يُعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أحد أطول النزاعات وأكثرها تعقيدًا في العصر الحديث، فقد امتد لأكثر من خمسة عقود منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967. هذا النزاع، الذي يحمل أبعادًا تاريخية ودينية وسياسية عميقة، أثر بشكل كبير على حياة الملايين من البشر، ليس فقط في المنطقة ولكن على مستوى العالم.
جذور الصراع وتطوراته التاريخية
تعود جذور الصراع إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مع تزايد الدعوات لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وهي المنطقة التي كانت تسكنها غالبية عربية في ذلك الوقت، مع وجود أقلية يهودية متنامية.
بداية المطالبات بوطن قومي
شهدت نهاية القرن التاسع عشر ظهور الحركة الصهيونية، التي دعت إلى عودة اليهود إلى أرض أجدادهم التاريخية. توج هذا بالانعقاد الأول للمؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل بسويسرا، والذي وضع أساس الحركة السياسية المنظمة لإنشاء دولة يهودية. ومع بداية القرن العشرين، ازدادت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مما أدى إلى تغييرات ديموغرافية وتوتر مبكر مع السكان العرب الأصليين. وتصاعدت هذه المطالبات بشكل كبير مع صدور وعد بلفور عام 1917، وهو إعلان صادر عن الحكومة البريطانية تعهد بإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين" دون الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية القائمة في فلسطين.
الانتداب البريطاني والتصاعد الطائفي
بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية، وُضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني من قبل عصبة الأمم. تضمن صك الانتداب التزامًا ملزمًا للحكومة البريطانية بتسهيل إقامة وطن قومي لليهود. في هذه الفترة، تصاعد التوتر بشكل حاد ليتحول إلى صراع طائفي بين المجتمعين اليهودي والعربي في فلسطين، مدفوعًا بالمطالبات المتضاربة على الأرض والمستقبل السياسي للمنطقة. حاولت بريطانيا إيجاد حلول مختلفة، لكن جهودها باءت بالفشل في احتواء العنف المتزايد.
خطة التقسيم وحرب 1948
مع اقتراب نهاية الانتداب البريطاني، أحالت بريطانيا القضية إلى الأمم المتحدة. في عام 1947، وافقت الأمم المتحدة على خطة تقسيم فلسطين (القرار رقم 181) التي أوصت بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة عربية ودولة يهودية، مع وضع القدس تحت وصاية دولية. قوبلت هذه الخطة بالرفض من قبل الجانب العربي والترحيب من قبل الجانب اليهودي. فور انتهاء الانتداب البريطاني وإعلان دولة إسرائيل في مايو 1948، اندلعت حرب فلسطين 1947-1949، التي أسفرت عن قيام دولة إسرائيل وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وبداية الصراع العربي الإسرائيلي الأوسع.
الوضع الراهن بعد عام 1967
الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية
تغير المشهد السياسي والجغرافي بشكل جذري بعد حرب الأيام الستة عام 1967، حيث احتلت إسرائيل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية. منذ ذلك الحين، تخضع هذه الأراضي للاحتلال العسكري الإسرائيلي، وهو الوضع الذي يشكل جوهر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الحالي، حيث لا يزال الفلسطينيون في الضفة الغربية يعيشون تحت الاحتلال، وفي قطاع غزة الذي يخضع لحصار إسرائيلي.
مسيرة السلام المتعثرة والقضايا الجوهرية
على الرغم من الجهود الدولية والإقليمية المتواصلة، فشل الإسرائيليون والفلسطينيون في التوصل إلى اتفاق سلام نهائي يعالج القضايا الجوهرية للنزاع.
محاولات السلام المبكرة واتفاقيات أوسلو
شهدت تسعينيات القرن الماضي بارقة أمل مع إطلاق عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وقد أُحرز تقدم ملحوظ نحو حل الدولتين مع توقيع اتفاقيات أوسلو 1993-1995، التي نصت على إنشاء سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفتحت قنوات للتفاوض على قضايا الوضع النهائي. ومع ذلك، لم تفلح هذه الاتفاقيات في تحقيق سلام دائم وشامل، ولا يزال الفلسطينيون اليوم خاضعين للاحتلال العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة وفي حوالي 165 "جزيرة" مجزأة عبر الضفة الغربية، مما يعيق حرية حركتهم وتنميتهم.
تحديات حل الدولتين
تتمثل القضايا الرئيسية التي أعاقت إحراز المزيد من التقدم في مسيرة السلام في مجموعة من المسائل المعقدة والمتشابكة التي تمس جوهر الوجود والحقوق لكلا الطرفين:
- الأمن: المخاوف الأمنية المتبادلة لكلا الجانبين.
- الحدود: تحديد الحدود النهائية للدولة الفلسطينية المستقبلية بناءً على خطوط 1967 مع تبادلات أراضي متفق عليها.
- حقوق المياه: تقاسم الموارد المائية الشحيحة في المنطقة.
- السيطرة على القدس: مكانة القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، والمطالبات الإسرائيلية بالقدس الموحدة كعاصمة لها، مع الأخذ في الاعتبار أهميتها الدينية لليهود والمسيحيين والمسلمين.
- المستوطنات الإسرائيلية: مصير المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي يعتبرها القانون الدولي غير شرعية وتحديًا لحل الدولتين.
- حرية حركة الفلسطينيين: القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين بين المدن والقرى وفي القدس.
- حق العودة للاجئين الفلسطينيين: مصير ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا خلال حروب 1948 و1967.
لقد كان عنف الصراع، في منطقة غنية بالمواقع ذات الأهمية التاريخية والثقافية والدينية في جميع أنحاء العالم، موضوع العديد من المؤتمرات الدولية التي تتناول الحقوق التاريخية والقضايا الأمنية وحقوق الإنسان، وكان عاملاً يعيق السياحة والوصول إلى المناطق المتنازع عليها بشدة.
العنف وتداعياته
تميز الصراع بمستويات عالية من العنف طوال مدته تقريبًا، حيث تشارك في القتال الجيوش النظامية والجماعات شبه العسكرية والخلايا الإرهابية والأفراد. لم تقتصر الإصابات على العسكريين، بل سقط عدد كبير من القتلى المدنيين من كلا الجانبين. هذا العنف أثر بشكل عميق على البنية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة، وأدى إلى تداعيات إنسانية واسعة النطاق.
الأطراف الفاعلة والجهود الدولية
تشارك في الصراع أطراف دولية وإقليمية بارزة تسعى للوساطة أو لها مصالح استراتيجية في المنطقة.
القيادة الإسرائيلية والفلسطينية
الطرفان الرئيسيان المنخرطان في المفاوضات المباشرة هما الحكومة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية. على مر السنين، أظهرت استطلاعات الرأي (ففي عام 2007 مثلاً) أن غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين يفضلون حل الدولتين كوسيلة لحل النزاع، على الرغم من أن انعدام الثقة المتبادل والاختلافات الكبيرة حول القضايا الأساسية، وكذلك الشكوك حول التزام الطرف الآخر بالوفاء بالالتزامات في اتفاق نهائي، لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا.
الرباعية الدولية وجامعة الدول العربية
تتوسط المفاوضات الرسمية فريق دولي يعرف بـ اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط (الرباعية)، ويمثله مبعوث خاص يتكون من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. كما أن جامعة الدول العربية هي جهة فاعلة أخرى، وقد اقترحت خطة سلام بديلة تتضمن مبادرة السلام العربية.
دور الدول الإقليمية
كانت مصر، العضو المؤسس لجامعة الدول العربية، تاريخيًا مشاركًا رئيسيًا في جهود الوساطة. كما كان للأردن دور محوري، خاصة بعد تخليه عن مطالبته بالضفة الغربية في عام 1988، ولديه دور خاص في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس.
الانقسام الفلسطيني الداخلي
منذ عام 2006، شهد الجانب الفلسطيني انقسامًا داخليًا عميقًا بين فصيلين رئيسيين: حركة فتح، الحزب المهيمن تقليديًا، ومنافستها الانتخابية حماس، التي تعمل أيضًا كمنظمة مسلحة. فبعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، اشترطت اللجنة الرباعية المساعدة الخارجية المستقبلية للسلطة الوطنية الفلسطينية بالتزام الحكومة المستقبلية بنبذ العنف والاعتراف بدولة إسرائيل وقبول الاتفاقات السابقة. رفضت حماس هذه المطالب، مما أدى إلى تعليق الرباعية الدولية لبرنامج المساعدة الخارجية، وفرض الإسرائيليين عقوبات اقتصادية. بعد ذلك بعام، في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007، تم تقسيم المنطقة المعترف بها رسميًا على أنها السلطة الفلسطينية بين فتح في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة. أدى تقسيم الحكم بين الحزبين بشكل فعال إلى انهيار حكم الحزبين في السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، في عام 2014، تم تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، مؤلفة من كل من فتح وحماس، في محاولة لرأب الصدع.
حكومات الوحدة وتوقف المفاوضات
بدأت الجولة الأخيرة من مفاوضات السلام في يوليو 2013 لكنها توقفت في عام 2014 دون تحقيق أي اختراقات ملموسة، مما يعكس عمق الخلافات وصعوبة التوصل إلى حلول دائمة.
التوترات الأخيرة (مثال أزمة 2021)
تستمر التوترات في التصاعد بشكل دوري، ففي مايو 2021، على سبيل المثال، شهدت المنطقة أزمة إسرائيلية فلسطينية كبيرة بدأت باحتجاجات في القدس تصاعدت إلى إطلاق صواريخ من غزة وردت عليها إسرائيل بضربات جوية عنيفة. هذه الأحداث المتكررة تسلط الضوء على هشاشة الوضع وضرورة إيجاد حل شامل وعادل.
الأسئلة الشائعة
- ما هو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
- هو نزاع سياسي وجيوسياسي مستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول الأرض والحقوق في منطقة فلسطين التاريخية. يُعد أحد أطول النزاعات في العالم وأكثرها تعقيدًا، وله جذور تاريخية ودينية وسياسية عميقة.
- متى بدأ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية؟
- بدأ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب الأيام الستة عام 1967، وقد استمر لأكثر من خمسة عقود منذ ذلك الحين.
- ما هي القضايا الرئيسية التي تعيق حل الصراع؟
- تشمل القضايا الرئيسية الأمن، والحدود، ومكانة القدس، والمستوطنات الإسرائيلية، وحقوق المياه، وحرية حركة الفلسطينيين، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
- ما هو حل الدولتين؟
- حل الدولتين هو مقترح لإنهاء الصراع من خلال إنشاء دولتين مستقلتين: دولة إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن. يعتبر هذا الحل هو الأكثر تفضيلاً من قبل العديد من الأطراف الدولية والعديد من الإسرائيليين والفلسطينيين.
- ما هي اتفاقيات أوسلو؟
- اتفاقيات أوسلو هي سلسلة من الاتفاقيات التي وُقعت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في الفترة من 1993 إلى 1995. هدفت هذه الاتفاقيات إلى إقامة سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالية وتمهيد الطريق لمفاوضات الوضع النهائي، لكنها لم تنجح في التوصل إلى اتفاق سلام شامل.
- ما هي اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط؟
- هي فريق دولي يتكون من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وتتوسط اللجنة الرباعية المفاوضات الرسمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتسعى لدعم عملية السلام في المنطقة.
- ما هو الانقسام الفلسطيني الداخلي؟
- يشير إلى الانقسام السياسي والجغرافي بين فصائل فلسطينية رئيسية، أبرزها حركة فتح التي تسيطر على الضفة الغربية وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، وقد أثر هذا الانقسام بشكل كبير على القدرة على تشكيل جبهة فلسطينية موحدة في مفاوضات السلام.

English
español
français
português
русский
العربية
简体中文 