تصل المركبة الفضائية جاليليو إلى كوكب المشتري ، بعد أكثر من ست سنوات بقليل من إطلاقها بواسطة مكوك الفضاء أتلانتس أثناء المهمة STS-34.

تُعد مهمة جاليليو الفضائية إحدى أبرز المحطات في تاريخ استكشاف المجموعة الشمسية، حيث مثلت إنجازًا هندسيًا وعلميًا مذهلاً في دراسة كوكب المشتري العملاق وأقماره الساحرة. كان جاليليو مسبارًا فضائيًا آليًا أمريكيًا، أطلقته وكالة ناسا، ليحمل على عاتقه مهمة الكشف عن أسرار أكبر كواكب مجموعتنا الشمسية.

رحلة جاليليو الاستكشافية: مسبار المشتري الرائد

من أين جاء الاسم وماذا كانت مهمته؟

سُمي المسبار تخليدًا لذكرى العالم الفلكي الإيطالي الشهير جاليليو جاليلي، الذي أحدث ثورة في فهمنا للكون من خلال اكتشافاته الرائدة باستخدام التلسكوب، بما في ذلك أقمار المشتري الأربعة الكبيرة. لم يقتصر دور مسبار جاليليو على مجرد النظر إلى المشتري، بل انغمس في دراسته العميقة، متفحصًا غلافه الجوي، حقله المغناطيسي، وبيئته المشعة القاسية. كما وسع نطاق بحثه ليشمل أقماره الرئيسية مثل آيو، يوروبا، غانيميد، وكاليستو، التي تُعرف الآن باسم "أقمار جاليليو" تكريمًا لمكتشفها التاريخي. لم تتوقف طموحات جاليليو عند الكوكب العملاق وأقماره، بل امتدت لتشمل التحليق بالقرب من الكويكبين جاسبرا وإيدا، مقدمًا لنا أول نظرة مقربة على هذين الجسمين الصخريين في حزام الكويكبات.

بنية جاليليو وتصميمه الهندسي الفريد

تكون مسبار جاليليو من جزأين رئيسيين: مركبة مدارية ضخمة صُممت للدوران حول المشتري لفترات طويلة، ومسبار دخول صغير الحجم مهمته التوغل في الغلاف الجوي للكوكب. تولى مختبر الدفع النفاث (JPL)، التابع لوكالة ناسا، مسؤولية بناء المركبة الفضائية جاليليو بأكملها وإدارة برنامجها الطموح. أما وحدة الدفع الحيوية، فقد جاءت مساهمة من شركة Messerschmitt-Bölkow-Blohm الألمانية الغربية، في حين قام مركز أبحاث أميس التابع لناسا بإدارة مسبار الغلاف الجوي الذي بنته شركة هيوز للطائرات. عند إطلاقه، بلغ الوزن الإجمالي للمركبة المدارية والمسبار معًا 2,562 كيلوجرامًا (ما يعادل 5,648 رطلاً)، ووصل ارتفاعه إلى 6.15 مترًا (حوالي 20.2 قدمًا).

كان تصميم جاليليو الهندسي فريدًا ومبتكرًا ليتغلب على تحديات بيئة الفضاء، حيث عادة ما تُثبت المركبات الفضائية إما بالدوران حول محور ثابت للحفاظ على استقرارها، أو بالحفاظ على اتجاه ثابت بالإشارة إلى الشمس والنجم. لكن جاليليو جمع بين النهجين. فقد كان أحد أقسامه يدور بمعدل ثلاث دورات في الدقيقة، مما وفر الاستقرار للمسبار وسمح في الوقت نفسه لست أدوات علمية بجمع البيانات من اتجاهات مختلفة، بما في ذلك أدوات قياس الحقول المغناطيسية والجسيمات المشحونة، بينما ظل قسم آخر ثابتًا وموجهًا نحو المشتري.

الرحلة التاريخية إلى عملاق المجموعة الشمسية

الانطلاق والمسار المعقد

لم تكن رحلة جاليليو مباشرة إلى المشتري. ففي 18 أكتوبر 1989، انطلق المسبار على متن مكوك الفضاء أتلانتس من الأرض، ليبدأ رحلته الملحمية. ولتحقيق السرعة اللازمة للوصول إلى المشتري، الذي يبعد ملايين الكيلومترات، اعتمد جاليليو على تقنية "المساعدة الجاذبية". وقد تضمنت هذه المناورات التحليق بالقرب من كوكب الزهرة مرة واحدة والأرض مرتين، مستفيدًا من قوة جاذبية هذه الكواكب لزيادة سرعته وتعديل مساره، في استعراض مذهل لديناميكيات الفضاء. وبعد سنوات طويلة من الترحال عبر الفضاء السحيق، وصل جاليليو إلى وجهته في 7 ديسمبر 1995، محققًا إنجازًا تاريخيًا فارقًا: كان أول مركبة فضائية على الإطلاق تدور حول كوكب خارجي، ما فتح فصلاً جديدًا في استكشاف الكواكب الغازية العملاقة.

نهاية مهمة جاليليو وإرثه العلمي

النهاية المدروسة ومبدأ حماية الكواكب

وبعد سنوات من الخدمة وتقديم كميات هائلة من البيانات التي غيرت فهمنا للمشتري وأقماره، وصلت مهمة جاليليو إلى نهايتها المخطط لها. ففي 21 سبتمبر 2003، تم تدمير المسبار عمدًا في الغلاف الجوي لكوكب المشتري. لم يكن هذا القرار نابعًا من عطل فني، بل كان إجراءً وقائيًا مدروسًا بعناية، يهدف إلى حماية أقمار المشتري، وخاصة قمر يوروبا، الذي يُعتقد أنه يحوي محيطًا سائلًا تحت سطحه الجليدي وقد يكون صالحًا للحياة. من خلال توجيه جاليليو ليحترق في الغلاف الجوي للمشتري، ضمن العلماء عدم اصطدامه بأي من هذه الأقمار وتلوثها بأي ميكروبات أرضية قد تكون عالقة على متنه.

استمرارية الاستكشاف: من جاليليو إلى جونو

على الرغم من انتهاء مهمته، فإن إرث جاليليو لا يزال حيًا ومؤثرًا في الأوساط العلمية. فقد مهد الطريق لمهمات مستقبلية وألهم جيلًا جديدًا من المستكشفين. بعد جاليليو، كانت المركبة المدارية التالية التي تم إرسالها إلى المشتري هي مسبار جونو، والذي واصل البحث في أعماق المشتري، ووصل إلى الكوكب العملاق في 5 يوليو 2016، مبنيًا على الإنجازات الرائدة التي حققها سلفه جاليليو. وهكذا، استمرت رحلة البشرية في فهم أسرار هذا الكوكب الغامض، وكل ذلك بفضل البصمات الأولى التي تركها مسبار جاليليو.

الأسئلة الشائعة (FAQs) حول مهمة جاليليو

ما هو اسم العالم الذي سمي المسبار باسمه؟
سمي المسبار على اسم العالم الفلكي الإيطالي الشهير جاليليو جاليلي، تكريمًا لإنجازاته في علم الفلك واكتشافاته لأقمار المشتري.
متى وصل مسبار جاليليو إلى المشتري؟
وصل مسبار جاليليو إلى كوكب المشتري في 7 ديسمبر 1995، بعد رحلة طويلة تضمنت مناورات مساعدة جاذبية.
ما هو الإنجاز الرئيسي لمهمة جاليليو؟
كان جاليليو أول مركبة فضائية على الإطلاق تدور حول كوكب خارجي، مما فتح آفاقًا جديدة لاستكشاف الكواكب الغازية العملاقة.
لماذا تم تدمير جاليليو في نهاية مهمته؟
تم تدمير المسبار عمدًا في الغلاف الجوي للمشتري في 21 سبتمبر 2003، كإجراء لحماية أقمار المشتري، وخاصة يوروبا، من أي تلوث بيولوجي محتمل من المركبة الفضائية، إذ يُعتقد أن يوروبا قد يحوي محيطًا مائيًا تحت سطحه الجليدي.
من قام ببناء وإدارة مهمة جاليليو؟
قام مختبر الدفع النفاث (JPL) التابع لوكالة ناسا ببناء المركبة الفضائية وأدار برنامج جاليليو، بينما ساهمت شركات أخرى مثل Messerschmitt-Bölkow-Blohm الألمانية الغربية وشركة هيوز للطائرات في مكونات رئيسية.
ما هي المركبة الفضائية التي خلفت جاليليو في دراسة المشتري؟
المركبة الفضائية التي خلفت جاليليو في دراسة المشتري هي مسبار جونو، الذي وصل إلى الكوكب في 5 يوليو 2016.