
ملخص سريع
الأيام الدولية والوطنية ليست صدفة في التقويم؛ إنها أدوات تواصل وسياسات عامة تُستخدم لتسليط الضوء على قضية، أو تعبئة الدعم، أو تغيير السلوك. قرار «تسمية يوم» يمر بعقلانية إجرائية وسياسة ناعمة تجمع بين الأمم المتحدة، والوكالات المتخصصة، والمنظمات غير الحكومية، والحكومات الوطنية.
هذه المقالة تشرح من يقرر اعتماد «يوم» أو «أسبوع» أو «سنة» رسمية، وكيف تُصاغ المعايير، ولماذا تتدخل السياسة، وما الذي يحدث بعد الاعتراف.
من يقرر يوماً دولياً؟ منظومة الأمم المتحدة
عندما نتحدث عن «اليوم الدولي» أو «اليوم العالمي»، فغالباً نقصد مناسبة أقرتها أجهزة الأمم المتحدة، وخاصة الجمعية العامة، أو إحدى الوكالات المتخصصة (مثل اليونسكو أو منظمة الصحة العالمية) عبر قرارات رسمية.
من يطرح الفكرة؟
عادةً ما تبدأ الفكرة من:
- دولة عضو تريد إبراز قضية ضمن أولوياتها الدبلوماسية.
- مجموعة دول (تحالف إقليمي أو موضوعي) تبحث عن مظلة مشتركة.
- منظمة دولية أو وكالة أممية لديها تفويض فني وترى حاجة لتعزيز الوعي.
- حملة مجتمع مدني ناضجة تجمع أدلة وتحالفات ثم تجد دولة راعية داخل الأمم المتحدة.
كيف يتحول الاقتراح إلى قرار؟
الطريق الإجرائي داخل الأمم المتحدة يتبع نمطاً متشابهاً:
- صياغة مسودة القرار: تتضمن اسم اليوم، تاريخه، أهدافه، والدعوة للدول والوكالات للاحتفال به. غالباً تُشدد على عدم فرض أعباء مالية إضافية على الميزانية.
- البحث عن رعاة مشتركين: كلما زاد عدد الدول المؤيدة والمتنوعة إقليمياً، زادت فرص التوافق.
- مفاوضات اللغة: نقاشات دقيقة على المفردات (مثلاً: «القضاء على» أم «الحد من»، «يحث» أم «يدعو»).
- اللجنة المختصة: تُناقش المسودة في لجنة موضوعية (حقوق إنسان، تنمية، ثقافة، إلخ)، وقد تُحال للجنة الخامسة إذا كان هناك أثر مالي.
- اعتماد القرار: بالتوافق أو التصويت في اللجنة ثم في الجمعية العامة. عندئذ يصبح اليوم «رسمياً» ضمن تقويم الأمم المتحدة.
الوكالات المتخصصة (اليونسكو، منظمة الصحة العالمية، منظمة العمل الدولية، الفاو...) قد تعتمد أياماً عبر أجهزتها الحاكمة (مثل المؤتمر العام أو جمعية الصحة العالمية). بعضها لاحقاً يُعتمد أيضاً على مستوى الجمعية العامة.
المعايير غير المكتوبة التي تقود الاعتماد
- التوافق السياسي: تجنب الانقسام الحاد بين الكتل الإقليمية.
- عدم الازدواجية: يضعف الحظ إذا كان هناك يوم معتمد قريب جداً في الموضوع أو التاريخ.
- الدليل والجدوى: بيانات واضحة، فجوة وعي حقيقية، خطة تفعيل قابلة للقياس.
- المواءمة مع أجندة 2030: الربط بأهداف التنمية المستدامة يزيد الإقناع.
- التكلفة: التأكيد على أن الأنشطة «ضمن الموارد المتاحة» يحمي القرار من التعطيل المالي.
أدوار الوكالات المتخصصة والمنظمات الحكومية الدولية
ليست الجمعية العامة وحدها من تصنع «الأيام». الهيئات التالية فاعلة أيضاً:
- منظمة الصحة العالمية: تعتمد «أياماً صحية عالمية» عبر جمعية الصحة العالمية (مثل اليوم العالمي للصحة).
- اليونسكو: تُسمي أياماً تخص التعليم والثقافة والتراث والعلوم، وتطور مواد تعليمية وإرشادات للبلدان.
- الفاو، الإيكاب، منظمة العمل الدولية: تستخدم الأيام لتسليط الضوء على الجوع، الزراعة، العمل اللائق، وغيرها.
- منظمات حكومية دولية أخرى: مثل مجلس أوروبا والاتحاد الإفريقي قد يطلقان أياماً أو أسابيع إقليمية تتحول لاحقاً إلى اعتراف عالمي.
النتيجة: لدينا اليوم أكثر من 150 يوماً دولياً مع عشرات الأسابيع والسنوات والعهود (عقود دولية) التي تمتد لسنوات، ما يعكس طيف القضايا من الصحة والبيئة إلى الثقافة وحقوق الإنسان.
من «فكرة NGO» إلى اعتراف عالمي
كثير من «الأيام» تبدأ كحملات مدنية، ثم تنضج إلى اعتراف مؤسسي:
- الشرارة: منظمة غير حكومية أو تحالف خبراء يحدد مشكلة تواصلية: نقص وعي، وصمة اجتماعية، سلوكيات ضارة، أو حاجة لتعبئة موارد.
- الهوية: اختيار اسم سهل، هاشتاغ، لون أو رمز (شريط، زهرة، مصباح...)
- الدليل والقصص: تقارير، إحصاءات، وروايات إنسانية قابلة للنشر.
- شركاء تطبيق: جامعات، مدارس، شركات، بلديات قادرة على تنفيذ أنشطة سنوية.
- نافذة الاعتراف: عندما تتسع المشاركة، يبحث القائمون عن دولة أو مجموعة دول لقيادة مسودة قرار أممي.
ليست كل الأيام المدنية تصبح «أياماً أممية». بعض المناسبات تبقى شعبية واسعة دون اعتراف أممي رسمي (مثل يوم «باي» أو أيام تكنولوجية متخصصة)، ومع ذلك تؤثر وتنتشر إعلامياً.
لماذا السياسة حاضرة دائماً؟
التسمية الرسمية ليست تقنية فقط؛ إنها فعل سياسي بامتياز:
- الاصطلاحات: جدل حول الكلمات (هل نقول «إبادة جماعية» أم «فظائع جماعية»؟ «شعوب أصلية» أم «سكان أصليون»؟).
- اختيار التاريخ: تواريخ مرتبطة بأحداث حساسة قد تثير تحفظات دول معينة.
- الأسبقية والملكية: وكالات أو مجموعات دول قد تتنافس على من «يقود» القضية.
- التوازن الجغرافي: حرص على عدم هيمنة قضايا إقليم على حساب آخر.
في الخلفية، تُستخدم الأيام الدولية كأدوات دبلوماسية ناعمة: صوغ سردية، توحيد خطاب، واجتذاب دعم تمويلي لمشاريع مرتبطة بالموضوع.
«أسابيع» و«سنوات» و«عقود» دولية: متى ولماذا؟
عندما تحتاج قضية إلى زخم أطول من 24 ساعة، تلجأ الدول لاعتماد «أسبوع» أو «سنة» أو حتى «عقد» (10 سنوات):
- الأسابيع: مناسبة مكثفة للنشاطات الميدانية.
- السنوات: نافذة لتطوير سياسات وطنية، مراجعة تشريعات، أو إطلاق برامج تعليمية.
- العقود: قضايا بنيوية (مثل محو الأمية، السلامة على الطرق، لغات الشعوب الأصلية) تحتاج نفساً طويلاً ومؤشرات متابعة.
الإجراءات مماثلة لليوم الدولي، لكن الوثائق غالباً تحدد إطاراً برمجياً، شركاء رئيسيين، وآليات متابعة وتقارير.
كيف تُعتمد الأيام الوطنية؟
داخل الدول، تُسمى «الأيام الوطنية» أو «المناسبات الرسمية» عبر مسارات تختلف باختلاف الأنظمة:
- قانون تشريعي: البرلمان يصدر قانوناً يحدد المناسبة وتاريخها (غالباً للأعياد الوطنية والعطل الرسمية).
- مرسوم أو قرار حكومي: مجلس الوزراء أو وزير مختص يعتمد يوماً قطاعياً (الصحة، التعليم، البيئة).
- مرسوم رئاسي أو ملكي: خصوصاً في الأنظمة الرئاسية أو الملكية، لاعتماد أيام رمزية أو استعجالية.
- إعلانات مؤسسية: هيئات مهنية (أطباء، مهندسين، معلمين) تحدد يوماً مهنياً يُعترف به لاحقاً حكومياً.
في بعض الدول، هناك تمييز قانوني بين «عطلة رسمية» تُوقف العمل، و«يوم وطني/توعوي» لا يترتب عليه تعطيل. كما تختلف درجة الإلزام: قد يكون اليوم «توصية» للجهات، أو «التزاماً» يتضمن نشاطات تمويلية وتقريرية.
اختيار التاريخ والاسم: بين الرمزية والعملية
كيف يُنتقى التاريخ؟
- ذكرى مفصلية: توقيع معاهدة، حدث تاريخي، ميلاد/وفاة شخصية محورية.
- موسمية: الربط بمواسم الزراعة أو مواقيت دراسية أو فصول مناخية ملائمة للأنشطة.
- تجنب التضارب: الحرص على عدم مزاحمة أيام قائمة أو أعياد وطنية.
- التوافر الإعلامي: اختيار نافذة إخبارية أقل ازدحاماً قد يضمن تغطية أفضل.
أما الاسم، فيُختار وفق معايير الدقة والقبول العام وسهولة الترجمة. أسماء كثيرة خضعت لمفاوضات دقيقة لتجنب تحيزات سياسية أو ثقافية، وأحياناً تُعتمد أسماء إبداعية تضيف قيمة سردية (مثل «أمنا الأرض»).
ما الذي يحدث بعد الاعتماد؟
لا ينتهي العمل عند التصويت. الاعتراف مجرد نقطة بداية:
- صفحة رسمية ومواد إرشادية: تنشر الأمم المتحدة أو الوكالات صفحات تعريفية، مجموعات أدوات (toolkits)، ومواد للتواصل الاجتماعي.
- تعبئة الشركاء: دعوات للحكومات، البلديات، المدارس، والشركات لتنظيم فعاليات.
- قياس الأثر: مؤشرات بسيطة لمدى الوصول (الوصول الإعلامي، المشاركة المؤسسية)، وأحياناً تقارير مرحلية.
- تراكم سنوي: كل عام فرصة لتطوير موضوع فرعي، إطلاق تقرير حالة، أو إعلان التزامات جديدة.
كيف تبني حملة «يوم» ناجحة؟ دليل عملي مختصر
- حدد فجوة واضحة: ما السلوك أو السياسة المراد تغييرها؟
- اجمع أدلة وتوافقاً: موجز سياساتي، بيانات، قصص إنسانية، ورسائل مجربة.
- اصنع هوية قابلة للمشاركة: شعار، ألوان، وهاشتاغ قصير.
- كوِّن ائتلافاً متعدد القطاعات: مجتمع مدني، أكاديميا، قطاع خاص، مدن.
- ابحث عن راعٍ حكومي دولي: بعثة دائمة في الأمم المتحدة أو وكالة مختصة لتتبنى الفكرة.
- اجعل الكلفة منخفضة: صرح بوضوح أن الأنشطة ضمن الموارد القائمة.
- خطط لعامين على الأقل: بناء الزخم يحتاج دورة قبل الاعتراف وبعده.
«أيام أممية» رسمية مقابل «أيام» شعبية: أين الفرق؟
الاختلاط مفهوم: تقويم الإنترنت مليء بـ«أيام». الفرق الجوهري:
- الرسمي: يوم تقره الأمم المتحدة أو وكالة حكومية دولية عبر قرار، ويُذكر في مواقعها الرسمية ويُستخدم في تقاريرها.
- الشعبي/المهني: يوم تطلقه جهة مجتمع مدني أو مهنية أو حتى علامة تجارية، يكتسب زخماً إعلامياً من دون غطاء حكومي دولي.
كلاهما قد ينجح تواصلياً. لكن الاعتراف الرسمي يسهّل إدماج اليوم في السياسات الوطنية والمناهج الدراسية وبرامج التمويل.
لماذا تتكاثر «الأيام»؟
ببساطة لأن «اليوم» أداة منخفضة التكلفة وعالية المرونة. إنه «منصة دورية» تمنح صناع السياسات والإعلام والجمهور موعداً متكرراً للحديث والعمل. ومع ذلك، كثرة الأيام تعني منافسة على الانتباه، لذا تنجح المناسبات الأكثر وضوحاً في الأهداف والأقل ازدواجية والأنشط تنفيذياً.
أسئلة سريعة للباحثين والصحفيين
- هل اليوم مدرج على موقع الأمم المتحدة أو الوكالة المعنية؟
- من الدولة أو المجموعة الراعية؟ وما اللغة الدقيقة للقرار؟
- هل هناك «مجموعة أدوات» ورسائل رسمية لهذا العام؟
- ما القصص المحلية التي تجسد القضية وتدعم التغطية؟
الأسئلة الشائعة
1) من يقرر اعتماد «اليوم الدولي» رسمياً؟
تعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة أو إحدى الوكالات المتخصصة اليوم عبر قرار رسمي. غالباً تأتي المسودة من دولة راعية أو مجموعة دول، وبعد مفاوضات تُعتمد بالتوافق أو التصويت.
2) هل كل «الأيام العالمية» على الإنترنت رسمية؟
لا. هناك أيام رسمية مدرجة في تقاويم الأمم المتحدة والوكالات، وأيام شعبية تطلقها منظمات أو مبادرات. قد تكتسب الشعبية زخمًا واسعًا دون اعتراف أممي.
3) كم عدد الأيام الدولية تقريباً؟
يوجد حالياً أكثر من 150 يوماً دولياً معتمداً، بالإضافة إلى أسابيع وسنوات وعقود موضوعية متعددة.
4) كيف تختار الأمم المتحدة تاريخ اليوم؟
يُختار بناءً على رمزية تاريخية، أو ملاءمة موسمية، أو لتجنب التضارب مع أيام أخرى. أحياناً يرتبط بذكرى حادثة أو توقيع معاهدة.
5) ما الفرق بين يوم دولي ويوم وطني؟
اليوم الدولي يعتمد بقرار أممي ويستهدف جمهوراً عالمياً. اليوم الوطني تعتمده حكومة بلد محدد بقانون أو مرسوم ويُفعَّل ضمن السياسات الوطنية.
6) هل الاعتراف يكلف ميزانية إضافية؟
غالباً تنص القرارات على تنفيذ الأنشطة ضمن الموارد المتاحة لتجنب أعباء مالية جديدة. التمويل يأتي من إعادة ترتيب أولويات أو شراكات.
7) كيف أدفع بقضية لأجل «يوم عالمي» جديد؟
ابدأ بحملة قائمة على الأدلة، كوّن تحالفاً واسعاً، طوّر مواد تواصل جاهزة، ثم ابحث عن دولة راعية داخل الأمم المتحدة لصياغة مسودة قرار والتفاوض حولها.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 



