أحمد بن أبي جمعة ، عالم إسلامي ، مؤلف فتوى وهران
يُعد أبو العباس أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني، الذي توفي في الثالث من يونيو عام 1511 للميلاد، واحدًا من أبرز علماء الشريعة الإسلامية في عصره، وينتمي إلى المذهب المالكي الذي كان سائدًا في بلاد المغرب والأندلس. لقد كان عالمًا نشطًا وذو تأثير كبير في منطقة المغرب العربي، التي تشمل حاليًا أجزاء من الجزائر والمغرب، وذلك من أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حتى وفاته. عاصر الوهراني فترة تاريخية دقيقة ومفصلية في تاريخ الإسلام في الأندلس، والتي شهدت سقوط غرناطة في عام 1492 وتداعياتها التي أثرت بشكل عميق على حياة المسلمين هناك.
فتوى وهران: سياقها وأهميتها التاريخية
يُعرف أبو العباس الوهراني بشكل أساسي بتأليفه لفتوى تاريخية تُعرف باسم "فتوى وهران"، والتي صدرت في عام 1504 للميلاد. جاءت هذه الفتوى استجابة للظروف القاسية التي واجهها المسلمون في إسبانيا بعد سقوط الممالك الإسلامية، حيث أجبروا على اعتناق المسيحية ظاهريًا فيما عُرف بـ "الموريسكيين". لقد كانت حياة هؤلاء المسلمين محفوفة بالمخاطر، حيث كانوا يواجهون الاضطهاد الشديد إذا ما انكشف أمر محافظتهم على دينهم الإسلامي سرًا. وفي هذا السياق، قدمت فتوى وهران حلولًا استثنائية وإرشادات تفصيلية لهؤلاء المسلمين ليتمكنوا من ممارسة شعائر دينهم في الخفاء، مع منحهم رخصًا واسعة لمجاراة المسيحيين علنًا، بل والقيام بأعمال محرمة في الشريعة الإسلامية بشكل عام، إذا كان ذلك ضروريًا لبقائهم على قيد الحياة وتجنب الاضطهاد.
تضمنت الفتوى تفويضات شاملة تسمح للمسلمين في إسبانيا بتبني مظاهر مسيحية في العلن، مثل ارتداء الصليب أو حضور الصلوات الكنسية، بل وحتى تناول لحم الخنزير أو شرب الخمر إذا كان ذلك وسيلة للحفاظ على حياتهم أو التخفي عن أعين محاكم التفتيش. لقد كانت هذه الفتوى تمثل استجابة شرعية لمفهوم "الضرورات تبيح المحظورات"، و"التقية" (إخفاء الإيمان أو العمل به في ظروف الإكراه)، ولكن بتفصيل ودقة غير مسبوقين، مما جعلها من أهم الوثائق التي تعكس مرونة الفقه الإسلامي في التعامل مع الأزمات الكبرى.
"مفتي وهران": اللقب ومكان الإصدار
على الرغم من الشهرة التي اكتسبها بلقب "مفتي وهران" لارتباط اسمه بهذه الفتوى البارزة، فإنه من المهم التوضيح أن أبا العباس الوهراني لم يكن يشغل أي منصب رسمي كمفتٍ في وهران أو في فاس، حيث يُرجح بقوة أنه أصدر الفتوى. تُشير المصادر التاريخية إلى أن الفتوى قد صدرت في مدينة فاس بالمغرب، وليس في وهران كما يوحي اللقب. هذا اللقب، "مفتي وهران"، اكتسبه الوهراني على الأرجح بسبب ارتباط الفتوى بمدينة وهران، التي كانت نقطة عبور مهمة للمسلمين الفارين من الأندلس إلى المغرب العربي، أو ربما لأن الرسالة وُجّهت إلى "أهل وهران" كتمثيل عام للمسلمين المضطهدين في المنطقة. هذه الفتوى، بغض النظر عن مكان إصدارها الدقيق أو صفته الرسمية، حملت وزنًا هائلاً ووجدت قبولاً واسعًا بين المسلمين في الأندلس، نظرًا لكونها استندت إلى اجتهاد فقهي عميق وشملت مراعاة الضرورة والحاجة الملحة.
أسئلة متكررة (FAQs)
- من هو أبو العباس أحمد بن أبي جمعة المغراوي الوهراني؟
- هو فقيه مالكي وعالم شرعي بارز من منطقة المغرب العربي، عاش في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر الميلادي، وتوفي عام 1511. اشتهر بتأليفه لـ "فتوى وهران" التاريخية.
- ما هي فتوى وهران؟
- هي فتوى شرعية صدرت عام 1504، قدمت توجيهات وإعفاءات للمسلمين في إسبانيا (الموريسكيين) الذين أجبروا على اعتناق المسيحية، لتمكينهم من ممارسة دينهم سرًا ومنحهم رخصًا استثنائية للتوافق العلني مع المسيحية وأداء أعمال محرمة عند الضرورة القصوى للحفاظ على حياتهم.
- ما هو السياق التاريخي لصدور هذه الفتوى؟
- صدرت الفتوى بعد سقوط غرناطة عام 1492، وبداية حملات الاضطهاد والإجبار على التنصير التي طالت المسلمين في إسبانيا، مما وضعهم في موقف صعب بين الإيمان والاضطهاد.
- ما هي أبرز التسهيلات أو الإعفاءات التي منحتها الفتوى؟
- سمحت الفتوى للمسلمين بالتظاهر باعتناق المسيحية علنًا، وحضور شعائرهم، وحتى تناول الممنوعات مثل لحم الخنزير وشرب الخمر إذا كان ذلك ضروريًا لتجنب الكشف عن هويتهم الإسلامية وإنقاذ حياتهم.
- لماذا يُعرف الوهراني بلقب "مفتي وهران" رغم أنه لم يكن مفتيًا رسميًا في وهران؟
- يُرجح أن هذا اللقب جاء من ارتباط الفتوى بمدينة وهران كرمز للمنطقة التي كانت تستقبل اللاجئين من الأندلس أو لكونها وُجّهت إلى مسلمين في المنطقة، على الرغم من أن الفتوى صدرت على الأرجح من فاس ولم يكن الوهراني يشغل صفة رسمية كـ "مفتي" في أي من المدينتين.