستور أوروبي، مما مهد الطريق لمعاهدة ماستريخت اللاحقة وتعميق الاتحاد.
إرث ألتيرو سبينيلي الخالد
لا يزال إرث ألتيرو سبينيلي حيًا ومؤثرًا حتى اليوم. فتقديرًا لإسهاماته الجليلة في بناء المشروع الأوروبي، سُمي المبنى الرئيسي للبرلمان الأوروبي في بروكسل باسمه، وهو رمز دائم لدوره المحوري. كما تم تكريمه بتسمية العام الدراسي 1987-1988 في كلية أوروبا، وهي مؤسسة أكاديمية رائدة في الدراسات الأوروبية، باسمه. وفي لفتة أخرى تعكس عمق تقدير إسهاماته الفكرية، سُميت السنة الأكاديمية 2009-2010 للكلية الأوروبية في بارما أيضًا على شرفه، لتؤكد الأجيال المتعاقبة على أهمية فكره الفيدرالي ودعوته لأوروبا موحدة.
الأسئلة الشائعة حول ألتيرو سبينيلي
- من هو ألتيرو سبينيلي؟
- ألتيرو سبينيلي هو سياسي إيطالي ومنظر سياسي وأحد أبرز دعاة الفيدرالية الأوروبية، ويُعتبر أحد الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي بفضل رؤيته وإسهاماته في عملية التكامل الأوروبي.
- ما هو بيان فنتوتين ولماذا هو مهم؟
- بيان فنتوتين هو وثيقة تاريخية شارك سبينيلي في صياغتها عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية، ودعت إلى إنشاء اتحاد فيدرالي أوروبي لضمان السلام الدائم والديمقراطية. يُعتبر البيان نقطة انطلاق فكرية رئيسية لعملية التكامل الأوروبي.
- كيف ساهم سبينيلي في تشكيل الاتحاد الأوروبي؟
- ساهم سبينيلي من خلال صياغة بيان فنتوتين، وتأسيس الحركة الفيدرالية الأوروبية، وعمله كعضو في المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، حيث دافع باستمرار عن فكرة التكامل وعززها، وساعد في إعادة إطلاق زخمها في الثمانينيات.
- لماذا يُعد ألتيرو سبينيلي "أبًا مؤسسًا" للاتحاد الأوروبي؟
- يُعد أبًا مؤسسًا لأنه قدم رؤية واضحة ومبكرة لأوروبا موحدة من خلال بيان فنتوتين، ثم كرس حياته للنضال من أجل تحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع، مؤثرًا بشكل كبير على التطورات السياسية والمؤسسية التي أدت إلى قيام الاتحاد الأوروبي.
- ما هي أبرز الجوانب في إرث سبينيلي؟
- يتجلى إرث سبينيلي في اسمه الذي يُطلق على المبنى الرئيسي للبرلمان الأوروبي في بروكسل، بالإضافة إلى تسمية سنوات أكاديمية في كليات أوروبية مرموقة على شرفه، مما يؤكد على مكانته كملهم للفكر الفيدرالي الأوروبي.